Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يغيّب طقوس "يوم الذكرى" في الولايات المتحدة

أميركا الحزينة رهن صلوات معلقة وأعلام منكسة

من تقاليد يوم الذكرى زيارة المقابر تكريما لضحايا الحروب (غيتي)

كما أن للولايات المتحدة جبروتها الاقتصادي، وترسانتها العسكرية التي لا تُضاهى، فلها أيضاً نصيب كبير من الحزن الذي فاقمه كورونا، بعدما تخطت أعداد الوفيات التي سجلتها البلاد خلال ثلاثة أشهر فقط حاجز الـ100 ألف شخص، في حصيلة مأساوية فاقت عدد الضحايا في حرب فيتنام طيلة عقدين متواصلين.

ويبدو الحزن الأميركي في مستهل الأسبوع الأخير من مايو (أيار) الحالي، مضاعفاً أكثر من أي وقت مضى، إذ تستقبل الولايات المتحدة يوم الذكرى "Memorial Day" خالية الوفاض من الاحتفالات والمسيرات التي تحيي أرواح الجنود العسكريين وتضحياتهم كل عام، لكن ومع ذلك الحزن، لم يفقد المواطنون روحهم الساخرة، التي اتجهت للتندر من العطلة السنوية، اليوم، على خلفية توقف الأعمال في الأصل، ووجود ملايين الأشخاص الذين لم يعد لديهم أي وظائف ليتغيبوا عنها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعمّقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأسى عندما افتتحت صباحات قرائها بصفحة أولى ضمّنت فيها قائمة بأسماء ألف شخص مع أعمارهم ومهنهم، ممن لقوا حتفهم جراء فيروس كورونا، واصفةً حجم الخسارة بأنها "لا تُحصى"، وقالت إن الأرقام وحدها لا تعكس تأثير ما أحدثه الفيروس في الولايات المتحدة، سواء أكانت أعداد المرضى تحت العلاج، أو الوظائف المفقودة، أو الأرواح التي رحلت مبكراً. وأضافت الصحيفة، "يمثل الألف شخص 1 في المئة فقط من إجمالي الوفيات. لم يكونوا مجرد أرقام."

الموت لم يمنع الاحتفالات الفردية

وعلى الرغم من المناظر المؤلمة التي سببها كورونا من إفلاس الشركات، ومعاناة الولايات الساعية إلى رفع معدلات الفحوصات في ظل نظام صحي أُثقل كاهله جرّاء الإصابات المسجّلة شرقاً وغرباً، فإن الآمال ما زالت معقودة، إثر تناقص الأعداد يوماً بعد آخر، فيما تأخذ الحياة مجراها ما بين حذر البعض، وتهور آخرين.

وبالتزامن مع مناسبة يوم الذكرى، حذّر خبراء من مغبة التجمعات، إذ علّق ستيفن هان، مفوض إدارة الغذاء والدواء قائلاً "مع بدء البلاد في الفتح خلال عطلة نهاية الأسبوع، أذكّر الجميع مرة أخرى أن الفيروس لم يتم احتواؤه بعد، والأمر متروك للأفراد لحماية أنفسهم ومجتمعهم. التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين، ولبس الكمامات وسائل لحمايتنا".

وفي سياق متصل، أعربت ديبورا بيركس، منسقة فريق مكافحة فيروس كورونا في البيت الأبيض، عن قلقها بشأن مشاهدة الأشخاص الذين يتجمعون معاً خلال عطلة نهاية الأسبوع، وشددت على ضرورة التزام التباعد الاجتماعي، وارتداء قناع الوجه.

ولم تلبث أن خرجت هذه التصريحات، حتى تداول نشطاء صوراً ومقاطع فيديو، أمس الأحد، توثّق احتفالاً مكتظاً لأعداد كبيرة في إحدى البحيرات بولاية ميسوري، وفي حادثة مماثلة، اكتظ أحد أشهر شواطئ ولاية ميريلاند بالزوار، إلى درجة دعت السلطات إلى منع الدخول بعد امتلائه، وكذلك الحال في كاليفورنيا، وغيرها من الولايات التي تفاعل سكانها مع المناسبة السنوية، التي تشكل بالنسبة إليهم البداية غير الرسمية للصيف.

ومثل كثير من الأميركيين الذين قضوا أوقاتهم في الهواء الطلق، توجّه ترمب، أمس الأحد، إلى فرجينيا للعب الغولف، ما دفع المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة جو بايدن، إلى التغريد عبر "تويتر" قائلا "توفي ما يقارب مئة ألف شخص، وأصبح عشرات الملايين عاطلين عن العمل، بينما يقضي الرئيس يومه في لعب الغولف".

وفي سياق الضغوط التي تواجهها الحكومات المحلية لإعادة الفتح، وتخفيف القيود، حثّ ترمب حكام الولايات على إعادة فتح دور العبادة، واعتبار الكنائس والمعابد مرافق تقدم خدمات أساسية، وقال في إطلالة قصيرة، الجمعة الماضي، "نحن في أميركا بحاجة إلى مزيد من الصلوات لا التقليل منها."

تقاليد يوم الذكرى

ويستذكر الناس في أواخر مايو (أيار) سنوياً، عدداً لا يُحصى من الجنود الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الولايات المتحدة، ويبدأ تاريخ المناسبة من بعد الحرب الأهلية، التي تركت أميركا في حاجة إلى مراسم وطنية لتكريم القتلى العسكريين، حيث خُصصت نصب تذكارية للجنود، وأقيمت مراسم تركز على زخرفة قبورهم في البلدات والمدن، واُعتبرت المناسبة عام 1971 عطلة فيدرالية، كما تعارف عليها الناس كعلامة تؤذن بقدوم فصل الصيف.

ويجدر التفريق بين يوم الذكرى ويوم المحاربين القدامى، إذ إن الأخير يحتفي بالجنود الذين خدموا في الحرب أو وقت السِلم، بغض النظر عما إذا كانوا أحياء أم أمواتا، أما في يوم الذكرى، فيزور الناس المقابر والنصب التذكارية، وغالباً ما يعمل المتطوعون على تنظيف المقابر وتزيينها، ووضع الأعلام على الأضرحة. ومن الطقوس الحديثة "اللحظة الوطنية" التي تقام كل عام في تمام الساعة الثالثة مساءً بعدما أقرها الكونغرس في عام 2000.

وإلى جانب النشاطات الاجتماعية التي تحييها العائلات الأميركية مثل حفلات العشاء والشواء الخارجية، تأمر الحكومة بتنكيس الأعلام ثم إرجاعها إلى حالتها الطبيعية بعد انقضاء فترة الظهيرة، كتقليد متعارف عليه منذ عقود، وتُنظم سنوياً حفلة موسيقية في الحديقة الغربية بمبنى "الكابيتول" في واشنطن العاصمة، كما تنطلق في جميع أنحاء الولايات آلاف المسيرات التي تقام في المدن الكبيرة والصغيرة، وتتميز الفرق الموسيقية المشاركة بطابعها العسكري، وسط مشاركة الجنود جنباً إلى جنب مع المركبات العسكرية من مختلف الحروب، غير أن هذه الاحتفالات الصاخبة لم يعد لها مكان بسبب خطورة التجمعات.

وبعدما أعلن ترمب تنكيس الأعلام في المباني الفيدرالية والمعالم الوطنية لمدة ثلاثة أيام تقديراً لضحايا فيروس كورونا الذين تجاوز عددهم 100 ألف شخص، ستشهد الولايات المتحدة، اليوم، الحدث نفسه، لكن تكريماً للجنود العسكريين الذين قتلوا في ساحات المعارك.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير