Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل المصفوفة بين "الثورية" و"الشعبية"

بقايا نظام البشير لعبت أدواراً كارثية لإعاقة مسار آمال السودانيين

مخاوف من دخول السودان في نفق مجهول (رويترز)

حين حددت الوثيقة الدستورية مدة ستة أشهر لإنجاز اتفاق السلام مع الحركات المسلحة (الحركة الشعبية شمال، والجبهة الثورية) كان الظن غالباً في أن اتفاق السلام لن يستغرق وقتاً طويلاً، نظراً لأن كل القوى السياسية، سواء المدنية التي أنجزت الثورة في الخرطوم بإسقاط نظام البشير، أو القوى العسكرية التي حاربت النظام ذاته لسنوات طويلة، مثل الجبهة الثورية والحركة الشعبية شمال، وهما شريكان في النضال والهم الوطني.

ولم يكن متصوراً طبيعة التعقيدات التي اكتنفت عملية السلام التي بدا للجميع أنها شاقة حتى بين الشركاء الوطنيين، كما أقر بذلك محمد الحسن التعايشي، عضو مجلس السيادة والناطق الرسمي بوفد الحكومة في مفاوضات جوبا، وها هو اليوم يكاد يمضي الشهر الثامن منذ إقرار الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس (آب) من العام الماضي، من دون أي اختراق في ملف السلام، بل زادت الأمور تعقيداً.

وفي انتظار السلام، كانت البلاد التي خرجت لتوها من ثورة عظيمة لم تستكمل بعد هيكلها الدستوري الثالث في السلطة الانتقالية ممثلاً في المجلس التشريعي (البرلمان)، ولا في الجهاز الإداري المتصل بتعيين ولاة الولايات، حيث لا يزال الولاة حتى اليوم من العسكريين، الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في استمرار أجهزة نظامية وإدارية منذ أيام النظام السابق لم يتم تفكيكها بعد، في انتظار إنجاز عملية السلام التي تعثرت، فيما ظل من يمثلون بقايا نظام البشير يستغلون هذا التعطيل الإداري لدولاب السلطة الثورية الجديدة، فلعبوا أدواراً كارثية هدفها إعاقة مسار الثورة السودانية، كفتنة الاقتتال الأهلي الذي دبرها أعوان النظام السابق من خلال جهاز الأمن في مدينة بورتسودان من أجل زعزعة استقرار تلك المنطقة الجيوسياسية للبحر الأحمر عبر ثلاث موجات من الاقتتال الأهلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحين أصدر شركاء المرحلة الانتقالية (مجلس السيادة، والحكومة الانتقالية، وقوى الحرية والتغيير) في الأسبوع الماضي مصفوفة استكمال مهام الفترة الانتقالية وحددوا فيها مواعيد لتنفيذ حزمة الإجراءات التي تستكمل هياكل السلطة كتعيين الولاة، بصورة مؤقتة حتى إنجاز عملية السلام، وإعلان قيام المجلس التشريعي، خرجت الجبهة الثورية ببيان رداً على تلك المصفوفة واصفة قوى الحرية والتغيير بأنها "ترغب في الغنائم وإقامة تمكين جديد ولا ترغب في السلام وتكرر الأخطاء".

والسؤال الذي يطرح نفسه: ألا يرى قادة الجبهة الثورية الوضع الذي أصبح عليه الجهاز الإداري في السودان من تعطيل لعمل سلطة الثورة في الولايات، وما خلفه هذا الوضع الغريب من تدابير ظل يشتغل عليها النظام البائد من أجل إعاقة الثورة وتهديد الاستقرار عبر بعض الأجسام المنية والإدارية في سلطة الولايات، مثل اللجان الأمنية التي كان قد عينها نظام البشير قبل سقوطه؟

لا يبدو أن أحداً في الجبهة الثورية يكترث لمعاناة الشعب السوداني التي أصبحت قطعة من الجحيم، في ظل غياب الهياكل الإدارية للثورة في الولايات، ولا لحجم تلك المعاناة، بما يدخل في تهديد الثورة ذاتها وتفجير المرحلة الانتقالية.

وما يثير الاستغراب أكثر في موقف الجبهة الثورية، هو أن المصفوفة أقرت بأن تكليف الولاة سيكون مؤقتاً، وليس تعييناً، إلى إنجاز اتفاق السلام، وذلك نظراً للأوضاع الخطيرة التي تهدد سلطة الثورة في ظل غياب الجهاز الإداري لحكومة المرحلة الانتقالية. فما هي إذن المحاذير التي تخشى منها الجبهة الثورية في حال ضمان تغيير الولاة المكلفين حال التوصل إلى اتفاق السلام النهائي؟

يبدو أن الأمر واضحاً اليوم، فالجميع يعرف أن الجبهة الثورية، حتى أثناء التفاوض معها من قبل قوى الحرية والتغيير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قبل اتفاق 17 أغسطس 2019، كانت رافضة حتى لقيام سلطة انتقالية للثورة قبل الوصول معها إلى سلام، مما يدلل بوضوح على أن القائمين على أمر الجبهة الثورية لا يكترثون لمعاناة الشعب السوداني والأزمات الوجودية التي تهدد مصير الثورة ذاتها في حال استمرار الوضع على ما هو عليه بعد عام من قيام الثورة، بل يبدو أنهم لا يكترثون حتى للإنجاز العظيم الذي حققه الشعب السوداني بثورته الفريدة في إسقاط النظام الذي حاربته الجبهة الثورية لسنوات عديدة ولم تفلح في إسقاطه.

من جهة ثانية، حين تشترط الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو تضمين علمانية الدولة قبل أي اتفاق للسلام، فيما يرى وفد الحكومة المفاوض أن الاتفاق على علمانية الدولة رهين بمخرجات المؤتمر الدستوري في نهاية المرحلة الانتقالية، بحسب الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية، سيكون ذلك في تقديرنا تعسفاً في غير محله. إذ كيف للحركة الشعبية التي هي والحكومة الانتقالية شريكان لعبا دوراً مهماً في إسقاط نظام البشير، كل بحسب أسلوبه (مع أن فعل الإسقاط كان من نصيب الثورة)، أن تجعل من ذلك الشرط في علمانية الدولة مقدماً على اتفاق السلام، فيما هي تتحاور مع شريك أساس هو حكومة الثورة وليس حكومة نظام البشير؟ ثم ألم يفكر قادة الحركة الشعبية في أنهم هم شركاء حقيقيون للثورة السودانية وأنهم عبر اتفاق السلام سيلعبون دوراً كبيراً في تأمين المرحلة الانتقالية من أي ارتدادات محتملة؟

للأسف لا تعكس مواقف كل من الجبهة الثورية والحركة الشعبية انهماماً جاداً بمصير هذه الثورة العظيمة للشعب السوداني، وأخشى ما يخشاه المراقب هو أن تكون مثل هذه المواقف السياسوية المتعنتة من طرف كل من الجبهة الثورية والحركة الشعبية سبباً رئيساً لانتكاس المرحلة الانتقالية لا سمح الله والدخول بالسودان في نفق مجهول!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء