Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدابير مكافحة كورونا تهدد القوت اليومي لـ "بائعات الشاي" في السودان

مبادرات اجتماعية للتخفيف من حاجتهن... والحكومة تتعهد بدفع راتب شهري لهن

مكان عمل إحدى بائعات الشاي في الخرطوم (اندبندنت عربية - حسن حامد)

حاصرت الإجراءات الاحترازية المشددة التي اتخذتها الحكومة السودانية أخيراً لمنع انتشار فيروس كورونا، بدءًا بتحويل فترة حظر التجوال ليلاً إلى 12 ساعة، ووصولاً إلى منع التجمعات، مهنة بائعات الشاي، التي باتت الأكثر تضرراً من هذا الوباء، ما دفع شرائح عدّة في المجتمع إلى إطلاق مبادرات لدعمهن مادياً، خصوصاً أن غالبيتهن نازحات من مناطق الحرب والجفاف، ولا يملكن القوت اليومي لهن ولأسرهن، لكن السلطات المختصة تداركت هذا الأثر السلبي من خلال تخصيص راتب شهري لـ 36 ألف بائعة شاي، حتى يتمكنَّ من الالتزام بضوابط وشروط السلامة الصحية وعدم ممارسة هذه المهنة طيلة فترة التصدي للجائحة.

ومنذ إعلان حظر التجوال في 17 مارس (آذار) الماضي، تعالت أصوات بائعات الشاي للمطالبة بتوفير بدائل عمل مناسبة لهن أو التكفل بإعالة أسرهن، نظراً إلى تأثر نشاطهن الذي يتركز في الفترة الليلية، فضلاً عن عدم امتلاكهنّ مصادر دخل أخرى بخلاف هذه المهنة. وتشرح إحداهنّ إنّ "أكثرية العاملات في هذا المجال تعيل أسرة تتراوح ما بين ثلاثة إلى سبعة أفراد، ومن الصعب ترك هذه المهنة في ظل أي ظرف مهما كان أثره. لذلك، فإنّ تلك الإجراءات المتبعة لمواجهة هذا الفيروس مع اقتناعنا بأهميتها، لكنها لا تتلاءم مع أوضاعنا الاقتصادية الصعبة، التي تفوق مقدرتنا، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من بائعات الشاي يسكن في منازل مستأجرة ما يجعلهنً عرضة للتشرّد والطرد".


المعيشة صعبة

وتقول مريم خميس "جئتُ إلى الخرطوم من منطقة جنوب كردفان قبل سبع أعوام، هرباً من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية في تلك الفترة، ولدي أربعة أبناء، ولم أجد غير مهنة بيع الشاي والمشروبات الساخنة من قهوة وقرفة وغيرها، وبقيتُ أعمل بها والحمد لله بالكاد تغطّي متطلّبات معيشتنا اليومية، نظراً إلى الغلاء المستفحل، فضلاً عن إيجار المنزل الذي يأخذ نصف الدخل"، مبينةً أن توقفها عن العمل ليوم واحد يتسبّب في جوع أسرتها التي تعتمد عليها بشكل أساسي. لذلك تأثر دخلها منذ إعلان حظر التجوال بسبب وباء كورونا وبدأت تعتمد لتغطية مصاريف أسرتها على معارفها وبعض المحسنين في المجتمع. وتضيف "نسمع بهذا الوباء كل الأشخاص، وجميعهم متخوف من خطورته، والآن بدأت الحكومة تتشدّد أكثر، وليس لدينا سوى أن نلتزم مثل غيرنا، ولولا صعوبة المعيشة لكنتُ بقيتُ جالسةً في منزلي، ولكن الله غالب".

غسل اليدين
 

أما خديجة آدم، فتقول "قدمتُ إلى الخرطوم من إحدى قرى النازحين في دارفور عام 2009، وأعمل في المهنة منذ ثمانية أعوام، ولدي زبائن كثيرون معظمهم من الشباب يأتون للتسلية والترويح عن النفس، وأستقلّ يومياً كي أصل إلى مكان عملي، وسيلتَيْ مواصلات، وأمضي ساعة ونصف الساعة على الطريق، وأعملُ يومياً لمدة 12 ساعة وأكثر وقد يكفي الدخل اليومي متطلّبات أسرتي المكوّنة من خمسة أبناء يدرسون جميعهم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ولا يكفي في مرات عدّة أخرى، فأُضطر للاستدانة من زبائني الذين تجمعني بهم صلات طيبة"، موضحةً أن "العمل خلال الفترة الأخيرة مع ظهور وباء كورونا بدأ يقلّ، بل توقّف عملنا تماماً مع تطبيق قرار حظر التجوال، وأصبح وضعنا حرجاً للغاية، لأنّ معظم زبائني يأتون بعد السادسة مساء، والآن أعتمد على إنجاز بعض الأعمال المنزلية، ولكنها لا تغطّي التزاماتي الأسرية، ولا ندري كيف سيكون الوضع إذا استمر أكثر".  

وتضيف "في البداية لم نكن نهتم بقرارات الحكومة بشأن الوقاية من كورونا، وكنّا نعتقد أنه مرض عادي ولن يصل إلى السودان كونه ظهر في الصين، لكن مع إصابة أشخاص في بلادنا بدأنا نتخوّف نوعاً ما، وأحرص على غسل اليدين والنظافة بشكل عام، ولولا الحاجة وعدم وجود من يعيل أسرتي، لبقيتُ في البيت مع أبنائي".


مبادرة مجتمعية

وفي إطار المبادرات المجتمعية للتخفيف من وطأة الأحوال المعيشية الصعبة التي تفاقمت أكثر لدى بائعات الشاي بعد إعلان حظر التجوال، كانت أكثر المبادرات لفتاً للانتباه في شوارع الخرطوم مبادرة "خلّيكِ ببيتك وفلوسك توصلك لحد عندك" وهدفها تعويض بائعات الشاي اللواتي يعتمدن على العائد اليومي لسد رمق أسرهنّ. وأطلق هذه المبادرة شباب يعملون في مؤسسات حكومية وخاصة عدّة، كانوا يشترون الشاي من هؤلاء السيدات، إذ كانت تتوفّر لهم مساحة للنقاش في مجالات السياسة والاقتصاد والفن والرياضة، في ملتقى شبابي يتّسم بطابع البساطة والترفيه معاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


توفير السلع

في موازاة ذلك، تعهّدت عضو مجلس السيادة السوداني عائشة موسى بتنفيذ توصيات تتعلّق باحتواء الآثار المترتبة عن الإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا، بخاصة على بائعات الشاي. ووعدت خلال لقائها أعضاء اللجنة المجتمعية لدعم بائعات الشاي في السودان بتوفير كل السلع الضرورية وتنفيذ توصيات اللجنة المجتمعية وتطبيقها على أرض الواقع حتى لا تتأثر هذه الشريحة بالقرارات المتوقع صدورها في هذا الشأن، موضحةً أنّ وزارة التجارة والصناعة التزمت توفير السلع الأساسية لهذه الفئة المحتاجة بما يكفل لها حياةً كريمة في ظل الظروف التي تشهدها البلاد لمواجهة هذا الوباء القاتل.

المرأة الكادحة

وتُعدُّ بائعات الشاي من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في الخرطوم، حيث يشدّ من يزورهنّ للمرة الأولى الفضول لمعرفة ظاهرة التجمعات الصغيرة للشباب في الطرقات والميادين سواء في الأحياء أو الأماكن العامة وهم يتحلّقون حول سيدة تستخدم معدات بسيطة لإعداد الشاي والمشروبات الساخنة الأخرى للمارة.

وامتهنت الغالبية العظمى من بائعات الشاي هذه المهنة بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة لإعالة أسرهنّ، على الرغم من شدّة حرارة الشمس طوال العام ونظرة المجتمع السلبية إليهنّ. في المقابل، يجد شبان كثيرون ضالّتهم في أماكن تجمعات بائعات الشاي باعتباره ملتقى اجتماعياً ترفيهياً لتجاذب أطراف الحديث في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، فضلاً عن تناسب الأسعار في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها كثيرون.

وتشير إحدى الدراسات إلى أنّ عدد بائعات الشاي في محافظة الخرطوم بلغ قرابة الـ 14 ألف بائعة، يعملن لأكثر من 12 ساعة يومياً، ويتعرّضن للمضايقات، إضافةً إلى العمل في ظل ظروف شاقة في الشارع. وتلفت الدراسة إلى أنّ 87 في المئة من النساء العاملات يقعن في الفئة العمرية بين 18 و45 سنة، وأنّ 45.1 في المئة منهنّ غير متزوجات، و33 في المئة متزوجات، و21 في المئة بين أرامل ومطلقات. وتوصلت الدراسة إلى أن 88.6 في المئة من بائعات الشاي في الخرطوم نازحات أو مهاجرات من مناطق ريفية، منوهةً بأنّ قطاع بائعات الشاي في تضخّم وازدياد، لأنّ أسباب الظاهرة متضخّمة، وهي الحرب وصعوبة الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة الأمية وضعف المستوى التعليمي.

وتمثل هؤلاء البائعات نموذجاً عن المرأة السودانية الكادحة، التي تحدّت ظروف الحياة والمجتمع السوداني المحافظ لتتمكّن من الحصول على قوت يومها عبر هذه المهنة التي يرى السودانيون أنها أصبحت جزءًا من حياتهم لا يمكن الاستغناء عنها. وكانت مهنة بيع الشاي في السودان في بدايتها تخصّ النساء المتقدمات في السن في الأسواق الشعبية، بعدما بدأت ظاهرة المقاهي تفقد بريقها في البلاد. وكانت مهنة محدودة وغير لافتة للانتباه، بيد أنّ ظاهرة "ست الشاي" بدأت تنال أهمية في فترة منتصف التسعينيات وبداية الألفية الثالثة في السودان في عهد النظام السابق، إذ تُعدُّ حالياً ظاهرةً اجتماعية تشكّل تجمّعاً عفوياً لمواطنين كثر، بخاصة من الشباب للترويح عن أنفسهم، فضلاً عن تدنّي سعر ما يتناولونه، مقارنةً بالمقاهي.

المزيد من العالم العربي