لقد أظهرت الأسابيع القليلة الماضية أفضل ما في مجتمعاتنا لدى مواجهتها محناً كبرى. إذ أظهرت كيف يعتني الأشخاص بجيرانهم، ويسهرون على توفير الطعام للفئات الأكثر هشاشةً والاطمئنان على الأصدقاء والأقارب الذين يعيشون بمفردهم. وقد انضم 20 ألفاً من الممرضين ومقدمي الرعاية والأطباء السابقين إلى هيئة "خدمات الصحة الوطنية" عارضين مهاراتهم وخبراتهم، فيما تقدّم 750 ألف فرد من الجمهور للتطوع والمساعدة بكل طريقة ممكنة. يشكل ذلك كله تذكيراً بأن المملكة المتحدة تمثّل في جوهرها دولة إنسانية وسخية.
ولكن مع تضافر جهود أمتنا، فإن الانتشار المستمر لفيروس كورونا على الصعيد العالمي يذكرنا بأن الأمراض لا تراعي الحدود الوطنية. ومع تأكُّد أكثر من 3 ملايين حالة إصابة حول العالم، نحتاج إلى جهد دولي ضخم لمكافحة هذا الفيروس. لكن للأسف، هناك حتى الآن نقص على المستوى الدولي في روح التضامن الاجتماعي نفسها التي رأيناها في عدد من البلدان.
لقد شهدنا تدافعاً تنافسياً على معدات الوقاية الشخصية، وغياباً للشفافية في بعض البلدان حول مدى تفشي المرض وتبادل الاتهامات واللوم، وغياب المناقشات المنتظمة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (إذ لم تعُقد جلسة أولى حول الجائحة إلا في بداية أبريل/ نيسان الماضي). وكذلك رأينا أخيراً قرار الرئيس ترمب بوقف التمويل عن "منظمة الصحة العالمية". ومهما كان رأي الرئيس في أداء "منظمة الصحة العالمية" حتى الآن، فإن اتخاذ خطوة خطيرة وغير صائبة كهذه ليس مناسباً في خضم الجائحة.
ومع ذلك لا ينبغي السماح لأي شيء بعرقلة معركتنا المشتركة ضد هذا المرض الرهيب. ويجدر النظر إلى التعاون الجاري فعلياً بين العلماء وشركات الأدوية عبر الحدود، إذ يعملون معاً لتطوير لقاح. في المقابل، ثمة كثيرٌ مما يتعين فعله.
ستتمثّل الأولوية القصوى في دعم البلدان النامية والمتضررة بالنزاعات عندما ينتشر الفيروس. ويعني ذلك البلدان التي لا يستطيع فيها ملايين الناس الحصول على المياه النظيفة لغسل أيديهم، وليس لديها ما يكفي من الأطباء أو الممرضين أو معدات الوقاية الشخصية أو أجهزة التنفس الاصطناعي. وتشير "منظمة الصحة العالمية" إلى وجود أقل من 2000 جهاز تنفس اصطناعي لخدمة مئات الملايين من الناس في المستشفيات العامة في 41 دولة أفريقية (في الولايات المتحدة هناك أكثر من 170 ألف جهاز) وفي بعض البلدان لا توجد أجهزة تنفس اصطناعي على الإطلاق.
وماذا عن دول كاليمن وسوريا اللتين تواجهان حالات طوارئ إنسانية وخدمات صحية متضررة، أو جنوب السودان وفنزويلا؟ ليس عليك أن تحب قادة بلد ما أو سياساته كي تؤمن بأن مواطنيه لا يجب أن يعانوا بسببهم.
لقد حذّر رئيس "برنامج الغذاء العالمي" حديثاً من خطر انتشار مجاعات "بمقاييس تاريخية" بسبب جائحة فيروس كورونا.
ثم هناك الأثر الاقتصادي لتباطؤ عالمي الذي سيضرب البلدان الأشد فقراً أكثر من غيرها. ولهذا السبب وصف ديفيد ميليباند من "لجنة الإنقاذ الدولية" ما يجري بأنه حالة طوارئ مزدوجة.
تتمثّل الحقيقة في أن الفيروس سيظل معنا إلى أن يجري تطوير لقاح، ونتمكن من تصنيع كميات كافية منه وتوزيعه في جميع أنحاء العالم، ما قد يستغرق أكثر من سنة.
وسنحتاج إلى كميات كبيرة من الأقنعة وملابس الوقاية والقفازات والمعدات الطبية ومعدات الاختبار. وقد حان الوقت لبذل جهد عالمي في صنعها وتوزيعها.
كذلك ستحتاج بعض البلدان إلى المساعدة في دفع تكاليف كل تلك الأشياء، بما فيها تكاليف اللقاح عندما يكون جاهزاً. ولقد أثبتنا سابقاً ما يمكن إنجازه عبر مبادرات كـ"غافي" و"تحالف اللقاحات" و"الصندوق العالمي"، في إيصال الأدوية إلى من يحتاج إليها. لذا، ليس من سبب يمنعنا من استخدام نهج مماثل في مكافحة فيروس كورونا.
ولإنجاز تلك الأمور كلها، سنحتاج إلى التزام الدول بالعمل معاً. وهذا يتطلب قيادة سياسية وإرادة مستعدة للارتقاء فوق القومية الضيقة. ففي النهاية، تنبع روح التضامن الاجتماعي التي رأيناها في المملكة المتحدة استجابةً لهذه الأزمة، من الاعتقاد السائد نفسه بأن لدينا التزاماً بمساعدة جيراننا الذين نتشارك معهم هذا الكوكب.
إن التزام المملكة المتحدة الراسخ بالمساعدة وتخفيف عبء الديون يشكّل التعبير العملي عن إنسانيتنا المشتركة. لذا، لنعمل الآن على الجمع بين أموالِنا وقياداتِنا كي نُظهر ما نستطيع فعله.
( النائب عن حزب العمال هيلاري بن، وزير خارجية سابق للتنمية الدولية )
© The Independent