أكدت مصادر سياسية في بغداد أن الترويج لمعلومات تتعلّق بقرب تسوية ملفات ساسة سنّة هاربين إلى خارج البلاد بعد اتهامهم بالإرهاب، هو "بالون اختبار" يستهدف التعرف على ردود الفعل الشيعية في هذا الشأن. وعلى الرغم من نفي السلطات القضائية في العراق وجود ترتيبات من هذا النوع، إلا أن المصادر تؤكد توجّه الحكومة العراقية التي يرأسها عادل عبد المهدي باتجاه "تصفير الأزمات، ورفع القيود التي تمنع سياسيين سنة من العودة إلى بلادهم وممارسة نشاطهم السياسي".
"الإرهاب السياسي"
يريد عبد المهدي محو آثار مرحلة اتهمت بـ "الإرهاب السياسي" في البلاد، بعدما دحر سلفه حيدر العبادي "الإرهاب الأمني" بقيادة المعركة ضد تنظيم "داعش". ويربط محللون عرب وغربيون بين شيوع "الإرهاب السياسي" خلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بين العامين 2010 و2014 واستفحال "الإرهاب الأمني"، الذي أسفر صيف العام الأخير من عهد المالكي عن احتلال تنظيم "داعش" مدناً تشكل أكثر من ثلث مساحة البلاد.
وبدأ المالكي حملته ضد خصومه من السياسيين السنّة بتوجيه تهم الإرهاب إلى نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهامشي الذي هرب إلى تركيا، قبل أن يعود المالكي ويقود حملة شرسة ضد وزير المالية في حكومته رافع العيساوي أجبرته على مغادرة البلاد. ولم يتوقّف تأثير المالكي حتى بعد مغادرته السلطة، إذ قادت كتلته البرلمانية في عهد العبادي جهوداً أسفرت عن إجبار البرلمان على سحب الثقة من محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، بعد اتهامه بالتخابر مع دول مجاورة.
تحرّك بتشجيع إيراني
ويعتقد كثيرون من الساسة السنة في العراق بأن المالكي كان يتحرّك ضدهم بتشجيع إيراني على تصفية الوجوه المعارضة سياسياً، ويقول هؤلاء إن "طهران دعمت بقوة عملية تصفية الساسة الأقوياء من الطائفة السنية، والإبقاء على ممثلين خاضعين للسلطة"، في إطار ما صار يعرف بـ "سنة المالكي"، وهم الساسة الذين أذعنوا لرئيس الوزراء السابق، كي يسمح لهم بممارسة أنشطتهم من داخل البلاد.
وخلال العام الأخير من ولاية العبادي، بدا أن الوضع سيختلف، إذ سمحت مفوضية الانتخابات لأحد أبرز وجوه المعارضة السنية، وهو خميس الخنجر الذي يتحدّر من محافظة الأنبار ويملك ثروة كبيرة، بتزعم قائمة انتخابية لخوض الاقتراع العام في مايو (أيار) الفائت. لكن المفاوضات التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات كشفت أن الخنجر تحول إلى الصف الإيراني، إذ سرعان ما التحق بتحالف البناء الذي يضم الأحزاب القريبة من إيران.
الدوافع سياسية
وتعليقاً على أنباء التسوية القضائية التي تسمح بعودة الساسة السنة إلى بغداد، قال الهاشمي إنها أنباء عارية عن الصحة، "تستهدف خلط الأوراق"، بينما قال النجيفي إن "هذه الحملة تستهدف التأثير في مسار التحقيق"، لتأخير إصدار أحكام بالبراءة. ويقول السياسي الشيعي المخضرم، عزت الشابندر، الذي عُرف باطلاعه الواسع على كواليس العمل السياسي في العراق، إن معظم التهم الموجهة إلى هذه الشخصيات كيدية، مؤكداً أن "دوافعها سياسية". وأضاف الشابندر، الذي كان أحد الساسة المقربين من المالكي بشدة، أن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي انتهج سياسة توجيه التهم جزافاً إلى جميع خصومه، من دون تقديم دليل واحد على تورطهم في قضايا إرهابية.
اتهامات مثيرة للسخرية
ويوضح أن الاتهامات "كانت مثيرة للسخرية"، على غرار اتهام أحد النواب السنة بمحاولة تفجير البرلمان العراقي، في أبريل (نيسان) العام 2007 على الرغم من وجوده في الموقع نفسه الذي شهد الانفجار، وسأل "كيف يفجّر أحدهم مكاناً يجلس فيه؟". وتقول المصادر إن "أطرافاً على صلة بالحكومة العراقية سرّبت لوسائل إعلام معلومات تتعلّق بمراجعة يجريها الجهاز القضائي، لملفات خمسة من الساسة السنة، تمهيداً لتسوية أوضاعهم القانونية، والسماح لهم بالعودة إلى العراق". وتضيف أن "هدف التسريبات هو التعرّف على اتجاه الرأي العام، ولا سيما الشيعي منه، في حال أصدرت الحكومة عفواً عن شخصيات سياسية سنية، متهمة بدعم أنشطة إرهابية".
ولم تفصح المصادر عن المزيد من التفاصيل، لكنها ذكرت أن حكومة عبد المهدي تحاول تصفية الخلافات السياسية التي اتسع مداها في حقبة المالكي، ويقول النائب في البرلمان العراقي عن حركة عصائب أهل الحق، القريبة من إيران، نعيم العبودي، إن "عودة طارق الهاشمي إلى العراق مستحيلة"، لكنه أبقى "باب القضاء" مفتوحاً للنظر في قضايا الشخصيات الأخرى.
وتمثل تصريحات العبودي إشارة واضحة إلى أن "الأجواء السياسية القريبة من إيران في بغداد لن تمانع في عودة مشروطة لبعض الساسة السنة المطاردين، على غرار قضية الخنجر"، على حد تعبير مراقبين. ويرى المراقبون أن "التصالح مع إيران، هو بوابة آمنة لعودة المعارضين العراقيين إلى داخل البلاد".