Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة الانتقالية السودانية تفند اتهامات بتورطها في الصراع الليبي

"الخرطوم مشغولة بأوضاعها الداخلية وفك عزلتها الخارجية ولا مصلحة لها في زعزعة الاستقرار في ليبيا"

مسلحون ليبيون تابعون لحكومة الوفاق في مدينة صبراتة الساحلية غرب البلاد (أ. ف. ب.)

لم تكن العلاقات السودانية - الليبية في أي وقت مضى راسخة ومستقرة، فمنذ عهد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي (1969-2011)، تأرجحت بين مربع التحالف الوثيق ومربع الخصومة الشديدة، وذلك مع ثلاث حكومات سودانية عاصرت هذه الحقبة، منها حكومتان عسكريتان تتوسطهما "ديمقراطية قصيرة".
وشهدت العلاقة توتراً مع نظام الرئيس السابق جعفر نميري (1969-1985)، ثم الرئيس السابق عمر البشير (1989-1990)، أكثر مما شهدته في فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989).

بيد أنه في ظل حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي تسيطر على العاصمة طرابلس، تواترت الاتهامات للحكومة الانتقالية في السودان بمشاركة قوات سودانية في القتال داخل ليبيا، الأمر الذي تنفيه القيادة السودانية باستمرار، مؤكدةً اتساق مواقفها تجاه الأحداث في ليبيا مع الشرعية الدولية والإجماع العربي، فضلاً عن تفنيد الجيش السوداني هذه الادعاءات التي اعتبر أنها تأتي في إطار "الكيد الممنهج للمؤسسة العسكرية السودانية".

كما أشار مراقبون إلى أن الحكومة الانتقالية في السودان مشغولة بأوضاعها الداخلية وفك عزلتها الخارجية، ولا مصلحة لديها في زعزعة الاستقرار في ليبيا مثلما كانت تفعل حكومة البشير المرتبطة بتنظيم "الإخوان"، مستبعدين مشاركة أي قوات سودانية رسمية في الصراع الليبي، لأن مثل هذا العمل يتنافى مع المسار الذي تنتهجه الحكومة السودانية التي تسعى بكل السبل إلى التصالح مع المجتمع الدولي من خلال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
 

اتهام باطل

وتعليقاً على هذه الاتهامات أشار المحلل السياسي السوداني النور عبدالله إلى أن "الاتهامات الليبية للسودان بمشاركة قوات سودانية في القتال داخل ليبيا أمر مستبعد تماماً من الناحية الرسمية، لأن الحكومة السودانية مشغولة الآن بإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية مما أصابها من دمار وخراب وعزلة خارجية خلال الـ30 سنة الماضية، ومن بينها العلاقات الخارجية التي تشهد انفتاحاً على كل دول العالم وفق سياسة متزنة مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وخصوصاً دول الجوار"، لافتاً إلى أن "الحكومة الانتقالية في السودان تسير على نهج الثورة التي جاءت لتصحيح المسار المعوج للنظام السابق الذي كان قائماً على دعم سياسة تنظيم الإخوان المسلمين ما أضر بالسودان وشعبه، وبالتالي فإن أي حديث عن تدخل السودان في شأن دولة أياً كانت غير صحيح بتاتاً".

وزاد عبدالله "قد يكون لحكومة الوفاق الليبي التي تتهم السودان من وقت إلى آخر، حق، لأن حدود السودان الغربية مع ليبيا متداخلة مع دول أخرى عدة وتنشط فيها ممارسات عدة منها الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، حيث توجد عصابات تغري الفقراء والجهلاء من مختلف الجنسيات وتدفع بهم إلى القتال داخل ليبيا عن طريق إقليم دارفور المتاخم لليبيا مرتدين الزي العسكري الخاص بأحد فصائل الجيش السوداني، وذلك بالتعاون مع جماعات مقاتِلة ومتشددة في ليبيا"، مضيفاً أن "مَن يقرأ الواقع السوداني لن يصدق تلك الاتهامات، إذ انتهى عهد التبعية في السودان لأي جهة أو محور أو تنظيم، لأن مثل هذه السياسات والتوجهات لم تأتِ بالخير للسودان بل كانت كلفتها كبيرة، فكيف لحكومة سودانية قامت بتسوية قضية المدمرة كول مع أهالي الضحايا بملايين الدولارات لكي يُرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتأتي في الوقت ذاته لتشارك بقواتها في الداخل الليبي، هذا اتهام باطل ويتناقض مع الواقع والحقيقة".

ودعا عبد الله الحكومة الليبية إلى "تحري الدقة والبحث عن الحقيقة بتجرد تام، من خلال فهم الواقع السوداني الجديد الذي يختلف تماماً عن صورة الواقع القديم"، منوهاً بأن "ما رسخ من مفاهيم ومعلومات سابقة تحتاج إلى وقت حتى تفهم القيادة الليبية والشعب في ليبيا الصورة الجديدة للسودان والإنسان السوداني". وتابع "هذا الاتهام نفته القيادة السودانية ممثلةً برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح برهان، وكذلك نفاه الجيش السوداني، لكن يبدو أن المسؤولين الليبيين وجدوا اتهام السودان شماعةً سهلة، لكن عليهم تتبع الأمر بناءً على معلومات حقيقية والابتعاد عن الاتهامات الجوفاء لأنها لا تخدم قضيتهم".


الحقيقة المطلقة

في السياق ذاته أوضح الخبير العسكري مصطفى سليمان أن "سياسة السودان المتبعة حالياً بعيدة عن المحاور، وتنأى بنفسها عن الدخول في الصراعات والشؤون الداخلية للدول، وبالتالي فإن أي اتهام بأن قواتٍ سودانية تشارك مع جماعات متشددة أو غير متشددة داخل ليبيا عار تماماً من الصحة"، مؤكداً أن "المؤسسة العسكرية السودانية رجعت إلى سابق عهدها لتكون مؤسسة قومية تدافع عن الأراضي السودانية فقط وحفظ الأمن وتماسك الجبهة الداخلية". وأضاف أن "السودان الآن في مرحلة إعادة بناء كل مؤسساته القومية عسكريةً كانت أم مدنية، وفق منهج وسياسة جديدة قائمة على الاعتدال وخدمة المصالح السودانية واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالشرعية الدولية، وهذا هو التوجه المعمول به في كل مؤسسات الدولة، ما يتنافى مع أي حديث يشير إلى تورط الدولة السودانية في صراعات دول الجوار. ولذلك على كل مَن يطلق مثل هذه الاتهامات التأكد من الحقيقة المطلقة أولاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الشرعية الدولية
وتوضيحاً للحقيقة، سارعت وزارة الخارجية السودانية إلى إصدار بيان نفت فيه مشاركة أي قواتٍ سودانية في القتال حول طرابلس أو غيرها من المناطق الليبية، مؤكدةً أن "السودان على موقفه الثابت بألا حلّ للصراع في ليبيا، إلا عن طريق الحوار والتوافق بين الفرقاء على معالجة خلافاتهم السياسية بالوسائل السلمية". وجدد البيان تمسك السودان بمقررات الشرعية الدولية حول ليبيا ورفضه التدخلات الأجنبية في شؤونها الخاصة. وناشد البيان "الأشقاء في ليبيا وقف التصعيد العسكري والاقتتال لإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الليبي الشقيق، وحشد الجهود والموارد لمكافحة جائحة كورونا التي تمثل أكبر خطر ماثل تواجهه الإنسانية في الوقت الراهن".

وأشارت الخارجية السودانية إلى البيانات التي أصدرتها القوات المسلحة السودانية بهذا الشأن، مذكرةً كذلك بما نُقل إلى حكومة الوفاق الوطني رسمياً، من أعلى المستويات، عن عدم صحة مشاركة قوات سودانية في المواجهات المسلحة بليبيا.

وتابعت بالقول إن "السودان الذي قدم نموذجاً فريداً في التحول الديمقراطي السلمي، ويبذل كل ما بوسعه لاستكمال السلام في كل أنحائه، يظل على موقفه الثابت والايجابي الداعم لاستقرار ليبيا وفقاً للشرعية الدولية".


أفراد مرتزقة

وأيّد موقف السودان الرافض الاتهام الليبي، خبراء في الأمم المتحدة، أكدوا في تقرير نُشر في وقت سابق أنهم لم يجدوا أدلة موثوقة تؤكد ما أوردته وسائل إعلام ليبية عن وجود قوات عسكرية سودانية تقاتل إلى جانب "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر.

وفندت مجوعة خبراء دوليين هذه الادعاءات، ووصفتها بأنها مزاعم لا أدلة عليها. وذكرت أن "المجموعة ليس لديها أي دليل موثوق به على وجود قوات الدعم السريع في ليبيا". ومع ذلك، أكدت في الوقت ذاته أن مسلحين عرباً متحدرين من إقليم دارفور الواقع في غرب السودان والغارق منذ عام 2003 في حرب أهلية، ومن تشاد المجاورة يقاتلون في ليبيا كأفراد مرتزقة.

وأشار التقرير إلى وجود جماعات مسلحة في دارفور منخرطة في الحرب الدائرة في ليبيا، وشاركت في عمليات عسكرية إلى جانب المتحاربين هناك.

كيد واستهداف

أما على مستوى القيادة السودانية فسبق أن أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، عدم صحة أي حديث عن إرسال قوات سودانية إلى ليبيا. وشدد على أن بلاده لم ترسل أي فرد للقتال في ليبيا. كما لم يطلب منها أي أحد أو أي دولة، إرسال جنود إلى هناك، فضلاً عن أن السودان ليس طرفاً في النزاع الليبي. لكن لم يستبعد البرهان أن تكون فصائل مسلحة أخرى خارجة عن النظام السابق عملت في ليبيا، مؤكداً أن لا دخل لحكومته في ذلك. كما أكد أن "قوات الدعم السريع جزء من الجيش السوداني، وتعمل تحت إمرته، لا بمعزل عن الجيش وقيادته"، مشيراً إلى أنه "كانت لدى هذه القوات في السابق ميزانية منفصلةً، ولكن بعد التغيير في البلاد صارت تابعة للجيش".

كذلك نفى الناطق باسم قوات الدعم السريع السودانية، العميد جمال جمعة، ما تردد من اتهامات ليبية، مشيراً إلى أن قواته المنتشرة على الحدود مع ليبيا أو غيرها من الدول تعمل على منع الاتجار بالبشر، ومكافحة الهجرة غير الشرعية فقط. كما نفى أيضاً المتحدث باسم الجيش السوداني العميد عامر محمد الحسن، إرسال أي قوات سودانية لمساندة "الجيش الوطني" الليبي بقيادة حفتر، مبيناً أن "كل هذه الادعاءات تأتي في إطار كيد ممنهج يستهدف المؤسسات الوطنية، لا سيما المؤسسة العسكرية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي