في حين تهيأ السودانيون إلى قرب رفع اسم بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد التسوية التي قامت بها الحكومة الانتقالية أخيراً مع أسر ضحايا تفجير المدمرة كول، الذي حدث قبالة ميناء عدن عام 2000، التي تعد واحدة من أهم شروط واشنطن، تفاجأوا بإصدار المحكمة العليا الأميركية حكماً يقضي بإعادة فرض دفع السودان 826 مليون دولار من عقوبات تأديبية تتجاوز 4 مليارات دولار، نص عليها حكم صدر عام 2011، لصالح بعض ذوي ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998.
تفاهمات مشتركة
لكن سفير السودان في واشنطن نور الدين ساتي كان متفائلاً في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، بقوله إن حكومة بلاده "ماضية في إنهاء هذا الملف وفقاً للتفاهمات المشتركة بين الحكومتين السودانية والأميركية". مضيفاً "هناك جهود تبذل لكي نصل إلى تسوية في هذه القضية". وهو ما أشار إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية تيبور ناج، الذي أكد في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي التوصل إلى تفاهم مشترك مع الخرطوم بشأن معالم اتفاقية المطالبات الثنائية المستقبلية المتعلقة بضحايا تفجيرات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، قائلاً، إن الاتفاق النهائي سيعكس موافقة السودان على الدفع، الذي يتضمن دفع تعويضات لأهالي ضحايا التفجير غير الأميركيين الذين قتلوا وأصيبوا بجروح في هذه الحادثة.
ونوه ساتي بالموقف الأميركي الداعم للسودان، بقوله، "موقف واشنطن من هذه القضية إيجابي، ويعكس الروح التي تجري فيها المفاوضات، ومن شأن هذه الجهود أن تسرع في معالجة هذا الملف بطريقة مرضية، وبما يخدم مستقبل العلاقات بين البلدين".
تركات ثقيلة
وفي السياق نفسه، أكدت وزارة العدل السودانية، في بيان، عقب صدور الحكم بأن حكومة السودان ستمضي في التفاوض مع الحكومة الأميركية لتسوية هذه القضية والعمل على تطبيع العلاقات الثنائية بشكل كامل، فضلاً عن تطلعها إلى متابعة الإجراءات القضائية المقبلة في هذه القضايا والانخراط في التفاوض مع واشنطن لتسوية هذه القضايا وتحرير الشعب السوداني من إحدى التركات الثقيلة لنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وعبّر البيان عن تعاطف حكومة الخرطوم الثابت مع ضحايا التفجيرين الإرهابيين، لكنها أكدت مجدداً ألا علاقة لها بهما أو بأي أعمال إرهابية أخرى.
خطأ التفاوض
في المقابل، يشير المحامي السوداني كمال الجزولي، إلى أن الحكومة الانتقالية وقعت منذ البداية في خطأ بتفاوضها مع أهالي الضحايا في القضية السابقة المتعلقة بتفجير المدمرة كول، انطلاقاً من تأكيد وزارة العدل بأن السودان غير مذنب في هذه الحادثة، وهو ما أيدته المحكمة الأميركية العليا بإعلانها أن الخرطوم غير مسؤولة عما حدث. وعلى الرغم من ذلك اتجهت حكومة السودان للتفاوض والتزمت بموجب التسوية بدفع نحو 300 مليون دولار كتعويض لكل من قتل وجرح في الحادثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف، "في نظري أن السودان دخل في ورطة حقيقية في معالجة هذا الملف، باعتقاده أن الإدارة الأميركية ستغلق هذا الباب بعد التزامه بدفع التسوية. لكن هذا لن يحدث بل سيسألونه عن قضية تفجيري سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا لأن شهيتهم فتحت، في ظل توهم حكومة السودان بأن هذا الطريق سيقودها إلى رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في حين أن البلاد في أمس الحاجة لهذه الأموال في ظل ما تعانيه من حصار وانقطاع المساعدات الدولية".
يقول الجزولي، "المستغرب أن الحكومة السودانية لم تتعظ من الخطأ السابق وانتهجت خطوات القضية السابقة نفسها في معالجة تفجير السفارتين، وبالتالي تكون قد جلبت لنفسها إدانة". لافتاً إلى أنه إذا كان ثمن رفع اسم السودان إدانته لنفسه من غير حيثيات وبيانات واضحة، "فهذا يدخل في باب البلطجة، وهي مسألة غير مقبولة، وحلول غير مرضية بتاتاً، لما فيها من إجحاف واضح".
يتابع، "ليس أمام الحكومة السودانية لحسم هذا الملف غير الاستمرار في التفاوض، لأن التوقف عن الحوار سيحسب ضدك، ومن المهم ألا تدين نفسك وأن تتمسك طول الوقت برفضك رفضاً باتاً أي إدانة لك من أي جهة كانت، لأن إدانتك لنفسك لن تساعدك في رفع اسمك من قائمة الإرهاب".
تكلفة باهظة
لكن المحامي السوداني عبد الرحمن حسن يعتقد أنه لا مفر للسودان للتخلص من قضية تفجيري السفارتين الأميركيتين إلا بالتوصل إلى تسوية مع أسر الضحايا، ومهما كان ثمنها، على الرغم من أن هذه التعويضات ستلقي مزيداً من الأعباء على خزانة الدولة.
يضيف، "صحيح أن السودان ظل يدفع أخطاء النظام السابق وبتكلفة باهظة جداً، لكن في النهاية إذا أردنا إغلاق هذا الملف لا خيار غير الدخول في تسوية مالية، وإلا ستظل الحكومة السودانية في دوامة طويلة لا أول ولا آخر لها، وقد تنتهي بتسوية ونكون أضعنا وقتاً وزمناً طويلاً من دون فائدة".
ويشير إلى أن "واشنطن والمجتمع الدولي بأكمله يدركان أن الحكومة الانتقالية الحالية لا ذنب لها ولا يمكن أن تحاسب بأخطاء النظام السابق، لكن القضاء لا يتعامل بمبدأ العاطفة. فهذا إجراء قانوني لا بد أن يحسم بما هو متعارف عليه".
تنظيم القاعدة
وكان تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن أعلن آنذاك تنفيذ هذا التفجير، الذي راح ضحيته أكثر من 200 قتيل، بالإضافة إلى آلاف الجرحى.
وواجه السودان في ضوء التطورات المتعلقة بهذه القضية اتهاماً بإمداد القاعدة بالدعم المالي والتقني، ما أدى إلى إصدار المحكمة الإدارية في واشنطن عام 2011 حكماً بدفع تعويضات بقيمة 6 مليارات دولار، إضافة إلى تعويضات تأديبية قيمتها 4 مليارات دولار.
فيما نجحت الحكومة السودانية عام 2017 في استئناف الحكم على أساس أن العقوبات فرضت بموجب تعديل أدخل عام 2008 على قانون لا يمكن تطبيقه على حدث يعود إلى 20 سنة مضت.
وفي هذا الخصوص أشار ممثل السودان في هذه القضية كريستوفر كوران إلى أن الخرطوم تعبر عن تعاطفها مع ذوي الضحايا، ولكنها تؤكد أنها لم تكن ضالعة في أي مخالفة مرتبطة بالأفعال. بينما أعرب ممثل بعض الضحايا المحامي ماثيو ماكغيل عن أمله أن يؤدي الحكم الذي صدر أخيراً إلى توصل حكومة السودان إلى اتفاق عادل مع الضحايا.