Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاق أكبر حزبين كرديين... إرادة في انتظار التطبيق

تتجاوز تركيبة السلطة والحياة العامة في كردستان مسألة "قوة" الأحزاب برلمانياً، إذ تستند إلى مسألة توازن القوى الفعلي وتحديداً القوة المالية والعسكرية والأمنية

مقاتلات من البشمركة يتابعن إطلاق دب في جبال غارا قرب مدينة دهوك شمال العراق (أ. ف. ب.)

 

بعد مفاوضات استمرت أشهراً، توصل الحزبان الكُرديان الرئيسان في إقليم كردستان العراق، "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، إلى "اتفاق شامل" في الرابع من شهر مارس (آذار) الحالي.
واعتُبر هذا الاتفاق بمنزلة إعادة تشكيل شاملة لبنية السلطة ومؤسسات الحكم والتوجهات الاستراتيجية لإقليم كردستان العراق خلال السنوات المقبلة. فهو يشبه إعادة صياغة للاتفاق الاستراتيجي الذي وقعه الحزبان في العام 2005، وأرسى القواعد الأساسية لطبيعة العلاقة والتوجهات الاستراتيجية وتوزيع المناصب بينهما داخل الإقليم أو عبر شبكة العلاقات والمناصب التي تربط الإقليم بالسلطة المركزية في العراق. وقاد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وفق الاتفاق، الحياة السياسية داخل الإقليم، بينما خُوِّل "الاتحاد الوطني الكردستاني" تولي المناصب الكردية وإدارتها ضمن السلطة المركزية في بغداد.
وبُني الاتفاق الشامل الراهن على ثلاثة أسس، كانت محل خلافٍ شديد بين الحزبين طوال العامين الماضيين، بشكل يهدد التصعيد فيها بتحطيم الحياة السياسية في الإقليم.
 
"توافق شامل"
 
أولاً، ثمة توافق شامل على توزيع مناصب السلطة الرئيسة ضمن الإقليم، فـ"الاتحاد الوطني" وافق على أن يتولى مسرور البارزاني من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" رئاسة مجلس وزراء الإقليم، على أن يشغل قوباد طالباني من "الاتحاد الوطني" موقع نائب رئيس الوزراء. وفي المستوى نفسه فإن الطرفين سيتقاسمان الوزارات، وتحديداً "السيادية" منها، بعد اقتطاع حصة حركة التغيير الكردية "كوران" وأحزاب الحركة الإسلامية في كردستان. كما ينص الاتفاق على تصويت كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن برلمان الإقليم لمصلحة تولي رئيس الحكومة الحالي نيجرفان البارزاني منصب رئاسة الإقليم.
 
نتائج الانتخابات
 
يطابق هذا التقاسم نوعاً ما نتائج انتخابات برلمان الإقليم التي جرت في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الفائت، حين حصل "الديمقراطي الكُردستاني" وحلفاؤه من أحزاب المكونات القومية في الإقليم على حوالي نصف مقاعد البرلمان الـ 111، بينما نال "الاتحاد الوطني الكردستاني" 21 مقعداً، وحزب حركة التغيير الكُردية "كوران" 12.
وتتجاوز تركيبة السلطة والحياة العامة للإقليم، مسألة "قوة" الأحزاب السياسية برلمانياً، إذ تستند أساساً إلى مسألة توازن القوى الفعلي بين مختلف الأطراف، وتحديداً القوة المالية والعسكرية والأمنية والإيديولوجية والتنظيمية بين الحزبين الرئيسين، إذ يهيمن كل منهما على منطقة جغرافية محددة من الإقليم، نتيجة الحرب الأهلية القاسية التي وقعت بينهما بين العامين 1994-1996. وبذلك فإن إدارة الإقليم وتشكيل السُلطة، لا يُمكن أن يتُمّا من دون التنسيق بينهما.
 
مسألة كركوك
 
ينصّ الاتفاق الشامل الجديد على التوافق بشأن مسألة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، فالحزب الديمقراطي الكُردستاني وافق على تصويت أعضائه ضمن مجلس محافظة كركوك لمصلحة مُرشح الاتحاد الوطني لمنصب محافظ كركوك الجديد، على أن يوافق "الاتحاد الوطني" على توجهات "الديمقراطي الكُردستاني" في الضغط على السُلطة المركزية لإعادة التطبيع إلى المحافظة كركوك وباقي المناطق المُتنازع عليها.
وكان صراع وسوء فهم شديدان حدثا بين الطرفين بشأن ملف كركوك، بعد "استفتاء الاستقلال" في 25 سبتمبر 2017. فالحزبان كانا على توافق تام في مسألة إجراء الاستفتاء؛ لكن ما إن تمّ وتعرض الإقليم لضغوط شديدة من بغداد والدول الإقليمية، حتى اختلف الحزبان على الاستراتيجية التي يجب أن يتبناها الإقليم لمواجهة ذلك، فالديمقراطي الكُردستاني كان يصر على "مقاومة" تلك الضغوط، بينما دخل "الاتحاد الوطني" في مساومة مع السلطة المركزية، برعاية إيرانية، سلّم بموجبها محافظة كركوك إلى الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي، بعد شهر واحد على إجراء الاستفتاء.
بعد ذلك تبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عما حدث، والتسبب بفقدان الإقليم قرابة نصف المساحة التي كان يُهيمن عليها منذ العام 2014.
 
