Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديفيد سيلزنيك مبتدع "ذهب مع الريح" الحقيقي يروي حكايته

أحد أولئك الذين صنعوا هوليوود من أحلامهم المستحيلة

مشهد من فيلم "ذهب مع الريح" لديفيد أو. سيلزنيك (غيتي)

في كل مرة تعرض فيها إحدى الشاشات التلفزيونية فيلم "ذهب مع الريح" لمناسبة أو لغير مناسبة، يتسابق هواة السينما لتذكّر اسم المخرج بصعوبة في معظم الأحيان، فالغريب أن هذا الفيلم الذي بقي حتى العقود الأخيرة من السنين يعتبر الأكثر نجاحاً في تاريخ السينما الأميركية، والعالمية بالتالي، يكاد يبدو أحياناً وكأنه يتيم من دون أب حتى وإن كنا نعرف أن فيكتور فليمنغ هو في نهاية الأمر من حققه، وأن نحو نصف دزينة من مخرجين هوليووديين آخرين تعاقبوا على تجربة حظهم معه قبل أن يستقر الأمر على فيلمنغ، من دون أن يعني أنه كان محظوظاً في ذلك. والسبب بسيط، هذا واحد من الأفلام الكبيرة النادرة التي يرتبط اسمها باسم المنتج بصفته الصانع الحقيقي للفيلم أكثر بكثير مما يرتبط باسم المخرج. فديفيد أو. سيلزنيك هو في الحقيقة الشخص الذي ينبغي أن نبحث عنه حين نريد أن نعرف حقاً من صنع ذلك الفيلم الأسطوري. وهذا أمر تعرفه هوليوود كلها منذ الأيام الأولى التي أُعلِن فيها في أواخر سنوات الأربعين عن النية لتحويل رواية مرغريت ميتشل المنتشرة لدى القراء، والقارئات خصوصاً، في طول أميركا وعرضها ليضيف الإعلان، على شكل خبر مثير أن منتج الفيلم في سبيله الآن لاختيار الممثلة التي ستلعب دور سكارليت أوهارا، البطلة الأميركية بامتياز. والطريف أن كل ذلك جرى قبل اختيار مخرج الفيلم، لكن الأكثر طرافة هو أن الاختيار وقع في النهاية على الإنجليزية، فيفيان لي، لتلعب الدور وتدخل من خلاله دفتر الخلود الذهبي الهوليوودي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحال أن هذا كله يرويه لنا سيلزنيك بنفسه بعد سنوات طويلة من تحقيق تلك المأثرة الهوليوودية في كتاب مذكرات له أصدره بعنوان "مذكرة من ديفيد" وقُريء على نطاق واسع، كما تُرجم إلى لغاتٍ عدة ليعتبر نوعاً ما حكاية هوليوود الحقيقية بقدر ما اعتبر حكاية "ذهب مع الريح الحقيقية" حتى وإن كان سيلزنيك يذكّر في كل فصل من فصول الكتاب بأن على الناس ألا ينسوا أنه أيضاً وراء عشرات الأفلام الكبيرة التي قد تكون ارتبطت بمخرجيها لكنها لا تقل ولا يقل عمله فيها عن "ذهب مع الريح". والحقيقة أن على المرء الاعتراف بأن قراءة "مذكرة من سيلزنيك" لا تقل إثارة ومتعة عن مشاهدة أي من الأفلام التي يذكرها ويذكر "أياديه البيضاء" عليها من "وداعاً للسلاح" إلى "ريبيكا" ومن "ديفيد كوبرفيلد" إلى "آنا كارينينا" مروراً بـ"مغامرات توم سوير" و"مولد نجمة" و"سجين زندا"، ناهيك بأسماء النجوم والنجمات الذين يتتابعون على صفحات الكتاب ومعظمهم من اكتشاف هذا المنتج الاستثنائي!

سيلزنيك... مَنْ يعرفه اليوم؟

للوهلة الأولى قد لا يعني اسم ديفيد سيلزنيك شيئاً لأحد اليوم، وحتى لئن عرف البعض مَنْ هو، سيكون السؤال الحاسم: "ثم ماذا؟ إنه ليس أكثر من منتج عمل في هوليوود فاستثمر مالاً حقق به المكاسب العديدة". هذا صحيح، لكن للوهلة الأولى فقط، بعد ذلك، حين نتذكر التعريف الذي أطلقه المخرج الإنجليزي جون بورمان على السينما بأنها المكان الذي يتحول فيه المال إلى نور، ندرك المكانة الحقيقية لسيلزنيك، الذي كان يجسد، في شخصيته ومساره، تاريخ هوليوود كلها، التي صنعها أمثال سيلزنيك، أكثر بكثير مما صنعها أمثال أورسون ويلز، ويليام وايلر، أو جورج كيوكور.

ذلك لأن المنتج في هوليوود وكما يذكرنا سيلزنيك على طول صفحات هذا الكتاب، كان كل شيء تقريباً في عملية صناعة الفيلم، من اختيار النجم إلى إعادة النظر في السيناريو، ومن تبديل المخرج إلى استكشاف الأسواق الجديدة. المنتج كان هو السيد المطلق وسط الماكينة الهوليوودية الضخمة. وهذا القول قد يوقعنا في فخ السهولة ويدفعنا إلى القول: إذن، فمعنى ذلك أن المال كان هو السيد المطلق، عبر المنتج الذي يحركه ويحوله إلى صور وأضواء، غير أن هذا الافتراض غير دقيق، لأن المنتجين من نمط سيلزنيك، لم يكونوا مجرد آلات تفرخ أموالاً وتراكم الأرباح. ويصبح هذا الكلام، تحديداً، حتى أواسط سنوات الستين، ما جعل واحداً من مخضرمي هوليوود يقول لدى رحيل سيلزنيك في عام  1965، "اليوم نشعر أن صفحة أساسية من تاريخ هوليوود قد طويت". وهذا صحيح، لأن تلك السنوات كانت هي التي شهدت بداية تحول المنتجين من مبدعين حقيقيين إلى مديرين تكنوقراطيين يمضون ساعات يومهم في مراجعة الحسابات أكثر مما يمضونها في الاشتغال على تحقيق الفيلم.

 

مبدع أم لا؟

وكان سيلزنيك في مجال عمله مبدعاً حقيقياً، وهو أمر يمكننا أن نتحسسه من خلال قراءتنا المتأنية لمذكراته هذه عن حياة هوليوود، فتلك المذكرات التي كتبها خلال سنوات تقاعده، ونُشرت بعد رحيله تقدم في الحقيقة صورة لهوليوود مختلفة كل الاختلاف عن الصورة المعهودة، إذ هنا لا يعود القارئ أمام مصنع أحلام وأموال، وإنما أمام شريحة حقيقية من الحياة، أمام صراعات وعواطف وأهواء وفي خضم كواليس الأفلام الكبرى، وعلى تماسٍ مباشر مع النجوم ونزواتهم. وهكذا، أمام رؤية سيلزنيك لهوليوود تنقلب الصورة فجأة لتنجدنا في خضم الحياة نفسها، وهو أمر كنا قد نسيناه قبل ذلك، معتقدين أن هوليوود هي الواجهة البراقة لا غير.

لقد كان في إمكان سيلزنيك أن يصف هوليوود بالدقة التي وصفها بها، لأنه رافق مسارها سنوات طويلة، بل كان محركاً لبعض خفايا تلك المسارات، وهو لم يتنقل فقط بين الأفلام، بل كذلك بين شتى شركات الإنتاج العملاقة مما جعله يكاد يختصر في حياته ومساره وتقلباته، تاريخ هوليوود كلها، فقد كان ابناً للمنتج لويس سيلزنيك، المنافس الرئيس لماير وزوكور في تلك السنوات الغابرة. وهو بعد إفلاس أبيه، أنتج أول فيلم خاص به في عام 1924 (روليت)، لكنه اضطر بعد ذلك إلى الانضمام لشركة "مترو غولدوين ماير" كمجرد قارئ للسيناريو، وحين تركها بعد زواجه من ابنة لويس ماير، انضم إلى شركة "بارامونت"، حيث أنتج العديد من الأفلام خلال ثلاثة أعوام. وحين ترك "بارامونت"، أصبح نائباً لرئيس شركة "ر.ك. أو. راديو"، حيث أنتج 15 فيلماً، وكان من الحصافة بحيث اكتشف أن بإمكانه أن يعزز موقعه الهوليوودي عبر الاستعانة بفنانين كانوا يبرزون في أوروبا من هتشكوك إلى فيفيان لي، ومن أنغريد برغمان إلى آليدا فالي، وهذا ما جعله يعتبر واحداً من أفضل مكتشفي المواهب والرجل الذي حقق واحدة من أكبر الثورات الهوليوودية.

الثورة الحقيقية

بيد أن ثورته الحقيقية حصلت بعد ذلك، خصوصاً بعد أن عاد إلى "مترو غولدوين ماير"، ثم تركها ليؤسس شركة خاصة به، ثم لينتج الفيلم الأكثر أسطورية في تاريخ هوليوود "ذهب مع الريح".

مع هذا الفيلم وفي الوقت الذي أكد سيلزنيك مواهبه السينمائية كمنتج ومنظم ومكتشف للمواهب (فيفيان لي) ومروض للمتمردين (كلارك غابيل)، كشف عن وجه حقيقي لهوليوود، هو وجه المكان الذي لا وجه له، وذلك من خلال حكاية إخراج الفيلم الذي حقق أعظم أرباح حققها فيلم في تاريخ السينما، قبل استشراء موجه ستيفن سبيلبرغ. فنحن إن كنا منصفين اعتبرنا سيلزنيك المخرج الحقيقي للفيلم، أي استنتجنا أن هذا الفيلم حُقِق من دون مخرج، على الرغم من أن ثلاثة مخرجين كباراً تقلبوا عليه: سام وود، وجورج كيوكور، وفيكتور فليمنغ.

لقد أثبت سيلزنيك من خلال حكاية "ذهب مع الريح" العجيبة أن هوليوود بإمكانها أيضاً أن تستغني عن المخرج وتحقق فيلماً ضخماً هائل الحجم والأهمية، لكنه أثبت في الوقت نفسه أن على المنتج أن يكون فناناً حقيقياً لكي يوفر لهوليوود هذه الإمكانية. وفي هذا المجال كان سيلزنيك رائداً، تاريخه هو تاريخ هوليوود، وتحمل بصماته حتى الآن أفلام رائعة مثل "ليالي الحي الصيني" (1929)، و"ما ثمن هوليوود" (1930)، و"عصفور الجنة" (1932)، ثم "صراع في الشمس"، إضافة إلى ما ذكرنا.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة