Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا... الاستعراض الأخير للسلام والوحدة يُضمر أكثر مما يظهر، وفي ما يلي ما وراء ذلك

تعتمد حكومة رئيس الوزراء حاليًا على خليط من الميليشيات "المعترف بها" التي لديها ولاء متقطع لحكومته، ومن بينها ميليشيات المتهم بجرائم حرب الجنرال حفتر

المحكمة الجنائية الدولية تقول إن أعضاء من قوات حفتر ارتكبت على الأغلب جرائم حرب (رويترز)

عندما أعلن القائد العسكري القوي في شرق ليبيا، خليفة حفتر، أن قواته تتجه نحو الجنوب لغزوه (وحقوله النفطية)، قوبل الخبر بلامبالاة.
الأنظار تحولت عن معظم التطورات في ليبيا إلى مناطق أخرى من الشرق الأوسط منذ أن تراجع، إلى حد كبير، تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا وإطاحة داعش من خلافته على ضفاف المتوسط.
فتسنى لمجموعة كبيرة من الميليشيات، منها تلك التابعة للجنرال، أن تملي سياسة البلد بقوة سلاحها.
لكن الهجوم الجنوبي الذي شنّه حفتر على منطقة مرزق الاستراتيجية، على بعد 900 كيلومتر جنوب طرابلس، هو حاسم ولا ينبغي تجاهله. أدى هجوم القوات الموالية لجنرال من عهد القذافي إلى سيطرتها على حقول النفط المتبقية في البلاد، وصودف أنها أكبرها.
في العام الماضي، وبعد معارك كر وفر مع قائد الميليشيا المثير للجدل إبراهيم الجضران، اجتاح الجنرال حفتر الهلال النفطي في الشرق، وهو يمتد من المنشآت الساحلية في راس لانوف وصولاً إلى الواحة.
مع السيطرة الأخيرة على حقلي الشرارة والفيل في الجنوب، حيث تبلغ طاقتاهما الإنتاجية الإجمالية حوالي 430 ألف برميل في اليوم أو ما يقارب نصف الإنتاج الحالي لليبيا، أحكم حفتر ورجاله القبضة على قطاع النفط البري الليبي كله.
ولا تزال شركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها تدير الصادرات النفطية، وهي موالية للحكومة الضعيفة المدعومة من الأمم المتحدة، لكن الجنرال حفتر ورجاله يستطيعون فتح- أو إغلاق - أنابيب النفط.
الخلاصة أن رجلاً واحداً يملك اليوم قطع الشريان الاقتصادي للبلاد.

يأتي هذا في وقت حرج وصعب. في الأسبوع الماضي، التقى الجنرال حفتر ورئيس الوزراء المعترف به فايز السراج في أبوظبي لإجراء محادثات سلام، واتفقا خلالها على إجراء انتخابات.
إن السلام في ليبيا، وهي بلد غارق في الأسلحة ومرتع الجماعات الجهادية في شمال أفريقيا، أمر حيوي لاستقرار المنطقة. ورحبت الأمم المتحدة وبريطانيا ودول أخرى بهذا الاجتماع، وأكدت أن الحل العسكري لليبيا ليس حلاً.
لكن مع إمساك حفتر بمقاليد الموارد المالية، إلى أي حد هذا الكلام صحيح؟ كيف يمكن التوصل إلى اتفاق سلام في ليبيا؟ وكيف يمكن أن تسودَ بنيةٌ مدنيةٌ ديموقراطيةٌ إذا كان للقائد العسكري القوي والمثير للانقسام مثل هذا النفوذ المُحكم؟ عليه، ليس عرض القيادة المشتركة أكثر مما هو عليه، أي هو مجرد عرض.
"من الواضح أن حفتر اكتسب نفوذاً حين تقدمت القوات المسلحة في الجنوب. وهذا ما برز في اجتماع الإمارات"، أخبرتني الباحثة في الشأن الليبي، فاليري ستوكر.
وقالت ستوكر إن الإهمال المنهجي وتعاظم الاضطرابات في جنوب ليبيا خلال العام الماضي حملا الجنوبيين على الشعور بأن الحكومة المعترف بها في طرابلس والمجتمع الدولي تخليا عنهم. كذلك هناك افتراض بأن الصراع بين خليط مذهل من الجماعات العرقية والقبائل، هو ثانوي ولن يؤثر في بقية البلاد.
"كان هناك نقص واضح في الاهتمام بالجنوب وافتراض بأن المنطقة ليست ذات تأثير مباشر في عملية السلام في البلد. لكن تحول الأحداث هذا العام أظهر بوضوح أن هذا غير صحيح. أشعلت هذه العملية توترات قبلية محتدمة وأطلقت عنان دورة عنف قد يكون من العسير احتواؤها".
تعتمد حكومة السراج حاليًا على خليط من الميليشيات "المعترف بها" في منطقة طرابلس، وولاؤها لحكومته متقطع. لهذا فالسراج يحتاج حاجة ماسة إلى الجنرال حفتر، على الرغم من حقيقة أن القائد المارق قد دعم حكومة منافسة في الشرق لسنوات، وناوأ السلطات المدعومة من الأمم المتحدة.
وفي مقابلات خلال السنوات الأخيرة، أفصحت لي قواته مراراً أنها ستتوجه نحو طرابلس للسيطرة عليها بالقوة.
عاش الجنرال حفتر عقوداً في المنفى في الولايات المتحدة بعد أن تخلى عنه القذافي خلال حرب ليبيا الكارثية مع تشاد في الثمانينيات. وعاد حفتر إلى ليبيا خلال الربيع العربي في 2011، وأعلن نفسه قائداً لما يسمى "الجيش" الليبي.
ومنذ ذاك الحين شن عدداً من الحروب في مدن شرق ليبيا مثل بنغازي ودرنة، حيث قالت جماعات حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية إن أعضاء من قواته ارتكبت جرائم حرب.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ثانية بحق قائد قواته الخاص، محمود الورفلي، بعد نشر عدد من الفيديوهات على الإنترنت يظهر فيها وهو يجهز على مقاتلين وقعوا في الأسر.
في يناير (كانون الثاني)، قال محامو حقوق الإنسان في لندن في تقرير حصلت عليه "اندبندنت" إن قواته ربما ارتكبت جرائم حرب في درنة، منها حالات تعذيب وقتل وتمثيل بالجثث.
وفي حين تبدو معركة السيطرة على مرزق أقل دموية من غيرها – إذ رحبَ السكان المحليون الذين يعانون تعاظم الأنشطة الإجرامية بجيشه في كثير من الأحيان، ثمة مخاوف من ارتكاب انتهاكات.
أحمد، أحد أهالي مرزق، أرسل لي صوراً لمنازل مدمرة ومهدمة في مرزق، وقال لي إن 27 شخصًا قُتلوا في ظروف مريبة، وأن أكثر من 140 عائلة نزحت، وأن قوات موالية لحفتر أحرقت عشرات المنازل ودمرتها منذ بدء الهجوم في منتصف يناير.
وتقاتل قوات حفتر إلى حد كبير جماعة التبو، وهي جماعة عرقية متمركزة في الجنوب ولها روافد على حدود ليبيا وتشاد والنيجر، وكانت تسيطر على العديد من المناطق هناك على مدى سنوات.
واستقال محمد آدم لينو، وهو نائب ليبي من التبو، بسبب العنف، قائلاً إن القوات التابعة لحفتر تستهدف أفراد قبيلته. وقال إن النيران أُضرمت في 90 منزلاً منذ الهجوم، منها منزلا شقيقه وأبيه.
قال لي أحمد، من أهالي مرزق "الوضع سيىء جداً حيث الاقتتال والقتل وحرق المنازل. أُجبرت العائلات على الهرب. الوضع فظيع". وأضاف أحمد "حفتر في منتهى القوة. يسيطر بالفعل على الشرق والآن على الجنوب. سيكون يسيراً عليه أن يسيطر على طرابلس".

© The Independent

المزيد من آراء