Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بينوكيو" البطل الخشبي يتحدى كورونا خارج صالات السينما

فيلم إيطالي جديد يعيده الى بلاده الام ويضفي عليه مزيدا من الفانتازيا

شخصية بينوكيو في الفيلم الإيطالي الجديد (موقع الفيلم)

بعد عرضه في الصالات الإيطالية آواخر 2019، حيث حقق إيرادات مهمة (مليونا مشاهد) قياساً بموازنته التي بلغت 11 مليون أورو، كان لـ"بينوكيو"، محطة في مهرجان برلين السينمائي الأخير (فبراير - شباط 2020). جمهور برلين كان محظوظاً، فهو من آخر المتفرجين الذين شاهدوه على شاشة كبيرة. اليوم، بعد شهرين من الغلق بسبب تفشّي وباء كورونا في العالم، واستمرار الصالات في الإقفال القسري، قرر أصحاب الفيلم بيع الحقوق إلى "أمازون برايم" الذي سيطرحه للجمهور بدءاً من الرابع من مايو(أيار). خيار لا بد منه، لاسترداد بعض ممّا كلفه الفيلم في زمن الخوف من إعادة افتتاح الصالات.

هذه النسخة من فيلم "بينوكيو" الذي أخرجه ماتيّو غاروني (سينمائي خمسيني ذاع صيته في العام 2008 مع "غومورا"، فيلم مقتبس من رواية لروبرتو سافيانو عن المافيا النابوليتانية)، ليست الأولى في طبيعة الحال، ولا يجوز في أي حال من الأحوال اعتبارها "ريمايك" لأفلام سابقة، لأن غاروني يعود إلى الأصل الأدبي، متجاهلاً كلّ الاقتباسات الأخرى التي جاءت في السينما الإيطالية والأميركية. 

كتاب الأطفال الذي وضعه الكاتب الإيطالي كارلو كوللودي في العام 1881، في عنوان "مغامرات بينوكيو"، صنع أيقونة خاطبت أجيالاً عدة، وصارت مع الزمن واحدة من أشهر الشخصيات الخيالية في التاريخ. فكان من البديهي والحال هذه أن تستثمرها السينما، لكون الشخصية (مجسّم خشبي يطول أنفه كلما أمعن في الكذب) في ذاتها مغوية للسينما وتستوفي شروطها، من غرابة وتعاطف واختلاف وبُعد كوني كلّ ثقافة من الثقافات تجد فيها ضالته. إلا أنه لم تكن الأفلمات كلها للكتاب موفقّة.    

فيلم التحريك الذي أنجزته "والت ديزني" عن بينوكيو في العالم 1940 يبقى الأشهر إلى اليوم. لكن هناك أيضاً نسخة المخرج الإيطالي لويجي كومنتشيني للسينما والتلفزيون في العام 1972 ("مغامرات بينوكيو")، مروراً بنسخة روبرتو بينيني (2002). كلّ من هؤلاء حاول الإتيان برؤيته الخاصة للموضوع وقراءته للأصل الأدبي، ليرسم صورة معينة عن صبي الخشب، وفق الشروط الإنتاجية والأنماط السينمائية السائدة في تلك المرحلة، ووفق أيضاً الجمهور الذي ينوي التوجه إليه. النتيجة: تنويعات مختلفة جداً بعضها عن البعض الآخر، على الرغم من أن كلها ينهل من الينبوع نفسه: كتاب كوللودي.  عن الدافع الذي جعله ينجز "بينوكيو"، يقول غاروني في الملف الصحافي: "في فيلمي "حكاية الحكايات"، بدأت رحلتي مع قصص حيث الواقع يمتزج بالخيال. في نهاية الفيلم، أدركتُ أن هناك هامش استكشاف في منطقة لا أعرفها بعد. في تلك اللحظة، بدأتُ أبحث عن قصّة أخرى، فأعدتُ قراءة "بينوكيو"، وهي سمحت لي بالقيام برحلة في إيطاليا الريفية في نهاية القرن التاسع عشر، من خلال صور أليناري ورسّامين كبار مثل انريكو مازانتي".

الرواية الاصلية

ماتيّو غاروني هو الآخر يعود إلى الأصل الأدبي في فيلمه، هذا الأصل الذي لا مفر منه في نهاية الأمر. فيه ينبش ما يحوّله إلى قوة، حتى أن الفيلم يغدو مناسبة للاحتفاء بالعمل الأصلي، بعيداً من كلّ التوظيفات التي شهدها على مر الزمن، ومنها التوظيف الأكثر رواجاً وهو أخذ الجوهر ووضعه في إطار من الثقافة الكونية. وعليه، يأتي بنتيجة جديدة، صافية، طازجة، مغايرة، مستخدماً تقنيات العصر لإعادة إحياء لحظة من الماضي. نسخته هي الأكثر إخلاصاً للكتاب، إذ يعيد الاعتبار إلى روح كوللودي التي يمكن التقاط شيء منها هنا. صحيح أنه يبقى وفياً للكتاب، ولكن يفرض عليه عالمه البصري الخاص، عالماً خاصاً جداً لا يخلو من السوداوية. إلا أن التحدي يتمثّل في أنه، على الرغم من تلك السوداوية، يقدّم عملاً يصلح للمشاهدة العائلية. فيلم لطيف، لا يخدش الحياء، ولا يجرح شعور أحد، وهذه سابقة عند غاروني المعروف بقسوته ونقده اللاذع للواقع الإيطالي. جديده يبقى دائماً على عتبة الأشياء من دون أن يقتحمها، هنا حدود الفيلم الذي يقدّمه. 

يأتي غاروني بمقاربة تولي الأهمية للقاء بين الغرابة والفانتازيا. لكن هذا لا ينقذ الفيلم من السقوط في النزعة التزيينية، فكل شيء يغدو "ديكورياً" هدفه الإظهار والعرض، وجعل هذا الإظهار جزءاً من مشروع الإدارة الفنية، مع الاكتفاء بالنظر إلى حكاية الأطفال هذه، نظرة سوداوية وواقعية سحرية. بصرياً، الفيلم يستعين بأفكار لمّاحة، تقلق وتضحك وتخيف، ولكن يعود دوماً إلى نقطة الانطلاق: الروح الإيطالية في النصّ الأدبي التي يعرف غاروني كيف يضعها في خدمة الفيلم. فمهما اختلف الفيلم عن أفلام سابقة أو تقاطع معها، فلدى غاروني تفضيلاته الخاصة التي تتيح له أن يحمل النصّ إلى مناطق لم تُؤخذ إليها بعد. ببعض الجنون الذي يخرج من مخيلته الخصبة يأخد الفيلم إلى شاطئ الأمان، علماً أننا حيال مشروع هو في الأصل تجاري وغير مهتم سوى بإرضاء شرائح عدة من المشاهدين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العودة إلى الوطن

إذاً، في المحصلة، محاولة غاروني تتمثّل في إعادة "بينوكيو" إلى وطنه إيطاليا بعد جولات كثيرة له في العالم. إذا كان فعلاً هذا رهانه، فهو رهان ناجح، لكنه لا يجعل من "بينوكيو" عملاً كبيراً يصمد في الذاكرة، بل عملاً يرمي نفسه في حضن مَن ابتكره. في المقابل، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن غاروني هو المخرج المناسب لأنجاز هذه الحكاية، فهو لطالما أخرج أعمالاً ذات طابع حكائي، في حين حملت شخصياته كمّاً من البراءة، قد تكون براءة بينوكيو مجسّدة فيها. هذه الملاحظة تنسحب على أولاد "غومورا"، بقدر ما ينسحب على مارتشيللو، بطل فيلمه السابق "دوغمان". 

الحكاية الفانتازية الشهيرة، يحوّلها غاروني إلى نصّ بصري بارع يعشش فيه البؤس الإنساني ضمن سياق روائي مركّب، ذي مرجعيات تجد ضالتها في الفنّ التشكيلي. ولا يتجاهل حتى الظلم الاجتماعي من خلال تبني مقاربة نقدية بعض الشيء. في الخلاصة، نحن حيال فيلم تنفيذه سليم، مشغول بعناية واتقان، يعود الفضل فيه إلى مدير التصوير نيكولاي بروويل ومؤلف الموسيقى داريو ماريانيللي، والممثّل الكبير روبرتو بينيني، وعلى الرغم من هذا كله ليس تحفة من تحف السينما الإيطالية العظيمة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما