Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البشير يفك ارتباطه مع الإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني لم يعد حاكماً

قوى إقليمية ودولية مؤثرة تفضل الرئيس السوداني على حلفائه الإسلاميين

تبنى البشير خطوات لامتصاص غضب الشارع واستمالة الجيش بالتخلي عن حزب المؤتمر الوطني الذي يسيطر عليه الإسلاميون (اندبندنت عربية)

على نحو مباغت، وجد حزب المؤتمر الوطني، في السودان، بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي لازمته صفة الحزب الحاكم أكثر من عشرين عاماً، نفسه مجرداً من تلك الصفة التي حازها عبر انقلاب عسكري على الديمقراطية الثالثة، بعدما نقل البشير سلطاته في الحزب إلى نائب رئيس الحزب الجديد أحمد هارون.

البشير ينقلب على حزب الإسلاميين

تبنى البشير خطوات لامتصاص غضب الشارع واستمالة الجيش بالتخلي عن حزب المؤتمر الوطني الذي يسيطر عليه الإسلاميون، بعدما كانت شعارات الاحتجاجات تحمل بشدة على التيار الإسلامي، وتحمّله مسؤولية التدهور الاقتصادي والكبت والفساد، عبر خطابه الذي وجّهه للشعب في 22 فبراير (شباط) الماضي، محاولاً التخفيف من حدّة الدعوات المطالبة بتنحيه عن السلطة، وذلك بتعهّده بأن يكون من موقع رئاسته للجمهورية على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية، بما يعبّد الطريق أمام حوار سياسي، يشرف عليه بنفسه، لإخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية.

وعزز البشير خطواته للتخلي عن تحالفه مع الإسلاميين، الذين بات قطاعاً مقدراً منهم يرفض حكمه، ويجاهر برفضه تعديل الدستور للسماح له بالترشح إلى دورة رئاسية جديدة في العام 2020. وبحلّه الحكومة، فإن البشير يعزز دور الجيش في عملية وقائية منه لمنع الإطاحة به.

تخلي البشير شبيه بالانقلاب على الترابي

ويعتقد مراقبون أن تخلي البشير عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني الذي لم يعد حاكماً، إنما صاحب الغالبية في البرلمان، يشبه انقلابه على حليفه الراحل حسن الترابي في ديسمبر (كانون الأول) 1999 عندما خلعه من زعامة حزب المؤتمر الوطني وحل البرلمان الذي كان يترأسه، وهذا ما دفعه إلى ترك الحزب وإنشاء حزب جديد باسم حزب المؤتمر الشعبي. ولقي انقلاب البشير، على من دبر وصوله إلى السلطة حينئذ، ارتياحاً لدى قوى إقليمية تبغض الإسلاميين، لكن "الطلاق" أتى هذه المرة بالتراضي وإن كان تحت ظلال الطوارئ. ويعتقد الرئيس السوداني أن قوى إقليمية ودولية مؤثرة تفضله على حلفائه من الإسلاميين.

بيد أن تلك الخطوات، يراها معارضون للنظام كإحدى مناورات البشير، الذي يحاول استغلال كل واحدة منها لكسب الوقت، بحثاً عن حلول تجنّبه السقوط والتنحي الذي يطالب به المحتجون منذ 19 ديسمبر الماضي.

من هو أحمد محمد هارون؟

خليفة البشير بالوكالة في حزب المؤتمر الوطني هو أحمد هارون (55 عاماً)، درس في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، في مصر، وتخرج في العام 1987 وعاد إلى السودان ليعمل قاضياً بعض الوقت قبل أن يعين وزيراً للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان. وفي عام 1998، انتقل إلى الخرطوم حيث تولى منصب المنسق العام للشرطة الشعبية. وفي عام 2003، قرر البشير تعيينه وزير دولة بوزارة الداخلية بعد تصاعد الاضطرابات في إقليم دارفور، ليتولى هذا الملف. وفي عام 2005، أُعفي هارون من منصبه في وزارة الداخلية ليعيّن في منصب وزير الشؤون الإنسانية في حكومة الوحدة الوطنية التي شُكلت بموجب اتفاق السلام في جنوب البلاد.

وفي عام 2009، جرى تعيينه في منصب والي ولاية جنوب كردفان، وقد احتفظ بالمنصب عام 2011 بالانتخاب، وليس بالتعيين، لكنّ منافسيه شككوا في نتائج الانتخابات. وفي عام 2013، عُيّن حاكماً على ولاية شمال كردفان، وظل في هذا المنصب حتى الأسبوع الماضي عندما انتخب حزب المؤتمر الوطني هارون نائباً لرئيسه.

وهارون مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مزعومة في دارفور. إذ يُزعم أنه قام بتجنيد وتمويل ميليشيا الجنجاويد التي شنت هجمات ضد المدنيين في دارفور.

وفي عام 2003، وجه إلى هارون الاتهام بتشريد حوالي 20 ألف شخص من سكان دارفور. وفي 27 أبريل (نيسان) 2007، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق هارون تضمنت 20 اتهاماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية و22 اتهاماً بارتكاب جرائم حرب.  

مستقبل الإسلاميين بعد البشير

بعد تخلي البشير عن زعامة حزب المؤتمر الوطني، ثارت تكهنات بشأن مستقبل الحزب، فتوقع مهتمون أن الحزب سيؤول من بعد مفارقته كرسي السلطة والحكم إلى شتات، بينما يتمسك الإسلاميون بأن عقدهم لن ينفرط لما لهم من تاريخ.

وقال أسامة توفيق، مستشار رئيس حزب الإصلاح الآن، إن ما حدث هو مفاصلة بين البشير والاسلاميين، على غرار المفاصلة التي أبعد فيها شيخ الإسلاميين حسن الترابي من الحكم، لكن الرئيس استفاد من تجربة الماضي ومضى إلى تنفيذ المفاصلة بالتدريج. إذ قال إنه سيقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب، ثم فوّض سلطاته في الحزب إلى أحمد هارون، ربما بغرض تكسير الحزب وتفكيك دولته العميقة لمصلحة حزب جديد، ربما يُنشأ لاحقاً. ويشير توفق إلى أن الخطوة الثالثة قد تكون اعتقال كل من يحاول معارضة هذه الإجراءات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، اختار حسن الساعوري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، موقفاً وسطياً تجاه مسألة بقاء حزب المؤتمر الوطني أو زواله، فهو اشترط لضمان استمراريته كحزب أن يُنفذ بعض المراجعات، منها أن يراجع تنظيمه كحزب ويراجع سياساته وهوية قياداته، ويراجع قواعده الشعبية. ويرى الساعوري أنه إذا لم تحصل هذه المراجعات، وبطريقة صحيحة، فإن الحزب لن يكون موجوداً في الفترة المقبلة.

من جانبه، يعتقد أمين حسن عمر، عضو المكتب القيادي في حزب المؤتمر الوطني، أن الحديث عن زوال حزبه "مجرد أمنية لمن يحب أن يؤول أمرنا إلى ذلك"، مشيراً إلى أن الجبهة الإسلامية كانت الكتلة الثالثة في البرلمان خلال حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، في العام 1986، وهي في المعارضة قبل أن تتسلم الحكم في 1989 عبر انقلاب عسكري حمل البشير إلى السلطة، مشيراً إلى أن حزب المؤتمر الوطني يهيئ نفسه لتحالفات واسعة في الانتخابات المقبلة.

خيارات الإسلاميين في المرحلة المقبلة

أقر حزب المؤتمر الوطني أن البلاد بدأت مرحلة سياسية جديدة عقب تخلي البشير عن رئاسته. وقال عمر باسان، المسؤول السياسي في الحزب، إنهم سيمضون بخطوات سريعة لفك الارتباط عن الحكومة. وأوضح أن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني سيختار رئيساً للحزب خلفاً للبشير عقب شهر رمضان، موضحاً أن ابتعاد الرئيس عن الحزب سيتيح الفرصة للإسلاميين لتحديد خياراتهم في من يجب الدفع به إلى الرئاسة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ السودان. وقال باسان إن هناك عدداً مقدراً من قيادات الحزب المؤهلة لخلافة البشير. وأضاف باسان أن حزبه سيواجه عدداً من التحديات، أبرزها إعادة ترتيب صفوفه بعد خروج الرئيس، وسيدير حواراً مع الأحزاب للاستعداد للانتخابات وسيقوم باستعادة ثقة الشارع السياسي به.

إسرائيل على الخط

نفى جهاز الأمن والمخابرات السوداني صحة ما أورده موقع "ميدل إيست آي" عن أن مدير الجهاز صلاح عبد الله قوش التقى رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي نُظم الشهر الماضي. ووفق ما جاء في تقرير "ميدل إيست آي"، نقلاً عن المصدر العسكري السوداني، يبدو أن هناك إجماعاً على أن البشير سيرحل، لكن الخلاف يدور على من سيأتي بعده. ووفق الموقع البريطاني، فإنّ المتحدث باسم مؤتمر ميونيخ للأمن أكد ​​أن قوش وكوهين حضرا حدث هذا العام الذي انعقد من 15 إلى 17 فبراير الماضي، وأن قوش التقى رؤساء الاستخبارات الأوروبية.

ووفقاً للمصدر، فإن البشير لم يكن يعلم بالاجتماع غير المسبوق بين قوش وكوهين في ميونيخ، الذي هدف إلى تسليط الضوء على قوش كخليفة محتمل له، وإشراك إسرائيل لتؤمن دعم الولايات المتحدة للخطة. ويلعب جهاز الموساد دور وزارة الخارجية في التعامل مع المسؤولين في الدول التي ليست لديها معاهدة سلام مع إسرائيل.

سمعة طيبة في واشنطن

يكتسب قوش سمعة طيبة في واشنطن باعتباره رئيساً لجهاز مخابرات يمكن أن تعمل معه وكالة المخابرات المركزية الأميركية في حربها على الإرهاب، بل إنه زار الولايات المتحدة عام 2005، عندما كانت بلاده مدرجة من قبل وزارة الخارجية الأميركية في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وقال تقرير لموقع "أفريكا إنتليجنس" الشهر الماضي إن وكالة المخابرات المركزية الأميركية ترى أن قوش هو الخليفة الأفضل للبشير.

وترأس قوش جهاز الأمن والمخابرات الوطني بين عامي 2004 و2009 عندما عينه البشير مستشاراً للأمن القومي، ثم أقيل عام 2011 وأعتقل بعد ذلك للاشتباه في تورطه في محاولة انقلاب، لكن أفرج عنه بعد ذلك بعفو رئاسي عام 2013، ثم أُعيد تعيينه رئيساً لجهاز الأمن الوطني في فبراير 2018.

وقد اعتبرت عودته بمثابة تحرك من قبل البشير للقضاء على المعارضة، إذ واجهت البلاد مشاكل اقتصادية متفاقمة واحتجاجات ضد التقشف، وكمحاولة لبناء الجسور مرة أخرى مع الولايات المتحدة بعد رفع العقوبات الاقتصادية أواخر العام 2017.

المزيد من تحقيقات ومطولات