دعت الجامعة التونسية لمديري الصحف في بيان لها، إلى التوقف بداية يوم 23 مارس (آذار)، عن طبع الصحف الورقية وإصدارها، درءاً لكل المخاطر والاستعاضة عنها بالعمل عن بعد بواسطة المواقع الإلكترونية.
وبررت الجامعة هذه الدعوة بتفاقم تفشي فيروس "كورونا"، والتزاماً بالإجراءات التي اتخذتها السلطات في تونس والمتعلقة بحظر التجول والحجر الصحي العام، إضافة إلى الصعوبات الخاصة بإنجاز وطبع وتوزيع الصحف.
إيقاف الصدور
ومن جهتها، دعت الجامعة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، المؤسسات الإعلامية إلى التوقف عن إصدار الصحف الورقية في ظل توقف الإشهار وحالة الحجر الصحي العام، التي تحول دون بيع هذه الصحف، نظراً للمخاطر التي قد تسببها هذه النسخ الورقية من إمكانية العدوى، سواء على عمال المطابع أو المواطنين.
وكانت بعض الصّحف الورقية قد توقفت عن الصّدور منذ فترة على غرار "تونس هبدو" "الأخبار" وصحيفة "المغرب" بسبب الوباء المستجد.
كما قررت جريدة "الصباح" اليوم الثلاثاء 24 مارس 2020 إيقاف الصدور، توقياً من الفيروس، فيما وجهت دار "الأنوار" رسالة إلى رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، عبرت فيها عن حاجتها للدعم المادي للحفاظ على وجودها وتأمين أرزاق الموظفين والصحافيين والتقنيين ومن أجل إيصال المعلومة للجميع في هذا الظرف الصعب.
فهل تعجل محنة تفشي "كورونا " في إنهاء الصحافة المكتوبة في تونس؟ وهل يتغير المشهد في خريطة الصحافة الورقية بعد نهاية هذه الأزمة؟
صحف اندثرت وأخرى تنتظر مصيرها
"اندبندنت عربية" التقت مدير ومؤسس جريدة "أخبار الجمهورية" منصف بن مراد، الذي أكد أن الصحافة المكتوبة تمر بصعوبات عدة، خصوصاً بعد تقلص هامش الربح بسبب ارتفاع سعر الورق والحبر وغلاء المعيشة وارتفاع الأجور، ما دفع ببعض الصحف إلى الاندثار وأخرى تحتضر الآن في انتظار موتها، داعياً الحكومة إلى دعم الصحافة الورقية في تونس، من خلال تنظيم الإشهار العمومي وتوزيعه بالعدل بين مختلف الفاعلين في المشهد الإعلامي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمح بن مراد إلى تدخل اللوبيات (مجموعات النفوذ) السياسية والاقتصادية في القطاع الإعلامي، إضافة إلى أن أغلب المستشهرين يفضلون الإذاعات والتلفزيون على الصحف المكتوبة، مشيراً إلى أن أغلب المبيعات اليوم من الصحف لا تتجاوز الخمسة آلاف نسخة، بينما كانت تصل إلى حدود المئتي ألف نسخة يومياً.
آنية الأخبار
من جهته، أكد رئيس تحرير أول في جريدة "الصحافة اليوم" زياد الهاني لــ"اندبندنت عربية"، أن الورقي لن ينتهي، ويمكنه الاستمرار على الرغم من المنافسة القوية من مختلف المجالات الأخرى والعزوف العام على القراءة الورقية، إلا أن عدد الصحف المطبوعة سيتقلص على الأرجح، خصوصاً بسبب الغلاء المتصاعد في أسعار الورق والحبر وتكاليف الطباعة والنقل.
كما تواجه الصحف المطبوعة إشكالية منافسة آنية الأخبار التي تتميز بها وسائل الإعلام الالكتروني، وهو ما يجعلها مطالبة بكسب رهان المحتوى كي تستجيب لتطلعات القارئ.
وأضاف الهاني "في ظل الوضع الراهن، وأمام الإشكاليات المطروحة وفي مقدمها حظر التجول واعتبار الورق ناقلاً محتملاً للفيروس، قررنا في جريدتي (الصحافة اليوم) و(لاپراس) الناطقة باللغة الفرنسية، مبدئياً التوقف مؤقتاً عن الطباعة، والاستعاضة عن ذلك بنشر الصحيفتين في شكل "پي دي أف" على الموقع الإلكتروني. وهو إجراء وقائي يحد من انتشار الفيروس، من خلال التقليص في عدد الفريق العامل.
تعثر اقتصاديات دول الربيع العربي
كما التقت "اندبندنت عربية" رئيس التحرير السابق في "دار الصباح" والأستاذ الجامعي في الإعلام والاتصال كمال بن يونس، الذي يرى أن الحل في أزمة الصحافة المكتوبة يبدأ بتنظيم قطاع الإشهار وتسوية الوضعية القانونية والإدارية للمؤسسات المصادرة (التابعة لعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي).
وأشار إلى "احتداد المنافسة مع شبكة الإنترنت وأيضاً منصات الميديا الاجتماعية (فيسبوك وتويتر وإنستغرام)، ما جعل الصحافة المكتوبة تتراجع في السوق، إضافة إلى تعثر اقتصاديات دول ما يعرف بالربيع العربي، ما أثر في تراجع الإشهار بسبب تراجع النمو".
وها هي تونس تلتحق بكل من المغرب والأردن وسلطنة عمان وسوريا، وقد تتوقف الصحف الورقية عن الصدور كلياً بسبب تفشي فيروس "كورونا"، وهو ما ينذر بتغير الخريطة الصحافية الورقية في تونس، في ظل ما تعانيه مؤسسات عدة من صعوبات مالية دفعت بعدد منها إلى التوقف، في حين تحتضر أخرى ليكون "كورونا" بمثابة رصاصة الرحمة على هذا القطاع، الذي وصل إلى أكثر من 250 صحيفة خلال الثورة والسنوات التي تلتها، ليصل إلى ما دون الـ50 صحيفة اليوم.