Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسيو بريطانيا يناورون ويحملون "العلم" مسؤولية قراراتهم

تكتيكاتهم تنتمي إلى حقبة "ما بعد الحقيقة" وشاشات إعلامية "تهشّم" التفكير العلمي

وزراء في حكومة بوريس جونسون حمّلوا العلماء مسؤولية قرارات السياسة في بلادهم (رويترز)

ثمة قول شائع يفيد بأن "المستشارين ينصحون والوزراء يقرّرون". في ظلّ جائحة كورونا، يستميت الوزراء كي يقولوا لكل من لديه استعداد للاستماع إليهم، إنّ العلم يقرّر توجّهاتهم. إذ يوفّر ذلك لهم تبريراً سهلاً لكل قرار اتّخذوه حتى الآن، وربّما يعطيهم في الوقت نفسه كبش فداء إذا تبيّن أنهم أخطأوا في القرارات التي اتّخذوها.

وليست التعليقات التي أدلت بها وزيرة الدولة لشؤون العمل والتعويضات، تيريز كوفي، حول "أخطاء العلم" سوى أحدث مثل على ذلك. وما بدر منها من تمهيدٍ للطريق أمام لوم "كبش الفداء" [العلم، في هذا المعنى] يشكّل توجّهاً مستمراً فعلياً منذ أسابيع. إذ تفيض وسائل الإعلام بآراء غير ناضجة تصدر عن بضعة نواب وأعضاء في الأحزاب ورجال أعمال، يلفتون النظر إلى عيوب النماذج الإحصائية العلمية المُستخدمة في تغذية عملية صُنْع السياسات الحكومية.

لن يدهش كثيراً كل من لدية أدنى معرفة بنماذج الرياضيات والإحصاءات، بوجود عيوب في تلك النماذج. ولا شكّ في أنّ أعضاء "المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ" (اختصاراً "سايج") يدركون تلك العيوب تماماً لدى تقديمهم المشورة للسياسيين. في المقابل، ثمة من يستغل في محاولات نثر بذور الشك في عقل الرأي العام، ما يقوّض المغزى الأساسي في محتوى رسالة الصحة العامة التي بموجبها قُلّصتْ الحريات وأُغلِقَتْ المؤسّسات.

في الوقت الذي تقتضي السلامة العامة والوطنية أن يثق الناس بالنصيحة التي يسديها لهم الممسكون بالسلطة، من الخطير جداً توجيه نقد تعميمي وغير محدد، إلى العلم. وبصفتها صيدلانية، كان أحرى بالدكتورة كوفي أن تشرح طريقة عمل العلم وكيفية جمع الدلائل والعمل على تفسيرها، من أجل المساعدة في توجيه السياسة.

إنّ المعلومات الأولية التي توصلت إليها العلوم الطبية بشأن فيروس "كورونا المستجدّ" الذي لم يسمع أحد به قبل ستة أشهر، تعني أنّ عدم اليقين حتميّ بمعنى أنّ فهمنا الفيروس وطريقة تأثيره في جسم الإنسان، أمر يسير ضمن تطوّر دائم. وفي وضع سريع التغيّر على تلك الشاكلة، لا بدّ أن تكون البيانات غير مؤكدة وغير كاملة في معظم الأحيان، هذا إن وُجدت أساساً.

وغالباً ما يختلف العلماء حول تفسير البيانات، وهذا جانب مزعج لكنه ضروريّ في طريقة عمل العلم. وغالباً ما يصاحب النصيحة العلمية تنبيهات وتحذيرات كثيرة، وتالياً تقع مسؤولية اتخاذ القرارات ووضع السياسات على عاتق السياسيين والقادة المُنتخبين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حالة الطوارئ الحالية، ثمة كثير من الجوانب التي لا نفهمها بشكل وافٍ. يشمل ذلك عدد الأشخاص المصابين بالفيروس، وسبب تعرض بعض الناس أكثر من غيرهم للإصابة بالمرض، ومدى فعالية ارتداء الكمامة من قِبَل عامّة الشعب، ومدى حصانة المتعافين من الفيروس حيال التعرض للإصابة من جديد.

وأحياناً، يغالي السياسيون في التأكيدات التي يطلقونها لأنهم يريدون الظهور بمظهر المرجع الموثوق والمُمسك بزمام الأمور. في المقابل، تستند تلك التأكيدات في إطار هذه الجائحة، إلى فهم متصاعد ومتغيّر. وبالنسبة غلى العلماء، لا يشكّل ذلك مصدراً للقلق، فالعلم مسيرة وليس معرفة نهائية مؤكّدة، وكذلك يقبلون بهذا الوضع غير المؤكّد ويستخدمونه في تطوير عملية اكتساب المعرفة. وليس تغيير النصيحة مع تعمّق فهمنا للموضوع أمراً يستدعي الاعتذار، بل إنه دليل على التوصّل إلى فهمٍ أفضل للموضوع.

يشعر البعض في المجتمع العلمي أنّ هذه الدراما الوطنية اليومية التي تُسرد تفاصيلها على شاشات التلفاز أمامنا، تعرض العلم بصورة مغلوطة، بمعنى تقديمه بوصفه مجالاً مؤكداً. عندما يُقدّم عِبْرَ عدسة الإيجازات الإعلامية الوزارية وجلسات طرح الأسئلة على رئيس الوزراء، يمكن أن يبدو العلم مجرّد أداة سياسية أخرى، أو قوّة تدفع عمليّة اتّخاذ القرار إلى جانب استطلاعات الرأي والميل الشعبي. وفعلياً، لا يشبه العلم تلك الأمور.

لم يبدُ العلم يوماً أكثر أهمية ولم يوضع يوماً تحت المجهر، كحالته الآن. لكن على السياسيين الاحتراز. إنّ انتقاد "أخطاء العلم" بسبب قرارات اتخذتها الحكومة وأدّت إلى نتائج غير مثالية، ولنقل بوضوح إن ما يعنيه ذلك هو وفاة بشر، قد يبدو طريقة لتحويل اللوم عن أنفسهم. لا يمكننا حالياً أن نتحمل كلفة إيجاد "وقائع بديلة" خاصة بنا كي تكون أكثر ملاءمة لنا. ربّما ينتفع السياسيون من تكتيكات حقبة "ما بعد الحقيقة" [وذلك تعبير رائج للإشارة إلى علاقة الرأي العام بالعلم في ظل المعلوماتية والشبكات]، لكن بالنسبة إلى الصحة العامة في ظلّ الجائحة، قد تصبح تلك التكتيكات مميتة.

( الدكتور سايمون كلارك بروفيسور مساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوي في "جامعة ريدينغ")

© The Independent

المزيد من تحلیل