Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شمع فلسطين صناعة تقليدية "تذوب" أمام الموضة والتكنولوجيا

فيروس كورونا عطل موسم عيد الفصح والأفراح التي تعتبر مناسبات لرواج منتجات الشمع

رائد حنانيا معتنياً بمصنوعاته (اندبندنت عربية)

ينهمك رائد حنانيا (55 سنة) ولساعات طويلة في "صناعة الحب والأمل" بحسب قوله، فهو في مثل هذا الوقت من كل عام، يُمضي جلّ وقته داخل معمله المتواضع في بلدة بيرزيت (وسط الضفة الغربية) لصناعة الشمع بالطريقة التقليدية القديمة، حيث عشِق هذه الحرفة التقليدية التراثية منذ قرابة 30 سنة، ويكاد يكون الوحيد المتمسك بها على الرغم من صعوبة صناعتها وشحّ ربحها المادي.
 

آخر المعاقل
 

فبعدما ضرب فيروس كورونا (كوفيد -19) المستجد الأراضي الفلسطينية وتعطل موسم عيد الفصح والمناسبات والأفراح الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، يأمل حنانيا في أن تعود الأمور إلى طبيعتها قريباً، وإلا فسيكون آخر مَن يصنعون الشمع التقليدي في فلسطين.
ويتحدث حنانيا إلى "اندبدنت عربية" عن حرفة صناعة الشمع التقليدي بالطريقة اليدوية، فيقول إنها باتت "نادرة جداً هذه الأيام ولا أعرف أحداً غيري يصنعها كما أفعل، فأنا أقوم بتشكيل الشمع بطريقة يدوية، الواحدة تلو الأخرى، ومنذ عام 2000 وأنا أعمل في هذا المعمل، وعلى الرغم من صغره، استطعت أن أزيّن الكنائس في الأعياد واستطعت إسعاد الكثيرين، فالشمع يرتبط بالفرح والحب والإيمان وهذا ما يجعلني سعيداً وشغوفاً بهذه الحرفة، لكنها لم تعد كما الماضي وتصارع من أجل البقاء، بسبب كثرة الاستيراد، وإغراق الأسواق بالشمع الصيني الرخيص، إضافة إلى ذلك أصبح الشمع هذه الأيام على الموضة، وأصبحت الشموع بأشكال وأنواع مختلفة، وليست كما الطولية التقليدية المعروفة التي أصنعها، فهناك الشمع البلاستيكي المزود ببطاريات، وهناك الشمع الصغير والكبير والملون وذو الروائح، ومن غير الممكن أن أقحم تلك الموضة في صناعة الشمع التقليدي الذي لطالما ارتبط بالشمعة الكلاسيكية البيضاء الطويلة".
 


"شمعة شمعة"

وعن طريقة صناعتها المرهِقة يروي حنانيا "منذ ساعات الصباح أبدأ بإذابة المادة الخام من الشمع لتصبح كما الماء، وفي غضون ذلك أربط الخيوط على دولاب معدني لأتمكن من صبِ الشمع على كل خيط، إذ تسغرق صناعة الشمعة الواحدة من 6 إلى 16 ساعة بحسب الطول المطلوب، فهناك شموع يصل طولها إلى متر (100 سينتمتر) وأغلبها يُستخدم للأفراح أو للكنائس، وبعدما تتشكل كل شمعة وقبل أن تجف تماماً، أقوم بصقلها أو نقشها، وأتركها لساعات عدة لتصبح قابلة للاستخدام. وما إن أشاهدها وهي تحترق تختلط عليّ المشاعر، فتارةً أفرح لسعادة مستخدميها سواء لعيد ميلاد أو لزفاف أو للعماد (طقس مسيحي)، وتارةً أخرى أحزن وأقول في نفسي إن تعبي لساعات يذوب بسرعة".


رمز الحب والإيمان

ارتبـط إنتـاج الشـمع في الضفة الغربية بالبعـد الدينـي، فاسـتُخدم في الكنائـس منـذ القـرن الثالـث الميلادي كـا تـدل الحفريـات، وتُعتـبر الشـمعة تعبيـراً تصويريـاً دقيقـاً عـن وقفـة العابـد أمـام اللـه.
وتُعدّ مدينة بيـت لحـم من أوائل المدن التي بـدأت بإنتـاج الشـمع، حيث كانت تصنع الشمع الأبيـض البسـيط الـمسـتخدَم في الكنائـس، ثـم أخذت طابـعاً سـياحياً، وباتت تنتـج شمعاً بأشـكال وأحجـام وألـوان مختلفـة يحمـل كل منهـا صـورةً تمثـل قصـةً مـن كتـب العهـد القديـم أو الجديـد، أو صـوراً للمـدن المشهورة دينيـاً في فلسـطين مثـل بيـت لحـم، القـدس، الناصرة وغيرها. ومـع تناقـص الإقبال على الشمع التقليدي أصبـح هنـاك تحّـول واضح في مجـال هـذه الحرفـة، فأصبحـت تُنتـج للزينـة في المناسـبات الاجتماعية المختلفـة مثـل العمادات والأعراس وغيرها.
ومع حلول عيد الفصح (أهم الأعياد المسيحية)، يقول حنانيا إن "الشمع  يرمز إلى صلاتنا النابعة من إيماننا بنور الرب، وتمثّل رغبة المؤمن في إظهار حضوره للرب على الرغم من انشغالات الحياة، فالشموع الصغيرة تدلل على التّفاني والصّلاة، ومن غير الممكن أن تدخل كنيسة من دون مشاهدة الشموع التي تعبر عن روحانية المكان وتساعد على إراحة نفوسنا وطمأنتها إلى أن الخير والحب والأمل موجودة بإذن الله".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حرف تصارع البقاء

من سياق متصل، وبحسب دراسة أجراها معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية "ماس" في الضفة الغربية، فإن الصناعات التقليدية في فلسطين تلعب دوراً هاماً في الاقتصاد المحلي من حيث التشغيل وإنتاج السلع، خصوصاً في مجال السلع التذكارية، إذ تشكل هذه الصناعات أو الحرف نقطة تمايز بين الدول، وهي انعكاس للحضارة والتاريخ في كل بلد، لكنها بدأت بالاندثار لأسباب مختلفة. ويقول الباحث في المعهد مهند حامد إن "أغلب الحرف التقليدية تكاد تكون متشابهة بمشاكلها إلى حد ما، من زاوية محدودية حجمها، وتوفير المواد الخام، إذ إن حرفاً تقليدية عدة كانت تعتمد على مواد خام محلية، أما الآن فتعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الخام، ما أدى إلى شبه فقدان للمادة الخام المحلية، وفي بعض الحالات تكون كلفتها مرتفعة، عدا عن هروب العمالة من هذه الصناعات التي تحتاج إلى مهارات محددة وغير متوفرة في السوق بسبب انخفاض أجورها. إضافة إلى ذلك، يواجه الحرفيون صعوبات في التسويق المحلي والخارجي، ما يجعلهم يعتمدون بشكل أساسي على معارض الحرف التقليدية في الداخل والخارج، وهذا ليس كافياً في عملية التسويق، ما دفع كثير من الحرفيين إلى التحول إلى مجالات عمل أخرى". ويضيف حامد أنه "مع كل الصعوبات والمعوقات، يمكن هذه الصناعات التقليدية توفير فرص عمل لفئات مهمشة عدة مثل ربات البيوت والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة".
 

توجهات رسمية

وتشرك وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني بالتعاون مع جهات رسمية وغير رسمية أخرى، أكبر قدر من منتجات الصناعة التقليدية في المعارض المحلية والخارجية، بهدف الترويج والتعريف بالصناعات التقليدية في فلسطين التي أصبحت عضواً في اللجنة القومية للنهوض بالصناعات التقليدية في الوطن العربي، والتي شُكلت من خلال المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين، حيث وضِع برنامج لتطوير هذا القطاع في الوطن العربي، من خلال عقد ندوات وورشات عمل ومعارض تدريبية بهذا الخصوص. وبحسب المركز الوطني الفلسطيني للمعلومات فإن الصناعات التقليدية الفلسطينية ذات الامتداد التاريخي تعكس طابعاً تراثياً يعبر عن الملامح التاريخية لفلسطين. والى جانب حرفة صناعة الشمع التقليدي، هناك صناعة الخزف، والزجاج اليدوي التقليدي، والفخار والتطريز والسجاد اليدوي، ومنتجات خشب الزيتون والصدف والخيزران والقش.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات