Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهديد ترمب بإغلاق "تويتر" يشكل لحظته الأصدق

الحقيقة الوحيدة التي كشف عنها تتجسّد في أنه يعلم بأن الحقائق ستطيح به

في خضم مزاج أميركي معتكر حيال إصابات كورونا ووفياته اختار ترمب لحظة حربه مع "تويتر" (اكسيوس.كوم)

للمرّة الأولى في تاريخه القصير، تبنّى "تويتر" موقفاً سياسياً الأسبوع الماضي بإضافة تحذير إلى إحدى تغريدات الرئيس ترمب، إذ زادت الشركة الشهيرة في وسائط التواصل الاجتماعي، علامة تنبيه بضرورة تدقيق الحقائق، إلى تغريدة ترمب حول التصويت عبر البريد. وعند النقر على تلك العلامة، يعمل الرابط الإلكتروني فيها على توجيه المستخدمين إلى عدد من وسائل الإعلام التي تدحض ما يقوله في تغريدته عن كون التصويت عبر البريد "مزوّراً" في الغالب. ولأن فضاء "تويتر" كان دائماً مفيداً بالنسبة إلى ترمب، فقد نُظر إلى هذا الإجراء على أنه انتكاسةٌ كبيرة للرئيس، وانتصارٌ كبيرٌ للحقيقة.

وبالطبع لم يبدِ الرئيس نظرة إيجابية تجاه هذا النوع من التدقيق في الحقائق. وفي انتفاضته ( في حينه)، كتب وعلى "تويتر" للمفارقة، أن "الجمهوريين يشعرون بأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تُسكِت أصوات المحافظين تماماً". وأضاف، "سنعمل على تنظيمها أو إغلاقها، قبل أن نسمح بحدوث ذلك". (لكن يجدر التوضيح أن الرئيس قد لا يتمتّع بالسلطة لتطبيق ذلك على الشركات الخاصة، كما أنه ليس صحيحاً أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تُسكِت الأصوات المحافظة. ويُعتبر "تويتر" الدليل القاطع على هذه الحقيقة، وآمل في أن يتحقّق "تويتر" من صحة هذا الادّعاء بالصرامة ذاتها التي تعامل بها مع ادّعاء التصويت عبر البريد). 

إن ما يثير الاهتمام في ذلك كله، يتمثّل في أن ترمب، من خلال انتفاضته على "تويتر" ضد التدقيق في الحقائق، أثبت في الأساس أن ما قاله دائماً ليس سوى محض افتراء ولم يكن حقيقة أبداً. لذا، يُعتبر غضبه على الشفافية، بطريقة ما، تصرّفه الأكثر شفافية على الإطلاق مع الشعب الأميركي. فما يريده الرئيس، ويريدنا أن نعرفه، هو التصريح له باختلاق واقعه الخاص ومنحه التفويض المطلق للتصرف كما يشاء. وتعني الرئاسة بالنسبة إليه التحرّر من الأعراف، وأولها عُرف قول الحقيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حاول عدد من وسائل الإعلام تصنيف أكاذيب الرئيس. وقد طلب منه الصحافيون بوضوح في مناسبات عدّة شرح تناقضاته، وتحمّلوا إساءاته في المؤتمرات الصحافية بسبب ذلك. وجمعت "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، من بين صحف أخرى، قوائم شاملة لأكاذيب ترمب التي تتراوح بين كونها حقيرة وإجرامية. وفي مسرح الرأي العام، لم يملك عدد من هذه الأكاذيب أي أهمية، لأن ما يحفّز أتباعه الدائمين يتمثّل في قوة خطابه، وتلك القوة كانت دائماً أكثر فاعلية في محفلَيْن على وجه الخصوص هما الحشود و"تويتر". وحالياً، تُعتبر الحشود شكلاً مندثراً من أشكال الحملات الانتخابية بسبب الوضع الراهن (الذي يشتكي منه ترمب، لما يمثله من مشكلة شخصية بالنسبة إليه، إذ ردّ على ولاية نورث كارولاينا الأسبوع الماضي مهدّداً بسحب تنظيم المؤتمر الوطني الجمهوري منها إذا لم تسمح بملء جميع مقاعد قاعة المؤتمر). وبذلك يكون "تويتر" المجال المتبقي للرئيس لمحاولة الترويج لصورته كما يتخيّلها عن نفسه.

ومع ذلك، تكمن مشكلة ترمب في أنه لا يستطيع خوض حملة من دون أكاذيبه، إذ شُيّدت رئاسته بأكملها على أساس فارغ. وإذا انصرف "تويتر" إلى تدقيق الحقائق مع ترمب، وبدأ أتباعه يدركون أن خطابه واهن، فستنهار واجهة رئاسته. لذا، كان ترمب صادقاً عندما كشف لنا أوراقه اليوم. إنه يخشى التدقيق في الحقائق لأن ذلك يكشف عن الأشياء التي يخشاها أكثر من سواها، وتتمثّل في أنّ أكاذيبه ليست مجرد أخطاء أو تضليل ينهض بها رجل غبي، بل إنها محاولات محسوبة من قبل شخص يريد خداع الجمهور الأميركي. إنّ ذلك هو ما يفعله طوال الوقت، والحقيقة الوحيدة التي كشف عنها ترمب تتجسّد في أنه يعلم بأن الحقائق ستطيح به. إنّ الحقائق لعنة على مقامه الهشّ.

وكذلك من المستطاع القول إنه كان يتوجب على "تويتر" فعل هذا قبل فترة طويلة. لقد استغرق الأمر حوالى أربع سنوات (أو ست سنوات، إذا احتسبنا الأكاذيب التي نشرها خلال الحملة الرئاسية السابقة) لمساءلة السلطة، وسيترك ذلك حرقة في قلوب عددٍ كبيرٍ من الأميركيين لسنوات مقبلة. يمكننا أن نأمل بالطبع، في أن هذه اللحظة وهذا الانكشاف لشخصية ترمب وشفافيته العَرَضِيَّة، ستتضخم إلى لحظة أكبر من الوعي لدى الشعب الأميركي. ففي نهاية المطاف، لقد كذب علينا دائماً، ولا يحدث الآن سوى أنه أخيراً أصبح يقول الحقيقة.

لذا يجب أن نصدق كلامه، إذ لا يريد الرئيس أن تتكشّف الحقيقة. لقد قال ذلك بنفسه، واليوم يجب أن نصدقه.

© The Independent

المزيد من آراء