Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهاية "أسطورة البريستول" في بيروت

مقاهيه كانت مرتع الصحافيين والسياسيين وفيها كانت تكتب مقالات أعمدة الصفحات الأولى في الصحف اللبنانية

فندق البريستول في العاصمة اللبنانية بيروت (غيتي)

ليس الإعلان عن إغلاق فندق "البريستول" العريق في العاصمة اللبنانية بيروت، هو إعلان عن إغلاق مكان معماري مكوّن من مواد بناء مختلفة، وقد أدى وظيفته المطلوبة منه وما عاد من حاجة إليه. بل هو إغلاق لأحد المعالم التي تتشكّل منها الذاكرة البيروتية ومنطقة الحمرا التجارية فيها، في المرحلة التي كان شارع الحمرا يُسمّى "شانزليزيه" الشرق، وكانت بيروت "باريس" الشرق، ولبنان "سويسرا" الشرق. وذلك في العقود السابقة على الحرب الأهلية منذ بداية خمسينيات القرن المنصرم. وهو ثانياً إغلاق لمكان استقبل عدداً كبيراً من الزوار الذين تركوا أثراً في زيارتهم للبنان وكانوا قد اختاروا "البريستول" للإقامة فيه منذ افتتاحه عام 1951، ومنهم ألبرت الثاني أمير موناكو، ومحمد رضا بهلوي شاه إيران وثريا اسفندياري بختياري أميرة إيران، وجاك شيراك رئيس فرنسا، والملك عبدالله بن عبد العزيز ملك السعودية، وملك الأردن الراحل حسين والأميرة دينا بنت عبد الحميد، وغيرهم كثر من الفنانين والمغنين الغربيين والفرق الموسيقية الشهيرة التي زارت لبنان في مهرجاناته الكثيرة خلال الستينيات.

فندق مركز الثقل

لا تتركّز الأهمية بالشخصيات أنفسهم، بل بكونه مكان نزولهم ولقائهم، ومكان عقد المؤتمرات التي يدعون إليها، وهو القريب من وسط المدينة والواقع في محاذاة منطقتين مزدهرتين، هما شارعا الحمرا وفردان، وقربه من مستشفى الجامعة الأميركية ومن شارع المصارف. فهو مركز لزائر بيروت ومنه، يمكنه الانطلاق حيثما يشاء.

ثم إنّ مقاهيه كانت مرتع الصحافيين والسياسيين، وفيها كانت تُكتب مقالات أعمدة الصفحات الأولى في الصحف اللبنانية، وعلى طاولاتها تُحاك المخططات السياسية، أما مقهاه الذي كان يقع تحت الأرض، فكان ملتقى النخب السياسية والسفراء والصحافيين وشهد الطبخات الحكومية والرئاسية. وخلال الحرب اللبنانية لم يقفل أبوابه، بل تحوّلت إحدى صالاته إلى مركز تجمّع للصليب الأحمر، وظلّ يستقبل الصحافيين والمراسلين الذين يغطون الأحداث اللبنانية لوسائل الإعلام الأجنبية. وخلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وجلسة انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل، اجتمع النواب الذين كانوا يمثلون الخط السياسي المعارض للجميل في إحدى قاعاته، وتابعوا عبر الشاشة مجريات الجلسة، وكان من بينهم الرئيس حسين الحسيني والنائب حسن الرفاعي والنائب وليد جنبلاط والرئيس أمين الحافظ وغيرهم من النواب الذين رفضوا المشاركة في الجلسة على الرغم من الضغط الذي مارسه عليهم فرقاء سياسيون وعسكريون.

أما اللقاء الأشهر الذي عُقد فيه، فكان "لقاء البريستول" الذي عُرف باسمه، وهو من التحركات الأولى الجامعة في مواجهة "الوصاية السورية" على لبنان بعد عام 2000، وهو اللقاء المدعوم من البطريرك الراحل بطرس صفير وجماعة "قرنة شهوان" التي كانت تنادي بالخروج السوري من لبنان، فاتّخذت تلك الحركة المعارضة من "البريستول" مكاناً للقاء مختلف مكوّناتها عندما قررت التوسّع إلى غرب بيروت لتستقطب الرئيس الراحل رفيق الحريري بعد انضمام النائب وليد جنبلاط إلى هذا التحرّك. فأرسل الرئيس الحريري ممثلاً له إلى اجتماعات هذا اللقاء، هو الوزير السابق غطاس خوري. وربما كان هذا الانفتاح المستجدّ للرئيس الحريري سبباً معجّلاً في اغتياله برأي متابعين كثر للحالة السياسية اللبنانية منذ عام 2000، تاريخ خروج الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة.

الأزمة الاقتصادية

في بيان إعلان الإغلاق والتوقف عن العمل، عزا أصحاب الفندق السبب إلى الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها البلاد، وقال مديره جوزف كوبات إنه منذ 40 عاماً لم يشهد مثيلاً للوضع "الكارثي" الراهن في لبنان مع غياب تام للزبائن. "كنّا نعاني منذ الصيف الماضي، وحاولنا تخفيض نفقاتنا مع بداية الأزمة المالية، ومن ثم الخسائر التي نتجت من الحراك الشعبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتأتي الإجراءات المرافقة لانتشار فيروس كورونا وتقضي على أي قدرة للفندق على الصمود". وقالت المديرة المساعدة التنفيذية في الفندق باسكال سلوان لوكالة الصحافة الفرنسية "إنه إغلاق كامل لأسطورة البريستول". وهكذا يكون الفندق قد انضم إلى سابقيه من معالم بيروت وشارع الحمرا الذين أقفلوا بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وعلى رأسها مقاهي شارع الحمرا ومطاعمها، كـ"الإكسبرس" و"الهورس شو" و"الكافي دو باري" و"المودكا" و"الويمبي". وكذلك دور السينما كلّها التي اختفت من الشارع نهائياً.

مع إقفال أحد معالم الذاكرة البيروتية الأساسية، ملتحقاً بغيره من المعالم التي اختفت نهائياً، هل يمكن القول إن مؤشرات ذواء بيروت كمعلم ثقافي وسياحي وسياسي في المنطقة قد بدأت؟ هل علينا الاستعداد لأيام سوداء مقبلة نفقد فيها صورة بيروت "ست الدنيا" إلى غير رجعة؟ نترك الإجابات لما سيحمله لنا الآتي من الأيام.

سيرة مختصرة

جاء في تعريف فندق "البريستول" المنشور على صفحته الإلكترونية أنه استقبل الضيوف للمرة الأولى عام 1951. واشتهر أول مدير عام له جورج الريس بمساهمته في فنون الطهي وكتابته لسلسلة من كتب الطبخ التي ساعدت في جعل الفندق مشهوراً بمطبخه. وأنه استضاف أول حلبة للتزلّج على الجليد في لبنان. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، نجح الفندق في فتح أبوابه على الرغم من المعارك التي دارت في العاصمة.

عام 2013، خضع الفندق لتجديد رئيس من أجل تحديث المبنى الخارجي والداخلي. وفي شهر يونيو (حزيران) 2015 أُنجزت أعمال التجديد، فصار مبنى ثلاثياً مكوّن من ستة طوابق، وهو مجوّف من الوسط لاستيعاب الحديقة.

صُمّم الديكور الداخلي للفندق من قبل المصمم الفرنسي الشهير جان رويير، وجُدّد عام 2015 من قبل المهندس جلال محمود.

المزيد من منوعات