Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البرازيلي كريم عينوز صور أول فيلم عن انتفاضة الجزائر

المخرج الجزائري الأصل وجّه رسالة سينمائية إلى أمه في زيارة أولى إلى بلد الأهل

"جزائري بالمصادفة" أول فيلم عن الانتفاضة في الجزائر (اندبندنت عربية)

بعد مجموعة أفلام، آخرها "الحياة اللامرئية لأوريديسي غوسماو" الذي نال جائزة "نظرة ما" في مهرجان كانّ السينمائي، عُرض للمخرج البرازيلي كريم عينوز فيلم في عنوان "نرجيس أ"، داخل قسم بانوراما في مهرجان برلين السينمائي الأخير. في هذا الوثائقي، يزور المخرج الخمسيني بلاد أجداده الجزائر لأول مرة. فهو كان توجّه إليها لتصوير "جزائري بالمصادفة" (فيلم يذهب فيه إلى قرية والده ويتبادل رسائل مع أمه الراحلة)، عندما وجد نفسه فجأةً أمام الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في مطلع العام الماضي وكان الهدف منها منع الرئيس بوتفليقة من تجديد ولايته للمرة الخامسة. وضع كاميراته على كتفه وراح يصوّر. هكذا ولد أول فيلم عن الانتفاضة الشعبية في الجزائر.

عبر بعض الأصدقاء المشتركين، تعرف عينوز على الناشطة نرجيس فرافقها طوال 24 ساعة، في يوم المرأة العالمي (8 مارس - آذار). تعقبها في مشوراها اليومي، وهي تهتف بالشعارات وسط الآف المتظاهرين، قبل انتهاء السهرة بالرقص في إحدى الملاهي الليلية. كاميرا عينوز دائماً في قلب الحدث، لتنقل لنا الأجواء من الداخل، عاكسة رغبة الناس في التغيير والنهوض بالبلد، بعدما كانوا لسنوات أسرى الطغمة العسكرية الحاكمة.

مغامرة الفيلم

يروي عينوز لـ"اندبندنت عربية" كيف بدأت مغامرة الفيلم: "في فبراير (شباط) من العام الماضي توجّهتُ إلى الجزائر للمرة الأولى في حياتي. ركبتُ الباخرة من مرفأ مارسيليا في فرنسا. زيارة الجزائر لطالما كانت فانتازيا عندي. كنت في مهرجان برلين السينمائي، تركته في منتصفه ورحلتُ. كنت حصلتُ على دعم مالي من التلفزيون البرازيلي، ما سمح لي بتمويل الرحلة. لأن اسمي كريم وأعيشُ في البرازيل، فهذا أشعرني دائماً بأنني لا منتمٍ، آتي من مكان آخر، ودخيل على البيئة البرازيلية. أمي هي التي تولت تربيتي بعدما هجرها والدي. عاد ليعيش في الجزائر، ثم راح يعيش في فرنسا بدءاً من منتصف السبعينيات. نتيجة هذه الظروف كلها، لطالما شعرتُ بأن الجزائر بلد بعيد، أقله هكذا كانت تبدو لي. ولكوني أتحدر من خلفية أمازيغية، فصعب عليّ فهم تعقيدات الجزائر. لأسباب شخصية جداً، منها علاقتي الإشكالية بوالدي، كان صعباً جداً ان أتوجّه إلى الجزائر. حسمتُ قراري بعد وفاة أمي قبل خمس سنوات. والفيلم هو على شكل رسائل أخاطب فيها أمي لأروي لها انطباعاتي عن الجزائر، حتى لو لم تعد على قيد الحياة". 

في الشوارع والساحات، رأى عينوز الكثير من المَشاهد الحيوية التي ذكّرته بثورة التحرير الجزائرية التي ازاحت استعماراً فرنسياً استمر 132 عاماً عن البلاد. يقول: "لطالما أثارت الجزائر دهشتي. ارتبطت في وجداني بالمقاومة. ولكن الظروف لم تسمح لي بزيارتها قبل العام الماضي. في التسعينيات، بسبب الحرب الأهلية، كانت زيارة الجزائر أمراً معقّداً. العام الماضي، قررتُ ان أقدم على الخطوة بعدما شعرتُ بأنه آن الآوان. ثم هناك عنصر البُعد. هي تبعد ساعة ونصف الساعة عن باريس، إلا أن النحو الذي قُدًّمت لي فيه، جعلني أتخيل أنها تقع على كوكب آخر. عندما تشاهد "جزائري بالمصادفة"، ستفهم حينها لماذا تطلّب مني هذا الوقت كله كي أقرر اكتشاف بلد أجدادي. وصلتُ في 14 فبراير، في الـ22 من الشهر نفسه، نزل الناس إلى الشوارع. كانت هذه المرة الأولى ينزلون فيها إلى الشارع بعد زمن طويل. تأثرتُ جداً بهذا المشهد، لأنني كنت ذهبتُ لأصوّر فيلماً عن ثورة التحرير، وزيارة البلدة التي يأتي منها والدي، وفجأةً كنت شاهداً على انتفاضة شعبية تذكّر بالثورة. طبعاً، كانت ثورة مختلفة لأسباب مختلفة. تأثرتُ أيضاً لأنني كنت أتياً من البرازيل، وما يحصل في بلدنا حالياً، بعد انتخاب بولسونارو، شيء في قمة المأسوية. أقصد انتخاب حكومة فاشية".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع الناس

يروي عينوز إنه ترك البرازيل ووصل إلى بلد آخر ليشهد فيه على رغبة الناس في التغيير، خلافاً لجو الاستسلام الذي شاهده في البرازيل بعد انتخاب بولسونارو. بسرعة، اتّخذ القرار بتوثيق هذه اللحظة: "رغبتُ في تصوير ما رأيته، وانطلقتُ في التقاط المَشاهد منذ الأول من مارس (آذار). السلطات الجزائرية لم تردني أن أصوّر، كان هناك شعور بأنني سأوثّق مشاهد الانتفاضة الشعبية، وهي لا ترغب في هذا. على الرغم من ذلك، شعرتُ بأنه يجب عليّ أن أنقل اتحاد الناس. كلّ الأنظمة التي تحكم حالياً تروج للانقسام، ولكن ما كان جميلاً في الجزائر هو أن الناس نزلوا إلى الشوارع، بغض النظر عن اختلافاتهم. شعرتُ بأنه من واجبي تسجيل هذه اللحظة التاريخية التي تجري أمامي. تلقيتها كهدية. في البداية، لم أفكّر سوى بالتصوير، ثم فكّرتُ أنه لا بد من الاستعانة بشخصية لأرى الأشياء من خلال عينيها. اذاً، يمكن القول إن هذا الفيلم تحقق عن طريق المصادفة. ما كان مهماً عندي هو إعطاء الكلمة لشخصية رئيسية تضطلع بدور مركزي في التغيير. هذا ما تفعله نرجيس، أحياناً على نطاق ضيق، وأحياناً على نطاق أوسع". 

على الرغم من المنعطف الدموي الذي أخذه "الربيع العربي" في سنواته الأخيرة، لا سيما في بلد مثل سوريا، إلا أن عينوز متمسّك بالأمل ويرى أن من واجبه الأخلاقي التمسّك به. بالنسة إليه، ما حدث في الجزائر هو ثمرة الربيع العربي. يقول: "أشكال الثورات تغيرت مع الزمن، لم تعد كما كانت في روسيا في العام 1918. فكرة الثورة التي ستغير كلّ شيء على نحو جذري هي فكرة طوباوية بعض الشيء، ولكن لا بد منها لإعادة التفكير في العالم وجعله ينطلق على أسس جديدة، والتغيير مهما يكن، سيكون له شكلاً مختلفاً في كلّ بلد يقع فيه. أؤمن أن ما يحدث في الجزائر غاية في الأهمية، لكونه يستمر منذ سنة، وإلى الآن تحقق بعض المكاسب. يكفي أن بوتفليقة خارج الحكم. جرت انتخابات، حتى وإن لم تكن شرعية. أعتقد أن الأشياء تتحرك. في السنوات الثلاث الأخيرة، بتُّ طوباوياً بعض الشيء. حتى لو قلتَ لي إن الأمور لن تتحسن، من واجبي أن أؤمن بالتغيير. والجزائر بالنسبة لي هي المكان الذي حدثت فيه تغييرات راديكالية، على غرار كوبا. أعرف أن هذه فكرة رومنطيقية عن البلاد، لأن ما حصل بعد الثورة الكوبية لم يعكس طموحات الناس".  

يعتقد عينوز أن ثمة فرصة في أن تتحوّل الجزائر إلى دولة ديموقراطية. يقول: "لفترة طويلة، كانت الجزائر معزولة عن العالم. لكن أعتقد أنها صاحبة تاريخ مجيد لم يُسرد كثيراً. بعد الاستقلال عن فرنسا، كانت هناك فرصة في أن تتحوّل البلد إلى بلد ديموقراطي، ولكن هذا ما لم يحصل قط. فالمعركة الآن هي معركة من أجل استعادة تلك الفرصة مرة جديدة. ما أفعله، من خلال هذا الفيلم، هو إلقاء الضوء على بلد وتاريخ وناس. النضال في الجزائر هو نضال من أجل الديمقراطية، ولكنه أيضاً نضال من أجل الحصول على حرية القرار والاختيار. مثل تلك المرأة التي نسمعها تقول: نحن نعلم جيداً ما نريد، لا تقولوا لنا ماذا يجب أن نطالب به".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما