Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة السورية تمتص الدولار من لبنان

شكوك حول تورط "حزب الله" بالتلاعب بسعر الدولار وتهريب المازوت والحزب ينفي

تواجه السوق اللبنانية شحاً كبيراً في الدولار الأميركي (أ.ف.ب)

تتكشّف تباعاً خيوط عمليات التهريب والتجارة بالسوق السوداء والتلاعب بسعر صرف الدولار في لبنان، مع تصاعد وتيرة التوقيفات بحق عدد من الصرافين. فبعد أن أُوقف أكثر من 50 صرافاً، احتُجز نقيب الصرافين محمود مراد في 8 مايو (أيار) بناءً على إشارة من النائب العام المالي علي إبراهيم، وعثر المحققون في هاتفه على محادثات على تطبيق واتساب مع الصرافين الذين كلّفهم بشراء الدولار، إذ كانوا يشترونه بـ 4200 ليرة، ليتولّى مراد بيعه بـ 4500 ليرة لمستوردي المواد الغذائية، الذين هم بحاجة إلى الدولار نقداً، لاستيراد السلع التي يبيعونها في السوق، ما يخالف تعميم مصرف لبنان، القاضي بتحديد الحدّ الأقصى لسعر مبيع الدولار عند 3200 ليرة. وفيما يستمر إضراب الصرافين الذي بدأ منذ أسبوعين، تستمر التداولات في السوق السوداء، لأن التعاملات بالدولار متوقفة في محال الصيرفة المرخصة.

دور "حزب الله"

في سياق التحقيقات، اشتُبه في تورط مدير أحد فروع "فرنسبنك" مع صرافين من خلال تأمين الدولارات لهم لبيعها وتقاسم الأرباح. وجرى توقيفه من قبل مفرزة الشوف القضائية. ووفق المعلومات، فإن أكثر من موظف ومدير في "فرنسبنك" قد يكون متورطاً، خصوصاً مع مراد. لكن المصرف أصدر لاحقاً بياناً يؤكد فيه أنه "ليس معنياً بهذا الملف لا من قريب ولا من بعيد، وأن أي تصرف فردي من قبل الموظف الموقوف أو أي شخص آخر إنما هو تصرف شخصي يتحمل مسؤوليته هو شخصياً كما وتبعاته القانونية، ولا علاقة لمصرف فرنسبنك به، كما يؤكد أنه كلف وكلاءه القانونيين باتخاذ جميع الاجراءات القانونية التي تحمي سمعته في هذا الملف بالذات".

وكانت معلومات قد أفادت بأن يحيى مراد، شقيق نقيب الصرافين يدير معه شركة، مركزها منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله". وهذه الشركة تشتري الدولار بأسعار تفوق سعر السوق، مِمَّا أسهم في رفع سعر الصرف.

يقول أحد الصرافين، إنه التزم تعاميم مصرف لبنان، لكنه أقفل محله بعدما خُتمت مؤسسات ومحال أخرى بالشمع الأحمر. ويشرح "ليس كل الصرافين من حيتان المال، بل نحن نتبع العرض والطلب ككل السلع". وعمّا إذا كان نقيب الصرافين مغطّى من "حزب الله"، يقول، "من الممكن أن يكون مراد مقرّباً من الحزب وبيئته، لهذا لم يقبل أن يذهب إلى التحقيق بدايةً، لكن عندما اطّلع الحزب على عمله وتلاعبه بالسوق السوداء، رفع الغطاء عنه".

وعن عملية سحب الدولار من السوق، يوضح أن "بعض التجار كان يأتي إلى شتورا (البقاع الأوسط) ويشتري كميات هائلة من الدولارات وبأسعار تصل أحياناً إلى 4350 ليرة للدولار الواحد. ومن ثم عُلم أن مراد ومعه مدراء بنوك كانوا يراهنون على ارتفاع سعر الدولار إلى 5 آلاف ليرة، كي يعيدوا طرحه في السوق مجدداً، محقّقين أرباحاً خيالية عندها، لكن لعبتهم انكشفت للسلطات". 

وكان عناصر مفرزة سير الضاحية الجنوبية في وحدة الدرك الإقليمي، وفي إطار ملاحقة الأشخاص الذين يقومون بأعمال الصيرفة بصورة غير شرعية، قد أوقفوا ستة أشخاص، من بينهم إيرانيان. وطُرحت أسئلة كثيرة حول توقيف الإيرانيين في الضاحية تحديداً، وكيف يعملون على إتمام عمليات بيع وشراء الدولار في السوق السوداء، وتحت أي غطاء سياسي.

في هذا الإطار، تتحدث دراسة "مشروع حزب الله للسيطرة على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبناني"، التي أعدّها فريق من سياسيين واقتصاديين ومصرفيين لبنانيين في مركز الدراسات الاقتصادية لمركز الشرق الأوسط الجيوسياسي، عن محاولة الحزب السيطرة على قطاعي الصيرفة والمصارف وتحويل وجهة النظام الاقتصادي اللبناني واستبدال دور النظام المصرفي (بشقيه، مصرف لبنان والمصارف التجارية) من اقتصاد حر إلى اقتصاد نقدي cash economy، بحيث يتمكّن الحزب من الإمساك بمفاصل الدورة الاقتصادية اللبنانية.


"حزبالله": لا علاقة لنا

وللإستيضاح عن صحة المعلومات التي طالت "حزب الله" تحدثت "اندبندنت عربية" إلى مسؤول العلاقات الاعلامية في "حزب الله" الحاج محمد عفيف، فعلّق على الاتهامات بشأن تغطية "الحزب" للصرافين ونقيبهم محمود مراد، قالاً إن "لا علاقة للحزب بعمل الصيرفة لا من قريب ولا من بعيد، ولا نتدخل بأسواق القطع والعمل التجاري ككل".
أما عن المعابر غير الشرعية، شرح عفيف أن "الحزب" لن يدافع أو يبرر ما يحصل من عمليات تهريب على الحدود، لكنه لفت إلى أن "حجم كميات مادة المازوت المهرّبة التي يُحكى عنها، 100 أو 200 صهريج، في حال احتسابها على الدولار، لن تكون هي المسبب بالأزمة، فليبحثوا عن الفساد ومكامن الهدر في مكان أخر". مع ذلك، أكد عفيف أن لا دخل لـ "حزب الله" بأي معبر غير شرعي، بل لديه معبر وحيد في منطقة القصير، معروف من قبل الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، ويمرر "الحزب" عبره سلاحه وعتاده وعناصره، من وإلى سوريا. وأضاف أنه هناك 161 معبراً، منها الشرعي وغير الشرعي، وهناك عائلات تعمل في التهريب لكنها لا تعتبر أن ذلك جرماً، حيث تقع بعض القرى ما بين الأراضي اللبنانية والسورية، وبسبب تلك التركيبة الجغرافية، فإن "عمر التهريب من عمر البلد ومنذ كانت الحدود بين البلدين". وزاد أن "حزب الله" كان أول مَن طالب الجيش اللبناني بالإنتشار على الحدود بعد معركة "فجر الجرود" ضد "داعش"، لكن الجيش لم يجد حينها التغطية السياسية لعملية الانتشار.

التهريب من وإلى سوريا

في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، قال جهاد يازجي، ناشر النشرة الإخبارية الاقتصادية "سوريا ريبورت" لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، إن الانهيار المتسارع لليرة السورية "في الأسابيع الأخيرة" يعود إلى "الإغلاق الفعلي للقطاع المالي في لبنان". وأضاف "لبنان مصدر رئيس للعملة الأجنبية في سوريا، وعندما لا يكون هناك دولار في لبنان، يصبح الدولار في سوريا أكثر ندرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا يربط مصدر عسكري أمني، ما بين خروج الدولار من لبنان وعمليات التهريب التي تحصل على الحدود اللبنانية السورية، قائلاً إن "الجيش اللبناني ينفّذ خطة انتشار لم تكن متّبعة من قبل، وأنشأ لذلك أفواج الحدود البرية، ونشر في البقاع ثلاثة أفواج. فوج الحدود البرية الثاني الذي انتشر من الهرمل حتى جرود عرسال، والثالث من المصنع حتى الصويري وبلدة راشيا الوادي، والرابع فوق بعلبك مروراً بالطفيل وحام ومعربون".

وبحسب المصدر، فإن المشكلة هي الأزمة السورية، إذ تمتصّ الأسواق هناك "الدولار اللبناني" بفضل عمليات التهريب. وجهّز "حزب الله" عشرات المعابر للانتقال إلى الداخل السوري، والتبديل العسكري الذي يحصل يومياً أو أسبوعياً، إذ تدخل وتخرج المواكب العسكرية والقوافل والعتاد وفي بعض الأحيان العتاد الثقيل. واستغلّ هذا الواقع العسكري بعض العشائر والعائلات القريبة من الحزب التي فتحت لنفسها عشرات المعابر وسُمّيت بأسمائها، معابر ناصر الدين وجعفر وزعيتر وغيرها، بخاصة في مقلب حوش السيد علي والقصر اللبنانية ومزارع مشاريع القاع.

ويشير المصدر إلى أن "الجيش اللبناني يعمل بجهد من خلال عشرات نقاط المراقبة، لكنه يشكو من قلة العديد والعتاد والبنى التحتية، خصوصاً في النقاط الجغرافية ذات التضاريس الصعبة، التي تستوجب إنشاء بنى تحتية كاملة لإقامة مراكز عسكرية فيها". ويرى المصدر أن "التقصير يأتي من قبل الجهاز المتخصّص في مكافحة التهريب وهو الجمارك، فتُهرّب البضاعة والمازوت بين الجهتين".

وتأتي البضاعة من جميع أنحاء العالم إلى مرفأ طرطوس، ومن طرطوس تدخل إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان، "وبطبيعة الحال تحتوي على كل ما يتخيّله العقل، من ماركات عالمية إلى الخضار والفواكه، وصولاً إلى الممنوعات، وآخرها بضاعة آتية من البرازيل. والجدير بالذكر أن هذه البضاعة لا تخضع للتفتيش".

تتطابق هذه المعلومات مع ما نُشر في وسائل إعلامية بأن "حزب الله" يشتري المازوت بـ5 دولارات على سعر 1500 ليرة للصفيحة، أي بـ7500 ليرة لبنانية، ويبيعها إلى السوريين أيضاً بالسعر ذاته، ويعود بهذا الدولار إلى لبنان ولكن ليتصرف به على سعر 4000، محقّقاً أرباحاً تصل إلى مليار و200 مليون ليرة يومياً. وكانت انتشرت فيديوهات على وسائل إعلام عدّة عن العمليات الواسعة لتهريب المازوت على الحدود اللبنانية السورية. وهذا ما سبق أن أكده نقيب أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، في حديثه عن تهريب ملايين الليترات من المازوت يومياً إلى سوريا.

وصرح مصدر عسكري أن جميع صهاريج المازوت التي تصل إلى منطقة اللبوة (البقاع الشمالي) تُحجز مؤقتاً حتى الاطّلاع على وجهة سيرها، مع الشاحنات التي تحمل أطناناً من الطحين، لافتاً إلى أن مجموع ما فُرّغ من المازوت في 11 مايو، في مناطق من البقاع، يزيد على 280 ألف ليتر، وهذا رقم كبير جداً.

وهذا ما حذّرت منه دراسة مركز الشرق الأوسط الجيوسياسي، في حديثها عن خطة "حزب الله" المستقبلية للتعامل مع القطاع المصرفي، بعدما تعذّر عليه إخضاع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعدما فشلت ضغوطه على المصارف بغية إجبارها على عدم الالتزام بالعقوبات الأميركية، لا سيما عقب ما تعرّض له "جمال تراست بنك" في سبتمبر (أيلول) 2019 من عقوبات أرغمته على التصفية الذاتية والإقفال النهائي. ويتطلّع "حزب الله" إلى الاستفادة من الكتلة النقدية الموجودة بين أيدي اللبنانيين، بعدما سُحبت من المصارف. وتقدّر المعلومات المصرفية حجم هذه الكتلة بأكثر من ستة مليارات دولار أميركي، يضاف إليها نحو سبعة آلاف مليار ليرة لبنانية (تتراوح قيمتها بالدولار بين حوالى 4.5 مليار دولار بحسب السعر الرسمي و2.5 مليار دولار بحسب أسعار السوق الموازية)، يمكن أن يستفيد منها لاحقاً بتوظيفها في منظومته الاقتصادية والتجارية، للتحكّم بقسم من التجارة الخارجية عن طريق التهريب، وبالأسواق الداخلية عن طريق المضاربة بالبضائع السورية والعراقية والإيرانية والتركية المهرّبة، بما يسمح له بالالتفاف على العقوبات الأميركية ومحاولات تجفيف مصادر تمويل النظامين السوري والإيراني وأذرعهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير