Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارك ترمب الكثيرة وصلت إلى جبهة "تويتر"

تكتيكات الرئيس الأميركي وحملته متواصلة و"فيسبوك" يسارع إلى توبيخ العصفور الأزرق

مع تزايد منسوب قلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن فرص إعادة انتخابه قبل نحو خمسة أشهر من موعد الاقتراع، توقع مراقبون في واشنطن أن يطلق الرئيس وحملته الانتخابية العنان لمعارك كثيرة على جبهات عدة، ذلك أن معركته الأخيرة مع "تويتر"، لا تُعد سوى فصل آخر في حملة استمرت سنوات للتأكد من أن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي يشعرون بأن لا خيار آخر أمامهم سوى الاستجابة لرغباته، وأن معارك ترمب مع وسائل الإعلام التقليدية والتي كان آخرها هجومه على شبكة "فوكس نيوز" الداعمة له ، ليست إلا واحدة من سلسلة معارك اتسمت بها رئاسة ترمب الذي يستخدم تكتيكات سياسية أفلحت في معركته الانتخابية السابقة، فيما يعتقد حلفاؤه أنه قادر على إعادة استخدامها بنجاح، كما فعل في أحلك الأوقات ظلمةً، مثل معاركه مع الديمقراطيين حول التدخل الروسي وخلال محاولة عزله في الكونغرس، فضلاً عن صراعاته مع الصين في الملف التجاري وحول منشأ فيروس كورونا. فهل ستنجح تكتيكات الرئيس الأميركي مجدداً أم أن الوضع تغيّر الآن؟

لماذا تغير "تويتر"؟

قبل أيام دفع ترمب مرة أخرى نظرية مؤامرة جديدة إلى الواجهة، قد يعتبرها البعض هامشية، إلا أنها من وجهة نظر آخرين تُعد نموذجاً لتكتيكات سياسية يواظب عليها منذ سنوات، إذ أشار في تغريدة له إلى أن جو سكاربورو مقدم برامج قناة "أم أس أن بي سي" قتل مساعدته في مكتبه قبل نحو 20 سنة عندما كان عضواً في الكونغرس عن ولاية فلوريدا، قائلاً إنه "موقف مريب للغاية"، وهو ما اعتبره خصوم الرئيس الأميركي محاولةً لتشويه سمعة قناة تلفزيونية اعتادت على مهاجمته.

إلا أن المساعِدة التي تدعى لوري كلاوسوتيس كانت توفيت بسبب مرضها بالقلب وارتطام رأسها بمكتب بينما كان سكاربورو على مسافة 800 ميل من الحادث. وبعد سلسلة تغريدات من ترمب تدعم نظرية المؤامرة، طالب زوج السيدة المتوفاة شركة "تويتر" الأسبوع الماضي بإزالة سلسلة التغريدات التي أذت مشاعر العائلة واعتدت على خصوصيتها، لكن "تويتر" رفضت هذا الطلب، بحكم أن الرسائل لا تنتهك قوانينها وسياستها، ما جعل عرّضها لانتقادات واسعة.

إلا أن "تويتر" اتخذ خطوةً أخرى مختلفة يوم الثلاثاء لكبح جماح ترمب، بأن حضّ رواده على تقصي الحقائق التي احتوتها تغريدتين للرئيس الأميركي، عبّر فيهما عن أن التصويت عبر البريد ينطوي حتماً على تزوير. وحذّر "تويتر" من أن المعلومات التي نشرها ترمب قد تكون مضللة، في تصرف هو الأول من نوعه الذي يطبق فيه "تويتر" إخطاراً لتقصي الحقائق على تغريدات للرئيس، ما أثار حنق ترمب ودفعه إلى اتهام الموقع بالتدخل في الانتخابات الرئاسية وتقويض حرية التعبير في الولايات المتحدة، بل هدد بتنظيم وإغلاق منصات التواصل الاجتماعي التي قال إنها تمارس رقابة كاملة على أصوات المحافظين والجمهوريين.

موقف صعب

وقالت جوان دونوفان، مديرة الأبحاث في مركز شورينشتاين في جامعة هارفارد، التي تدرس سوء استخدام المعلومات بهدف التضليل، "إذا لم يتم إبقاء قادة العالم على قدم المساواة مع أي شخص آخر، فإنهم سيتمتعون بمزيد من القوة لمضايقة الآخرين وتشويههم وإسكاتهم". وأضافت أن "تويتر" في موقف صعب، لأنه إذا أزال تغريدات الرئيس فمن المحتمل أن يُسرع بفتح تحقيق ضد المنصة لاتخاذ إجراءات تنظيمية بحقها، بينما السماح بإبقاء تغريداته كما هي سيسمح بانتشار المعلومات الخاطئة".

ويواجه موقع "تويتر" ضغوطاً فردية لأنه الوسيلة الأكثر استخداماً من الرئيس ترمب للتواصل مع الجمهور، حيث كان في وقت مبكر من رئاسته يغرد بمعدل تسع مرات في اليوم الواحد، لكنه قام بتسريع وتيرة تغريداته، بمتوسط 29 تغريدة في اليوم خلال العام الماضي، وفي العاشر من مايو (أيار) الحالي غرّد ترمب 108 مرات، وفقاً لإحصاء صادر عن صحيفة نيويورك تايمز.

ولطالما اتبعت إدارة "تويتر" نهج عدم التدخل في التغريدات على المنصة، ما جعلها تحظى بالإشادة عندما مكّنت المنشقين من التغريد حول الاحتجاجات السياسية، لكنها سمحت أيضاً للمتصيدين وأصحاب الأغراض الخبيثة بالعمل بنشاط، ما جعل الموقع مركزاً للمضايقات والتضليل والإساءة.

تراكمت الانتقادات مع مرور الزمن، وطلبت السناتور الديمقراطية كامالا هاريس في العام الماضي، من الرئيس التنفيذي لشركة "تويتر" تعليق حساب ترمب، لكن "تويتر" لم يفعل شيئاً، على الرغم من أن قادة العالم الآخرين لم يتمتعوا بحرية مماثلة لتلك التي يتمتع بها ترمب على تلك المنصة، حيث أُزيلت تغريدات للرئيسين البرازيلي جايير بولسونارو والفنزويلي نيكولاس مادورو لأنهما شجعا على علاجات غير مثبتة لفيروس كورونا وهو ما لم يحدث مع الرئيس الأميركي.

كيف استفاد ترمب؟

كان واضحاً أن ترمب استفاد في الماضي من بيئة وسائل التواصل الاجتماعي غير المنظمة، حيث أمكن للمحتوى المؤيد لترمب أياً كان مدى دقته وصدقيته، أن ينتشر بحرية عبر الإنترنت. وأثارت انتخابات عام 2016 جدلاً سياسياً حول البيئة غير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي والتي يمكن أن تُشكل تهديداً للديمقراطية بحسب ما يقول الديمقراطيون الذين اعتبروا حينها أن مواقع مثل "تويتر" و"يوتيوب" و"فيسبوك" و"انستغرام"، كانت بمثابة بوابة لقمع الناخبين والسماح بالتضليل الذي قوّض النتيجة وجعلها تميل لصالح الجمهوريين.

لكن منذ ذلك العام، اتخذت شركات وسائل التواصل الاجتماعي بعض الخطوات كي تكون خدماتها أكثر انضباطاً وتوازناً، بما في ذلك إنشاء أسوار للحماية تتعلق تحديداً بالتضليل حول التصويت في الانتخابات، فحظر "فيسبوك" الإعلانات التي تحتوي على معلومات كاذبة ومحتوى قمعي يتعلق بالانتخابات، بينما نشر "تويتر" في يناير (كانون الثاني) الماضي، سياسته حول نزاهة الانتخابات.

غير أن المشرعين الجمهوريين وترمب اتهموا وسائل التواصل الاجتماعي مراراً بممارسة نوع من الحظر والرقابة على المحتوى الخاص بالتيار المحافظ المؤيد تقليدياً للجمهوريين والرئيس. كما تشرف وزارة العدل برئاسة النائب العام بيل بار على تحقيقات ضد الاحتكار في شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى. 


سياق مناسب

لكن ضغطاً كبيراً يأتي من خلال الاتهامات التي يوجهها ترمب، وتهدف إلى إبقاء شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حالة الدفاع باستمرار. ومع مواجهة "فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل" اتهاماته بالتحيز، سيكون من الأصعب عليهم تنفيذ سياساتهم التي وضعوها بعد عام 2016، حتى إذا كانت هناك حاجة ماسة إليها من أجل تحسين حالة الديمقراطية، التي يعتقد ترمب وحلفاؤه أنها ستضر بحظوظهم السياسية. 

وإذا تم تفعيل هذه السياسات في أي وقت، كما حدث يوم الثلاثاء الماضي (26 مايو الحالي)، فإن مزاعم التحيّز سيتردد صداها لأن ترمب خلق بالفعل سياقاً مناسباً يعتقد فيه أنصاره أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل ضدهم، وهو ما أوضحته اتهامات براد بارسكال مدير حملة ترمب، حين اتهم "تويتر" بمحاولة منع الرئيس من الوصول إلى الناخبين، قائلاً "كنا نعلم أن وادي سيليكون سيسعى إلى التدخل وعرقلة إيصال رسالة الرئيس ترمب إلى الناخبين". واعتبر بارسكال أن "مشاركة "تويتر" وسائل الإعلام الإخبارية المتحيزة والمضللة في ما يوصف بتقصي الحقائق، ليس إلا قنبلة دخان يستخدمها "تويتر" لإضفاء صدقية مزيفة على تكتيكات سياسية مفضوحة"، مشيراً إلى أن "أسباباً عدة دفعت حملة ترمب إلى سحب جميع إعلاناتنا من "تويتر" قبل أشهر عدة، أحد هذه الأسباب هو الانحياز السياسي الواضح".

وفي حين أعلنت شركة "تويتر" أنها حظّرت جميع الإعلانات السياسية من على منصتها في خطوة انتقدها بارسكال نفسه من قبل، فإن الهجوم والتشكيك في الموقع جاءا من اتجاهات مختلفة كان أبرزها تساؤل طرحه الابن الأكبر لترمب، عما إذا كان "تويتر" سيبدأ في التحقق بشأن ما يدعيه صحافيون وناشطو اليسار زوراً بأن حملة ترمب تواطأت مع الحكومة الروسية في انتخابات 2016.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


توبيخ من زوكربرغ

ويبدو أن هذا الهجوم من جانب ترمب وحملته أتى ثماره سريعاً، حيث انتقد مارك زوكربرغ رئيس شركة "فيسبوك" في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، قرار "تويتر" قائلاً إن "الشركات الخاصة لا يجب أن تكون الحَكَم حول حقيقة أي شيء يقوله الناس على وسائل التواصل الاجتماعي". كما أوضح أن أي محاولة من ترمب أو الحكومة الفديرالية لفرض رقابة على شركات وسائل التواصل الاجتماعي ليست رد فعل صحيح.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يرضخ فيها "فيسبوك" لرغبات حملة ترمب، ففي مايو 2016، تعرضت شركة "فيسبوك" لانتقادات من المحافظين بقمع تعليقات ذوي الميول اليمينية. وسارع زوكربرغ ومساعدوه إلى عقد اجتماع مع ممثلين عن حملة ترمب أنكروا فيه أي معاملة تفضيلية ضد أنصار المرشح الجمهوري آنذاك، ولكن بعد ثلاثة أشهر، فصلت "فيسبوك" عدداً من المتعاقدين الذين فحصوا الأخبار التي روجت لها المنصة واستبدلتهم ببرامج كومبيوتر لوغاريتمية.

خسارة "تويتر"

وواصل بارسكال دفع وسائل الإعلام المحافظة والمشرعين الجمهوريين إلى توجيه "فيسبوك" ومنصات أخرى نحو التصرف بالطريقة التي يريدونها، ففي مارس (آذار) 2018، وبعد وقت قصير من تعيينه كرئيس لحملة ترمب، حذر في تغريدة له كل من "فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل" من أنه يراقبهم. وقال "هذه فرصتكم للتأكيد بأن الساحة متكافئة"، وسبق هذه التغريدة سيل من الهجمات التي شنها الرئيس الأميركي وحملته ومسؤولون من الحزب الجمهوري أكدوا فيها تحيز شركات وادي السيليكون ضد المحافظين.

وبسبب التجارب السابقة وقوة وضع الرئيس ترمب، لا يتوقع أحد سوى قلة من مراقبين أن يفوز "تويتر" في معركته مع الرئيس ترمب، بل يميل كثيرون إلى أن منصة التغريد سترضخ في النهاية وتخسر المعركة وتترك للرئيس وحملته وأنصاره أن يتصرفوا بالطريقة التي يرغبونها، بخاصة أن ترمب نجح أكثر من أي قائد سياسي حول العالم في إثارة الجدل وجذب عشرات الآلاف من التعليقات والردود.

قوة تغريدات ترمب

ويقول ستيف كول، عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا إن "ترمب ينجح دائماً في نسج قصة يكون فيها دائماً في مركز الاهتمام، وهو حريص على أن يخلق أعداءً له، وهدفه من وراء ذلك هو استكمال هذا النوع من الأفكار التي يعتنقها حول كيفية إدارة الشعبوية في الولايات المتحدة".

وكثيراً ما تكون تغريدات ترمب استفزازية، ولكنها تصيب الهدف بشكل مباشر لأنها تتحدى بشجاعة وأحياناً أخرى "بوقاحة"، مواضيع تشكل معاناةً لكثيرين، وفي كل مرة يغرد فيها يهتف له المعجبون بآرائه، بينما يتمنى أعداؤه النيل منه، وهذا ما كانت تعكسه الردود الكثيفة على تغريداته.

وصرح ترمب من قبل أنه يحب قوة تغريداته ومقدرتها على إشعال المعارك على الإنترنت بين المؤيدين والمعارضين، وعلى دفع الشبكات التلفزيونية إلى التفاعل السريع معها، بعدما أدرك أن ردود فعل الناس حيال الخطابات التقليدية عبر شاشات التلفزيون لا تُحدث أثراً كبيراً، مثلما تفعل تغريداته.
 

80 مليوناً

وبدأ عدد متابعي ترمب في الارتفاع الصاروخي مع دخوله سباق الانتخابات ليصل عددهم الآن إلى أكثر من 80 مليون متابع، ما وضعه ضمن أكثر الشخصيات العالمية شعبية وتأثيراً حول العالم.

ونجح ترمب في أن يجعل "تويتر" وسيلته لإصدار البيانات السياسية وللتواصل مع جمهوره، بشأن القرارات المختلفة بخاصة تلك التي تحدث تأثيراً كبيراً، ومن خلال هذه المنصة أصبح ترمب قادراً على إحداث الاستقرار أو الاضطراب السياسي، وببضع كلمات منه على "تويتر" تتقلب البورصات العالمية وتقفز الأسهم أو تنهار. كما أثبت ترمب على استخدام "تويتر" كسلاح في معاركه السياسية سواء كان ذلك في الداخل الأميركي أو في معاركه مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا.

مزيد من المعارك

ومع استمرار مهاجمة ترمب الصين وتحميلها مسؤولية تفشي كورونا حول العالم، يتوقع معظم المحللين السياسيين تواصل حملة الرئيس ضد بكين كجزء من معركته الانتخابية حيث يتوقع أن يركز خصمه الديمقراطي في الانتخابات جو بايدن على تحميله مسؤولية وفاة أكثر من مئة ألف أميركي وإصابة الاقتصاد بالشلل والانهيار، ما سيجعل ترمب يلقي باللوم على الصين كنافذة للهروب من المسؤولية على الأقل أمام مناصريه في الانتخابات.

وبينما لا يكف ترمب عن مهاجمة وسائل الإعلام التقليدية التي يراها متحيزة وتضخّم الأحداث السلبية وتتجاهل إنجازاته بدوافع سياسية، امتدت معاركه إلى قناته المفضلة "فوكس نيوز" ذات الخط المحافظ التي كال إليها اتهامات قبل أيام قليلة، بعدما أجرت استطلاعاً للرأي أظهر تقدم بايدن عليه بفارق كبير.

وفي ظل هذه المعارك المتواصلة، يتوقع مراقبون أن يطلق ترمب خلال حملته الانتخابية إدعاءات وأقاويل كثيرة من منبر المكتب البيضاوي وأن تكون وسائل الإعلام الإخبارية وشركات تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي أكثر استعداداً للدخول معه في مناوشات بشأن عدم الدقة، لكن لا أحد يعلم تحديداً ما إذا كان ذلك سيحدث أي فرق في المعركة الانتخابية.

المزيد من تقارير