Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استعادة بهجة الحياة شرط أول لإنقاذ الاقتصاد ويليه فتح المحلات

تستطيع الحكومات منع الناس نسبياً من أشياء معينة لكنها تعجز عن إرغامهم على إنفاق المال

تخفيف إجراءات العزل والإغلاق لا يعيد النشاط الاقتصادي بل ثقة الناس بغد أفضل (رويترز)

تستطيع الحكومات أن تخبر الناس إن في مقدورهم فتح مؤسساتهم، لكنها لا تستطيع جعل الناس يدخلون إلى هذه المؤسسات ويشترون منها.

وبلغ العالم الآن نقطة تحول غريبة. إذ تُرفع الإغلاقات تدريجياً في كل مكان، في بلدان قبل غيرها بقليل وفي أخرى في شكل أبطأ بقليل من غيرها. لكن الحكومات هي مجرد حكومات. إذ تستطيع منع الناس من فعل أشياء (ولا تنجح دائماً في ذلك)، لكنها لا تستطيع جعلهم ينفقون المال إن لم يريدوا ذلك. ومن الميزات الشاملة للأسابيع القليلة الماضية أن معدلات المدخرات حلّقت في كل مكان تقريباً.

فقد تراجعت المداخيل لدى كثيرين من الناس، غير أن الإنفاق تراجع أكثر. ولذلك يمكن في بريطانيا لصالات عرض السيارات والأسواق المفتوحة أن تفتح أبوابها بدءاً من يوم الاثنين المقبل، والمحلات ومراكز التسوق كلها بدءاً من 15 يونيو (حزيران)، على الرغم من أن ذلك سيترافق مع التباعد الاجتماعي الذي اعتدنا عليه الآن في الأماكن المفتوحة.

لكن الأمكنة الأخرى كلها، المطاعم والحانات والفنادق ومراكز اللياقة البدنية وصالات السينما والمسارح وصالونات الحلاقة، ستبقى مقفلة. ستظل العناصر الممتعة في الاقتصاد مختفية لبعض الوقت.

وهذه مشكلة كبرى. إذ لا تكتفي الحكومة البريطانية على غرار سائر الحكومات حول العالم، بأن تلح علينا لنتخذ جانب الحيطة والحذر، بل تشير أيضاً إلى أن الطرق الطبيعية التي نريد أن نعيش حياتنا وفقها، كالحصول على قصة شعر، بعيدة عن المتناول. ويمكنكم بالطبع أن تفهموا السبب. وبعدما تعاملت مع الفيروس في البداية بطريقة سيئة من خلال تفاعل أبطأ من اللازم، لا تريد الحكومة أن تبدو كأنها تخفف إجراءات الإغلاق بأسرع مما يجب. ونتج من ذلك فرض ضغط اجتماعي ضخم من أجل الالتزام. إذ يتشمسّ الناس في الحدائق العامة، وهذا نشاط بريء جداً، لكن مواطنين آخرين أدانوهم ووصفتهم الصحافة بـ"حمقى كورونا".

وفي المملكة المتحدة، ستكون النتيجة أن إطلاق الاقتصاد سيستغرق وقتاً طويلاً في الأقل. وبالطبع، كلما طال الوقت قبل جعل الناس ينفقون المال، سيطول الوقت قبل جعل الناس يجنون المال. وسيخرج الموظفون الحكوميون ومن يعملون في وظائف آمنة، من هذا الوضع ككل وهم أكثر غنىً. إذ ستبقى مداخيلهم على ما هي عليه، لكن إنفاقهم سيهبط. وسيتحمل الأعباء الناجمة عن ذلك، الأصغر سناً والعاملون في أنشطة أقل أماناً. إذ يميل الأقل تأثراً صحياً إلى أن يكون أكثر تأثراً مالياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فما الذي يجب أن ننظر فيه لنعرف سرعة التعافي المرتقب للاقتصاد؟ ثلاثة أشياء.

أولاً، يجب أن نعرف ماذا يحدث في بلدان أخرى قريبة ثقافياً منا وتسبقنا قليلاً في هذا المجال. تقدّم الولايات المتحدة نموذجاً واضحاً. فلو نظرتم مثلاً، في نسبة الناتج المحلي الإجمالي الذي ننفقه على الاستهلاك، يكون البريطانيون أقرب كثيراً للأميركيين منهم إلى الألمان أو اليابانيين. وفي غياب الأرقام حتى الآن، توفر لنا نتائج مبيعات عطلة "يوم الذكرى" Memorial Day [= "يوم الجندي المجهول"] في الولايات المتحدة الاثنين الماضي، الأدلة الأولى.

فحين تفتح المحلات في المملكة المتحدة، ستوفر سلسلة من الصفقات لأن لديها مخزوناً كبيراً تريد بيعه. ويتمثّل التحدي في بلورة عامل جذب، بمعنى الإشارة إلى أن هذه الفرصة للحصول على صفقات مهمة لن تتكرر. لكن من الصعب إطلاق طفرة مبيعات في عالم من التباعد الاجتماعي. في المقابل، إذا بدأت المبيعات بالتجزئة في الولايات المتحدة في الارتفاع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يمكن للبائعين بالتجزئة في المملكة المتحدة أن يكونوا أكثر تفاؤلاً.

وثانياً، نحتاج إلى جعل الحانات (وسائر الأجزاء الممتعة من الاقتصاد) تفتح أبوابها وتعمل في شكل طبيعي. وإلى أن يحدث ذلك، لن يتحقق تعافٍ مستدام لأننا نحتاج إلى دعم الطلب بواسطة التوظيف الذي تولّده صناعات متصلة بتلك الخدمات. واستطراداً، لن نعرف قبل سبتمبر (أيلول) مدى الاستدامة المستقبلية للانتعاش الأولي المتحقق الآن. من وجهة إحصائية، تبدو الأمور في مسار تصاعدي. إذ تشير البيانات إلى قاع إحصائي شهده الاقتصاد العالمي في أبريل (نيسان)، لكنني قلق من تكرّر الهبوط في الخريف مع تفاقم البطالة واستمرار الخوف عند الناس.

ثالثاً وأخيراً، يستحيل حصول انتعاش عالمي مستدام إلى أن يتمكن الناس مجدداً من التنقل حول العالم. إذ يشكّل السفر والسياحة 11 في المئة من اقتصاد العالم، ويوظفان نسبة أعلى حتى من قوته العاملة. وكذلك يمثّل النشاط في هذا المجال الآن جزءاً بسيطاً مما يكون عليه عادة، بل يقارب الصفر في بعض المجالات كالرحلات البحرية. ويُعَد فتح المحلات أقل أهمية من فتح مجالات السفر. ومن المحزن أن هذا الأمر يبدو أبعد من الأوقات الماضية كلها.

نظراً إلى ما تقدم كله، يبدو السماح للمحلات في المملكة المتحدة بفتح أبوابها خطوة صغيرة إلى حد ما. إذ يحب الناس شراء الأشياء، لكنهم يحبون أكثر السفر والاستمتاع برفقة بعضهم بعضاً. ولن يتمكن الاقتصاد العالمي من الانتعاش حقاً إلى أن يعود شيء من البهجة إليه.

© The Independent

المزيد من آراء