توافق مقلق
 
ويُقلق التوافق الشامل الراهن بين الحزبين الكرديين بشأن ملف محافظة كركوك، باقي المكونات القومية في المحافظة. وسارعت الأحزاب العربية والتُركمانية ضمن المحافظة للتحذير من عودة هيمنة الأكراد على الحياة العامة في المحافظة، حيث يملكون أكثر من نصف مقاعد مجلسها، ويشكلون أغلبية سُكانها المُقيمين.
ويسمح هذا الاتفاق للأكراد بانتخاب محافظ "كردي" جديد للمحافظة، بدلاً من راكان الجبوري، المحافظ "العربي" المعيَّن بالوكالة من قِبل رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، عقب هيمنة السُلطة المركزية على محافظة كركوك في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2017. كما يستطيع الحزبان السيطرة على مواقع ومناصب تنفيذية عدة في المحافظة.  
 
استراتيجية مشتركة
 
كذلك ينصّ الاتفاق الجديد على بناء استراتيجية مشتركة بين الطرفين تتعلق بإعادة تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها، ليضغطا عبرها على السلطة المركزية في بغداد. فالحزبان يطالبان بأن تعود الأمور في تلك المناطق إلى ما كانت عليه قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، بحيث تعود قوات البيشمركة ومؤسسات أمن الإقليم إلى المشاركة في ضبط هذه المناطق، وأن تتشارك السلطة المركزية مع إقليم كردستان إدارة هذه المناطق. ويتخوف تُركمان المحافظة وعربها من هذا الأمر، الذي يعني دعم سُلطة الأكراد التشريعية ضمن المجالس المحلية في تلك المناطق بسلطة القوة الفعلية للبيشمركة والمؤسسات الأمنية الكُردية. ويعني ذلك أن الأكراد استعادوا عملياً السيطرة على محافظة كركوك وباقي المناطق.
 
ملف النفط
 
يتعلق الحيز الثالث من الاتفاق الشامل بالملف النفطي، الذي بقي لسنوات محل خلاف شديد بين الطرفين. وينصّ على موافقة "الاتحاد الوطني الكُردستاني" على تصدير الحكومة المركزية العراقية للغاز والنفط المستخرج من حقول محافظة كركوك عبر أنبوب التصدير الخاص بإقليم كردستان، الذي يصدر نفط الإقليم عبر ميناء "جيهان" التُركي. كذلك فإنه يقرّ بتيسير الطرفين عملية تسليم حكومة الإقليم لـ229 ألف برميل نفط يومياً لشركة سومو الوطنية النفطية مقابل أن يحصل الإقليم على 12 في المئة من الموازنة العامة للحكومة المركزية، وأن يتشارك الطرفان دوماً في إدارة الملف النفطي، داخل الإقليم أو بالتوافق مع الحكومة المركزية.
وكانت المسألة النفطية محل خلاف شديد بين الطرفين، فالاتحاد الوطني كان يعتبر أن نظيره الديمقراطي الكُردستاني ينفرد بإدارة الملف عبر اتفاق التصدير الخاص الموقَّع مع تركيا أو من خلال القطيعة مع بغداد في هذا الشأن، وأن الديمقراطي الكُردستاني كان يسلك تلك الاستراتيجية في وقتٍ كانت أغلب حقول النفط والغاز في مناطق سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني.
 
ظروف صعبة
 
يمرّ إقليم كُردستان بظروف اقتصادية وسياسية صعبة، مقارنةً بما كان الوضع عليه خلال "سنوات الرفاهية" بين العامين 2003-2014، كذلك يعاني الإقليم سوء تنسيق بين قواه السياسية في التعامل مع السلطة المركزية. ويشكل هذا الاتفاق إرادةً مشتركة بين الطرفين للتعامل مع الملفات الضاغطة، وإعادة ضبط علاقات إقليم كردستان الإقليمية والدولية على السواء. إلا أن ذلك الاتفاق تعرض لنقد شديد من قوى المعارضة السياسية في كردستان، التي تعتبره بمنزلة توافق بين الطرفين على تقاسم الثروة والسلطة في الإقليم، مع تهميش تام لباقي القوى الاجتماعية والسياسية.

المزيد من الشرق الأوسط