أثار رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عقد الاثنين 11 مارس (آذار) جملة من النقاط تثير قلق واهتمام الشارع في تونس الذي يعتبرها مصيرية ويجب كشفها والمتعلقة بملفات الاغتيالات التي طاولت قيادات سياسية والمعروفة باسم "الجهاز السري لحركة النهضة".
رئيس الجمهورية وفي كلمة ألقاها وافتتح بها اجتماع المجلس بدا فيها في حالة من الغضب ظهرت على ملامحه، وأسلوب خطابه، ووجه رسائل إلى الكثير من الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، أولها رئيس الحكومة ما أظهر أن العلاقة بين الرجلين لا تسير في الاتجاه الصحيح إذ انتقد الرئيس طلب رئيس الحكومة تأجيل اجتماع المجلس، ومقاطعة رئيس الحكومة للرئيس بالقول إن الدعوة إلى حضور الاجتماع وصلته متأخرة.
فشل مجلس النواب
انتقد رئيس الجمهورية أيضاً فشل مجلس النواب في إيجاد قانون أساس لتنظيم حالة الطوارئ في تونس والذي قال عنه موجهاً خطابه إلى رئيس المجلس المشارك في الاجتماع إن رئيس الجمهورية لن يوافق على تمديد حالة الطوارئ مرة أخرى في أبريل (نيسان) المقبل محملاً مجلس النواب مسؤولياته أمام الشعب.
"محتشد الرقاب"
وفي تعقيبه على تصاعد الصدام في وسائل الإعلام في ما سمي "ملف الجهاز السري الخاص لحركة النهضة" نبه قايد السبسي إلى خطورة الاتهامات الموجهة للقضاء بين فريق محامي الدفاع عن ملف شكري بلعيد ومحامي الدفاع عن المتهم مصطفى خضر المتهم بالتورط في ملف الجهاز السري، واعتبر أن من واجب مجلس الأمن القومي التحرك بكل السبل لكشف حقيقة الملف للرأي العام لأن استمرار الغموض سيزيد من ضرب صدقية القضاء ويدمر أحد أهم ركائز الدولة، وطالب رئيس الحكومة ووزير العدل العضو في المجلس بالعمل على إنهاء هذا الملف.
كما أثار رئيس الجمهورية ملف ما سماه "محتشد الرقاب" وهي الفضيحة التي كشفتها وسائل الإعلام حول مدرسة قرآنية في ولاية سيدي بوزيد، شهدت اعتداءات جنسية على قاصرين وفضائح منهج التربية البعيد تماماً من برامج التعليم الرسمية، وتدريب الأطفال على منهج فكري لا يختلف عن مناهج التدريب في الجماعات الإرهابية. واعتبر قضية المدرسة القرآنية قضية تتصل بالأمن القومي واتهم الحكومة بالتساهل في التعاطي معها واعتبارها قضية ليست ذات صبغة إرهابية، في حين تؤكد المؤشرات والدلائل الصبغة الإرهابية للذين يديرون هذه المدرسة.
الإصرار على كشف الحقيقة
ولتأكيد موقفه المطالب بكشف حقائق الاغتيالات والجهاز السري لحركة النهضة، التقى الرئيس الباجي الثلثاء 12 مارس(آذار) وفداً عن مجموعة برلمانية قدّمت شكوى قضائية حول ما يسمّى "الجهاز السرّي". وأطلع الوفد رئيس الدولة بصفته رئيساً لمجلس الأمن القومي على حيثيات الشكوى المرفوعة ومستجدات القضية الأصليّة وما لحق بها من بطء في الإجراءات وتعطّل في مسار كشف حقيقة اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. وكان ثلاثة وأربعون نائباً في مجلس النواب من مختلف الكتل النيابية قد تقدموا بشكوى قضائية، ضد الجهاز السري لحركة النهضة تزامناً مع الكشف عن وثائق سرية خطيرة جديدة، تهدد الأمن القومي وتثبت تورط الجهاز في أعمال تهدد استقرار البلاد.
مواجهة مفتوحة مع رئيس الحكومة
الخلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لم تعد خافية على أحد في تونس، لكن تفاقم الصراع بين رئاستَي الجمهورية والحكومة يثير قلق التونسيين خصوصاً في سنة ستشهد انتخابات تشريعية ورئاسية، وفي ظل ابتعاد رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن حزب نداء تونس الذي رشحه ودعمه لتولي هذا المنصب، وتشكيل مجموعة كبيرة من النواب الموالين له حزباً جديداً أصبح الحزب الثاني في مجلس النواب باسم "تحيا تونس".
الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى مشاط وصف العلاقة بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة بأنها وصلت إلى الطلاق، وأن رئيس الجمهورية فقد تقريباً كل الأوراق السياسية الداخلية التي بيده، وبقي له مجلس الأمن القومي الذي يرأسه ويضم وزراء وشخصيات عسكرية فاعلة ومؤثرة لمواجهة رئيس الحكومة المتحالف مع حركة النهضة. وأضاف مشاط أن رئيس الجمهورية يعتبر هذا التحالف موجهاً ضده أساساً ويراد منه تغطية الملفات التي تُحرج حركة النهضة وخصوصاً ملف الجهاز السري والمدرسة القرآنية في مدينة سيدي بوزيد. وتوقع مشاط أن تشهد تونس بعد انتهاء القمة العربية مواجهة سياسية كبيرة بين الرئاسة ورئيس الحكومة والأحزاب المتحالفة معه وخصوصاً في الدفع لكشف الكثير من الملفات العالقة منذ سنوات في قضايا الإرهاب والاغتيالات.
تصفية حسابات سياسية
استمرار الأزمة والصدام بين رأسَي هرم السلطة في تونس يعتبره الصحافي والإعلامي كمال بن يونس استمراراً لمعركة بدأت منذ أكثر من سنة على خلفية دعوة رئيس الجمهورية إلى استقالة الحكومة، وتعيين رئيس حكومة جديد والذي رفضته القوى السياسية وفي مقدمها حركة النهضة التي طالبت ببقاء الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات. أضاف بن يونس أن هذا الصدام يدخل اليوم ضمن الحملة الانتخابية، وهذه المزايدات حول القضايا الحارقة بتونس، وخصوصاً موضوع الاغتيالات لا يخرج عن سياقه الانتخابي لأن اللعبة استخباراتية إقليمية ودولية، وما يجري اليوم بين أقطاب الحكم وعلى مستوى مجلس الأمن القومي حملات إعلامية انتقائية لن تؤثر في مجرى القضية لأن الإجراءات القضائية طويلة جداً ومعقدة.
الملف خاضع للحوار
وحول المطالبة بتحريك ملف الجهاز السري وكشف حقائقه قال بن يونس إن هذا الملف اليوم خاضع للحوار بين الأطراف السياسية على قاعدة تحسين شروط التفاوض، وليس للبحث عن الحقيقة، فكل الأطراف المهتمة بالانتخابات المقبلة تسعى إلى الضغط وكسب النقاط ضد الأطراف الأخرى، ما سيجعلها تستمر فترة مقبلة ضمن تصعيد السجال السياسي بينها وخصوصاً رئاسة الجمهورية وحركة النهضة بدرجة أولى.
حركة النهضة تكرّر نفيها كل الاتهامات
الاتهامات المتواترة منذ أكثر من خمسة أشهر للحركة بالتورط في قضية الجهاز السري والتي كشفتها هيئة الدفاع عن ملف شكري بلعيد منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعقدت ندوات صحافية متعددة قدمت خلاله جملة من الوثائق الجديدة نفتها الحركة جملة وتفصيلاً. الحركة وعلى لسان العديد من قياداتها نفت هذه الاتهامات واعتبرتها كما قال القيادي علي العريض نائب رئيس الحركة، إن ما يحدث في المدة الأخيرة لا يخرج عن مبالغات تسعى إلى تشويه واستهداف أشخاص لصالح حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهذا بعيد من الديمقراطية التي نريدها، والقضية الآن بيد القضاء، ومن الضروري أن تلتزم كل الأطراف مسافة تحترم من خلالها القضاء ولا تعمد إلى التشويه والضغط على مجريات الأحداث. وعما سيحمله المستقبل القريب من كشف المزيد من الحقائق في هذه الملفات الشائكة، تنتظر تونس معرفة حقيقة القضايا التي غابت في زحام السياسة.