Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقعات كبار السن المناخية في لبنان تتحدى الأرصاد الجوية

احتساب أيام السنة بناء لحركة الشمس والقمر

منظر طبيعي في جرود الضنية (شمال لبنان) (اندبندنت عربية)

غنية جداً جلسات كبار السنّ في لبنان، فهي تحفل بالقصص والقضايا الشائكة التي تعكس الماضي وتغذي الحاضر بأسئلة إشكاليات يطرحها التراث الشعبي على الواقع المُعاش، وتعتبر "البواحير" و"المستقرضات" من المواضيع الأساسية التي تفرض نفسها مع حلول فصل الربيع، ويكرر المزارعون مقولة تختصر صورة من صور الحسابات الطقوسية التي تزخر بها الثقافة، ويتوجه فبراير (شباط)، إلى مارس (آذار) بالقول مجازاً "ابن عمي يا ابن عمي، ثلاثة منك وأربعة مني"، لذلك يلجأ بعض المزارعين إلى الزراعة في هذه الأيام لاعتقادهم بخصبها وغزارة مائها.

"المستقرضات" والحسابات الشعبية الشائعة

يعتمد كبار السن في توقعاتهم المناخية على "البواحير" التي تقوم على احتساب أيام السنة بناء لحركة الشمس والقمر، وتتضمن تحرّي "المستقرضات" التي تبلغ مدتها سبعة أيام، وتُعرف بـ "أيام العجوز"، وهي الأيام الثلاثة الأخيرة في فبراير، والأربعة الأولى من مارس، وسميت "مستقرضات" بهذا الاسم انطلاقاً من اعتقادهم بأن شهر فبراير يقترض من مارس أربعة أيام من أجل سدّ النقص في أيامه التي تمتد 28 يوماً في السنة الشمسية العادية، وتصبح 29 في السنوات الكبيسة، وتضمن هذه الأيام، بحسب المعتقد الشعبي، امتداد فترة الخصوبة وسقوط الأمطار التي تروي الأرض وتغذي الينابيع الجوفية لتنفجر مع بدء الربيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى جانب "المستقرضات" تعتمد حسابات كبار السن وتوقعاتهم بانتهاء فصل الشتاء على خبرات الأجداد، بدءاً بسقوط الجمرات الثلاث، وتأذن هذه الجمرات بالانتقال من البرد إلى الدفء من خلال ثلاث قفزات، ويعتبر فبراير موعداً حاسماً للتغيير، ففي الـ 20 من فبراير تسقط الجمرة الأولى، ويتسلل الهواء الدافئ إلى أجساد العجائز والأرض، لذلك تسمى "جمرة الهواء"، وبعد مرور أسبوع  أي في الـ 27 منه، تبدأ حرارة الماء بالارتفاع بعد فترة التجمد والبرودة الشديدة في الجرود العالية، عندها تسقط "جمرة الماء"، وفي الأسبوع الذي يليه، يتسرب دفء الطقس وأشعة الشمس إلى داخل الأرض والتربة، ومع سقوط "جمرة الأرض" يشعر سكان الجرود بحرارة الأرض والمسطحات.

هل من أساس علمي لهذه الأفكار؟

يربط البعض بين دقة هذه "المستقرضات"، وتحديد الأعياد لدى الطوائف المسيحية الشرقية التي يبلغ الفرق بين تقويمها والتقويم الغربي 13 يوماً، ويعتقد الأب الدكتور جورج داوود أن ليس هناك أي أساس ديني، تاريخي أو علمي لهذه "المستقرضات" و"البواحير"، ويقول إنها "عبارة عن تقليد شعبي وكلام يتناقله المحدّثون عن الأقدمين لا أكثر ولا أقل"، ويرجح داوود أن هذا العامل أدى إلى رسوخها في الثقافة الشعبية للأجيال المتعاقبة على الرغم من أنها معرفة غير علمية ولا يمكن التحقق من صحتها ودقتها.

ويشير داوود إلى أن الشعوب القديمة اعتمدت في حساباتها على القمر والشمس، وأدخلت حساباتها في العبادات منذ قديم الزمان، ويلفت إلى أن "المستقرضات" تأتي أحياناً حارة، وفي بعض السنوات تكون باردة، وأن للتغيير المناخي تأثيره في البيئة وحياة الناس، وصولاً إلى تطوّر التفسيرات العلمية لهذا الكون العظيم على ضوء الاكتشافات الجديدة التي ما زالت في بداياتها.

"بواحير" الشتاء

وعلى الرغم من الجدلية حول هذه الحسابات، تبقى جزءاً من التراث الشعبي اللامادي الذي يضبط سلوكيات أهالي المناطق الجبلية والمزارعين منذ ما قبل النشرات الجوية، وما زال الكثيرون يعتقدون بوجود "مربعانية" شديدة البرودة وهي الـ 40 يوماً الممتدة بين 21 ديسمبر (كانون الأول) إلى 30 يناير (كانون الثاني) في فصل الشتاء، يتبعها "الخمسانية" وهي 50 يوماً تشهد تحولاً تدريجياً نحو الدفء، وتبدأ بـ 31 يناير وصولاً إلى بدء الربيع في 21 مارس. وتُعرف فترة "الخمسانية" أيضاً بـ "السعود الأربعة"، وهي "سعد الذابح" الذي يبدأ في 31 يناير ويكون شديد البرودة، وفي 12 فبراير ننتقل إلى "سعد بَلَع" لأن الأرض تبلع ماءها وتفيض العيون والأنهار، وصولاً إلى ميل الطقس نحو الدفء في 25 فبراير مع ولادة "سعد السعود"، وفي التاسع من مارس يبدأ "السعد الأخير"، وهو "سعد الخبايا" إذ تبدأ براعم الأشجار بالتفتُق وتخرج الكائنات الحية المختبئة إلى وجه الأرض، وتأذن بميلاد حياة جديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات