ساعات فقط فاصلة بين خسائر حادة وعنيفة، وانهيار تاريخي في سوق النفط، فبينما كانت التحركات الأخيرة تشير إلى اتجاه سوق النفط إلى الاستقرار وإعادة توازنها، جاءت الضربة القاضية للسوق من جانب السوق الأميركية التي فجرت الأزمة من جديد وأعادت السوق إلى النقطة "صفر".
في الساعات الأولى من تداولات الأسبوع الحالي، تهاوى سعر العقود الآجلة للخام الأميركي تسليم شهر مايو (آيار) المقبل بشكلٍ حاد قبل أن ينهي الجلسة على تراجع تاريخي عند سالب 37.63 دولار للبرميل فاقداً نحو 300 في المئة من قيمته. وساهم خليط من تدهور الطلب على الخام جراء تفشي فيروس كورونا، إضافة إلى تقلص السعة التخزينية للنفط وخصوصاً في الولايات المتحدة، في خسائر غير مسبوقة في نحو عقدين داخل أسواق الخام.
وكانت تداعيات مكافحة الوباء المميت ألقت بظلالها السلبية على النشاط الاقتصادي وأدت إلى جموده في كافة أرجاء العالم، وبالتبعية الطلب على النفط. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي أسوأ ركود منذ الكساد العظيم في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين.
وفي الوقت نفسه، تستمر السعة التخزينية للنفط في الانخفاض بفعل تخمة الإمدادات المتراكمة من الخام نتيجة التراجع القوي في الطلب. وكانت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أعلنت في وقت سابق، زيادة قياسية في مخزونات الولايات المتحدة من النفط بلغت 19.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 10 أبريل (نيسان) الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا لم تتأثر السوق باتفاق أوبك+؟
الغريب أن هذا الانهيار التاريخي في أسعار النفط الأميركي جاءت بعد أيام قليلة من إعلان الاتفاق الذي توصلت له منظمة الدول المصدرة للنفط مع منتجي الخام من خارج أوبك، حيث لم ينجح هذا الاتفاق في إنقاذ السوق وتهدئة مخاوف المستثمرين حيال الطلب والمعروض.
وبموجب اتفاق تحالف "أوبك+"، من المقرر أن تشهد أسواق الذهب الأسود خفضاً قدره 9.7 مليون برميل يومياً في غضون الشهرين المقبلين، وهي الصفقة التي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها "رائعة للجميع"، لكن يعتقد آخرون أن تأثيرها سيكون محدوداً ومقتصراً على المدى القريب فقط.
في حين يتزامن الهبوط الحاد في سعر النفط الأميركي مع سعي المستثمرين للتخلص من عقود الشهر المقبل، حيث يقوم المتداولون ببيع العقود التي أوشكت على الانتهاء وشراء العقود الجديدة. ومن المقرر أن ينتهي عقد مايو (آيار) للخام الأميركي اليوم الثلاثاء، على أن يبدأ عقد يونيو (حزيران) غداً الأربعاء، والذي أنهى تداول أمس، عند مستوى 20.03 دولار للبرميل بعد خسائر تتجاوز 18 في المئة. وعادة ما تتقارب الأسعار الفورية أو الآجلة للشهر المقبل مع أسعار العقود المستقبلية للشهر الثاني.
ويعتبر الفارق بين عقدي مايو ويونيو المقبلين، هو الفارق بين سعر العقد في الشهر الأول والشهر الثاني، عند أوسع مستوياته تاريخياً، حسبما يرى المحلل في شركة "كيه.كيه.إم" المالية، جيف كيلبرج.
وقال استراتيجي السلع في شركة "إيه.إن.زد"، دانيل هاينز، إن اقتراب نهاية عقد مايو المقبل والمزمع أن يكون اليوم الثلاثاء، أحد أسباب هبوط الخام الأميركي. وأضاف "في السوق العادية، قد يكون الفارق بين السعر الفوري وسعر العقود الآجلة لشهر واحد في حدود 40 إلى 50 سنتاً للبرميل لكنه في الوقت الحالي ارتفع ليصل إلى نطاق يتراوح بين 8 إلى 10 دولارات للبرميل". وتوقع أن تظل الأسعار تحت الضغط خلال الشهر المقبل.
ماذا لو توقفت حركة بيع النفط الشهر المقبل؟
وفي حال عدم بيع عقد النفط للشهر المقبل، فإن عمليات التسليمات تذهب إلى مركز التخزين في كوشينغ بولاية أوكلاهوما. وتكمن المشكلة في أن السعة التخزينية في كوشينغ تمتلئ بسرعة مع انهيار استهلاك الوقود، بسبب عمليات الإغلاق لوقف تفشي وباء كورونا. وإذا لم يتم تصفية العقد قبل نهاية تداولات اليوم الثلاثاء، فسيكون أمام المستثمر بضعة أيام فقط قبل أن يبلغ البائع طريقة استلامه النفط، وهي الفترة التي تكون بين 1 وحتى 31 مايو المقبل.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة، فإن مخزونات الخام في "كوشينغ" تضخمت بنحو 16 مليون برميل في الثلاثة أسابيع المنتهية في 10 أبريل (نيسان) الحالي لتصل إلى 55 مليون برميل. وتبلغ طاقة التخزين في هذا المركز نحو 67 مليون برميل فقط حتى 30 سبتمبر (أيلول) المقبل.
في حين أن وتيرة الهبوط في سعر خام "برنت" لم تكن بالقوة ذاتها، حيث تراجعت العقود المستقبلية للخام القياسي تسليم شهر يونيو المقبل، عند تسوية جلسة أمس بنحو 8.5 في المئة إلى 25.69 دولار للبرميل. وتسبب هذا الوضع في اتساع تاريخي للفجوة السعرية بين الخام القياسي وخام غرب تكساس تتجاوز 63 دولاراً. ولم تكن فروقات الأسعار بين خامي برنت القياسي ونايمكس الأميركي تتجاوز بضعة دولارات خلال الفترة الماضية.
وعند التسوية، تهاوى سعر خام غرب تكساس تسليم مايو المقبل بنسبة 300 في المئة مسجلاً (-37.63) دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى في تاريخه، في حين تراجع سعر العقود الآجلة لخام نايمكس تسليم يونيو المقبل بنحو 18.3 في المئة إلى 20.03 دولار للبرميل عند التسوية. كما تراجع سعر العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم يونيو بنسبة تزيد على 9.2 في المئة ليهبط إلى 25.46 دولار للبرميل.
كيف علق الرئيس الأميركي وماذا فعلت روسيا؟
من جانبه، وصف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط بأنه قصير الأجل وناجم عن "ضغوط مالية"، مضيفاً أن إدراته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية، وتعتزم أيضا زيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ في البلاد مع هبوط الأسعار.
وتعكف وزارة الطاقة الأميركية في الوقت الحالي، على تأجير مساحات متاحة تكفي لنحو 77 مليون برميل في احتياطي النفط الاستراتيجي لشركات النفط الأميركية لمساعدة هذه الشركات في أزمة التخزين التجاري مع انهيار الطلب المحلي على الطاقة بسبب تفشي فيروس كورونا.
في الوقت نفسه، ذكرت تقارير صحافية، أن وزارة الطاقة الروسية طالبت منتجي النفط الخام في البلاد بخفض الإنتاج بنحو 20 في المئة عن متوسط مستويات فبراير (شباط) الماضي.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين على صلة بالخطة، أن وزارة الطاقة الروسية طلبت الأسبوع الماضي من منتجي النفط المحليين خفض الإنتاج بنسبة تتراوح بين 19 و20 في المئة عن مستويات فبراير الماضي، ما سيجعل مستوى إنتاج النفط في موسكو متماشياً مع أهداف الصفقة.
ويمكن أن يصل تخفيض الإنتاج العالمي للنفط مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة والنرويج غير الحلفاء في المنظمة إلى 20 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل خُمس إنتاج النفط في العالم. وبموجب اتفاق أوبك+، يتعين على موسكو أن تخفض إنتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من الشهر المقبل.