في الوقت الذي تبحث الحكومة العراقية عن حلول اقتصادية للأزمة المالية التي تمر بها البلاد، على إثر انهيار أسعار النفط بسبب تفشّي فيروس كورونا واعتماد الموازنات السنوية على النفط بشكل رئيس، يتجه الفريق الاقتصادي لحكومة مصطفى الكاظمي للبحث عن بدائل جديدة لتنويع مصادر الدخل من خلال فتح باب الاستثمارات الأجنبية.
ولعل إحدى أبرز المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، هي غياب الاستثمارات وعدم تنويع مصادر الدخل، التي لعبت عوامل سياسية داخلية وخارجية دوراً رئيساً في انحسارها، ما أدى إلى زيادة الفقر والبطالة نتيجة الاعتماد شبه الكلي على الدولة.
ويُعدُّ تفشّي الفساد المالي والإداري والبيروقراطية وغياب البيئة الآمنة وحزمة القوانين الاقتصادية الداعمة، أبرز ما يعرقل إمكانية نشوء استثمارات أجنبية في البلاد.
التوازن الاقتصادي مع دول المنطقة
وكان وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي قد بدأ جولة خليجية ضمن مساعٍ لترميم الوضع الاقتصادي، وكانت السعودية هي المحطة الأولى.
وذكر علاوي في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" أن "أحد أهداف الحكومة العراقية إعادة التوازن مع دول المنطقة، من الناحية الاقتصادية والتجارية، وأن الدور الاقتصادي السعودي في البلاد نوعاً ما خجول -على حدّ تعبيره- خصوصاً أن حجم اقتصاد المملكة يعادل نصف حجم اقتصاد العالم العربي".
وأشار إلى أن "وجود الاستثمارات السعودية ضعيف نسبياً مقارنة بتركيا وإيران، اللتين يصل حجم استثماراتهما إلى 12 مليار دولار في السنة، مقابل حجم استثمارات الرياض في العراق الذي يصل إلى مليار دولار في السنة".
ويشترك المتخصّصون في الاقتصاد في نظرتهم للإشكالات التي أسهمت بالتقليل من فرص الاستثمار الأجنبية في قطاعات عدّة، منها الصناعة والطاقة.
في هذا السياق، يقول الاختصاصي الاقتصادي ماجد الصوري لـ"اندبندنت عربية" إن "الاستثمارات تُعدُّ مسألة أساسية لكنها بحاجة إلى بيئة سليمة"، موضحاً أن "التعاون الاقتصادي مع السعودية، باعتبار أن لديها شركات عالمية كبرى وإمكانات مالية لم تُستغلّ حتى الآن، من الممكن أن يسهم في حل مشكلة البطالة إلى درجة كبيرة، والتقليل من التضخّم الكبير في الجهاز الإداري الحكومي من خلال جذب الموظفين إلى العمل في القطاع الخاص، شرط أن يكون مدعوماً بضمان اجتماعي وصندوق تقاعد".
وأشار إلى أن "الشركات السعودية تمتلك إمكانات واسعة من الناحية الفنية والمالية. ومن ناحية النفط والغاز، لديها خبرة كبيرة خصوصاً شركة أرامكو، فضلاً عن الخبرة في قطاع الصناعات المعدنية والبتروكيمياوية"، مبيناً أن "الاستفادة من خبراتها مسألة ضرورية لتطوير الصناعات النفطية وبقية القطاعات المرتبطة بها".
ولفت إلى أن "إمكانية اللجوء لتلك الشركات ليست في إطار الخبرة الفنية فقط، بل في سياق التمويل أيضاً، وهذه مسألة يحتاج إليها العراق في الوقت الحالي".
ربط الطاقة الكهربائية
وعن الشراكة في إطار توفير الطاقة الكهربائية، شرح الصوري أن "فكرة الربط الكهربائي قديمة وتعود إلى سبعينيات القرن الماضي، والتعليمات والقوانين المصاحبة لها موجودة في الجامعة العربية، إلّا أنّ الظروف لم تسمح بتفعيلها"، مرجّحاً أن يكون ربط الكهرباء عاملاً مهماً جداً للتخلص من أزمة تجهيز الطاقة التي يمر بها العراق.
وأشار إلى أن "التوازن في العلاقات الاقتصادية مع المحيط الإقليمي مسألة مهمة جداً للتفلّت من التبعية لاقتصادات معينة".
سوق واعدة
ولعلّ ما دفع بغداد إلى التفكير ببدائل اقتصادية هو انخفاض واردات النفط العراقية إلى حدود قياسية، إذ بلغت نحو 1.2 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي.
ويُعتبر نشاط الاستيراد الواسع الذي شهدته البلاد بعد عام 2003، أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في تدهور الصناعة والزراعة محلياً، فضلاً عن كون هذا النشاط يستهلك عشرات المليارات من الدولارات سنوياً نتيجة غياب الإنتاج المحلي، إضافةً إلى كونه أحد منافذ غسيل الأموال وتهريب العملة، بحسب مراقبين.
من جانبها، أوضحت أستاذة الاقتصاد سلام سميسم في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "أسعار تجهيز الطاقة السعودية منافسة وأقل من مثيلاتها التي تجهّزنا بها دول أخرى، وهذا يشكّل أهمية استثنائية للعراق بسبب تنامي العجز وضعف موارد البلاد المالية".
وأضافت أن "توفر السيولة المالية للشركات الصناعية السعودية قد يسهم في تحريك الاقتصاد الوطني، في ما لو فُتح باب الاستثمار لها، والعراق بالنسبة إلى تلك الشركات يُعدُّ سوقاً واعدة"، مبيّنة أن "على بغداد تحفيز الاستثمارات التي تطوّر الإنتاج المحلي وعدم الاعتماد على التبادل التجاري الذي يغرق السوق بمنتجات أجنبية تضعف الصناعة والزراعة المحليتين".
وأشارت إلى أن "النظام الاقتصادي العراقي متخم بالبيروقراطية والفساد، واستمرار هذا الوضع سيكون عاملاً طارداً لأي استثمارات أجنبية".
مصالح اقتصادية ومناورة سياسية
ولعلّ نية العراق الانفتاح اقتصادياً على السعودية قد تعتبره إيران خطراً عليها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 12 مليار دولار يجري باتجاه واحد من دون أن يصدّر العراق شيئاً يُذكر. وكانت طهران قد عبّرت في وقت سابق عن سعيها إلى مضاعفة صادراتها لتصل إلى حدود 20 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن عقود استيراد الطاقة.
في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر لـ"اندبندنت عربية" إن "الواقع الجغرافي والسياسي يجبر العراق على التعاطي مع السعودية كما يتعاطى مع بقية دول الجوار"، مبيّناً أن "بغداد بحاجة إلى تنويع علاقاتها الخارجية والبحث عن حلول لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية".
وأضاف، "حكومة حيدر العبادي أسّست لهذا التوجه، وكانت هناك بوادر اتفاق بين السعودية والعراق لكنها لم تحظَ بالأولوية في حكومة عادل عبد المهدي".
وأشار إلى أن "السلطة التنفيذية الحالية بفريقها الاقتصادي مدركة أنها بحاجة إلى تخطيط علاقاتها مع السعودية وفق معطيات جديدة، خصوصاً أن الرياض تملك اقتصاداً قوياً وبدائل عدّة يحتاج إليها العراق لتنويع مصادره"، قائلاً إن "هذا الانفتاح يعطي للبلاد مساحة للمناورة في التعاطي مع الدول المؤثرة سياسياً فيها".
وتابع أن "إيران قد تعتبر هذا الحراك محطة خاسرة لها، لكنها باتت تدرك أن الاستثناءات الأميركية لن تدوم. ومن باب آخر، تحاول التضحية بهذا الاستثناء في سبيل الإبقاء على التبادل التجاري مع العراق".
وختم أن "السعودية قد تكون بوابة لحلّ إشكالية اقتصادية لا تملك طهران مساحة توفير فرص بديلة عنها لبغداد، من ضمنها خطوط تصدير جديدة للنفط قد تغنيها عن الممرّ التركي".