Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا، لا يجب التساهل مع جونسون في أزمة كورونا

المشكلة في "عدم تسييس الأمور" هي أن ذلك يحرمنا من الأدوات التي قد تفسر سبب تحرك الحكومة ببطء شديد، وأيضاً من القدرة على مساعدتها لوضع سياسات صحيحة

بوريس جونسون يقول أن أسوأ ما في الأزمة من الممكن تجاوزه في ثلاثة أشهر إذا التزم الناس التوجيهات (رويترز)

بينما نستيقظ كل يوم على وقع أزمة فيروس كورونا المدمرة عالمياً، نفتح أعيننا أيضاً على حقيقة أن تجاوز الأزمة يتطلب من كل منا تأدية دور ما. فاعتماد أحدنا على الآخر كان على الدوام حقيقة واقعة، مهما ابتعدنا أخيراً عن بعضنا بعضاً. وفي ظل الوباء، تعتمد الآن صحة كل انسان على تصرفه بمسؤولية.

لقد أصبح العمل الجماعي ووحدة الهدف مطلوبين للغاية، وذلك على نحو صائب. لكن طُلب أخيراً من التقدميين واليساريين، الذين دافعوا عن مثل هذه القيم منذ فترة طويلة، أن يلزموا الصمت. واعتُبر التشكيك في نهج الحكومة البريطانية تجاه جائحة فيروس كورونا بمثابة تسييس للأزمة. كما اعتُقد أن أية إشارة إلى أن استجابة رئيس الوزراء بوريس جونسون غير كافية، ستؤدي إثارة للذعر بين الجمهور. أما التساؤل حول سبب اختلاف نهج الحكومة تماماً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية والتدابير المتبعة في جميع أنحاء العالم، فكان يمثل خطراً على المصلحة الوطنية في نظر البعض.

لكن هذا لا يعني أن أصحاب هذه الأحكام السلبية على من يتساءل أو يشكّك بسوء النية، إذ من الممكن رؤية النوايا الحسنة وراء آراء من هذا النوع. إن الوقوف خلف حكومة في مثل هذه الحالة الطارئة قد يودي إلى إنقاذ الأرواح ومنع الانهيار الاجتماعي. ونظراً لأهمية اتباع نصيحة الصحة العامة، لا أحد يرغب في المخاطرة بتشويش رسالة الحكومة. هناك حذر يمكن تفهم أسبابه من مغبة إذكاء الشعور بعدم الثقة في خضم الجائحة، أو تأجيج نظريات مؤامرة بغير قصد كتلك التي تحافظ على انتقال الفيروسات القاتلة. وفي غضون ذلك، رفعت الحكومة شعار "نمضي بقيادة العلم"، وهو ما اختلف بشأنه العلماء في الواقع، كدرع دفاعي حول استراتيجيتها المتهالكة حالياً لمكافحة فيروس كورونا، ما جعل غير الخبراء يخشون انتقادها.

أضف إلى ذلك أن اليسار لا يزال يعاني من تبعات هزيمة انتخابية تاريخية. فقد اهتزت ثقته بنفسه من جذورها، فيما يعيش حزب العمال حالة الغموض التي تكتنف السباق للفوز بزعامة الحزب، ولهذا كان مفهوماً سبب تردد التقدميين برفع أصواتهم في وقت حرج. وعليه فقد تراجعت الحكومة في نهاية المطاف تراجعاً حاداً عن سياستها الخطيرة المبنية على تخفيف الضرر بدلاً من السعي للقضاء على الفيروس، وذلك بفعل الضغط الحقيقي الذي مارسه العلماء والكوادر الطبية، وليس المعارضة. ولعل قراء صحيفتي التلغراف، الذين يعتبرون عموماً من المحافظين، كانوا في لحظة ما أكثر صراحة من نواب حزب العمال في انتقاد حماقة الحكومة.

بدأت أصوات اليسار ترتفع أكثر فأكثر منذ الأسبوع الماضي، المليء بإجراءات استثنائية وتغيير يصعب تصوره. وجاءت الانتقادات من قادة حزب العمال السابقين والحاليين والمحتملين. وحددت مراكز البحوث التقدمية مدى الحاجة إلى مزيد من التدخلات الحكومية، موضحةً أن الناس لن يلتزموا إجراءات كالعزل الذاتي ما لم يكونوا قادرين على تحمل تبعاتها. ودُعيت الحكومة إلى تسريع وتيرة حركتها البطيئة بشكل خطير، وتعزيز عمليات تواصلها مع الجمهور والتي تبدو مفكّكة ومتناقضة. وفي محاولة للتستر على مستوى استثنائي، على طريقة جونسون، نشر مكتب رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت معلومات أساسية حول العزل الذاتي للمسنين، عن طريق صحافي مفضل لديها بثّ المعلومات نقلاً عن مصدر لم يكشف عنه، وذلك بدلاً من أن يعلن رئيس الوزراء في بيان رسمي هذه الأخبار التي من شأنها أن تحدث قلقاً وضيقاً لدى كثيرين، لا سيما من أصحاب العلاقة. كما سمحت رئاسة الحكومة على نحو يفتقر إلى الإحساس، بتداول تقارير حظر التجول في لندن قبل أن تتفضل بنفي صحتها. فلا عجب إذن أن يتدافع الجمهور للشراء بسبب حالة الذعر التي يعيشها، وأن يبقى مشوشاً ويرتاد الحانات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحلول ذلك الوقت، كانت الانتقادات قد بدأت تأتي من كل حدب وصوب، بينما كان جونسون لا يزال كمن يعبث على سطح سفينة تغرق، مشغولاً بتوجيه دعوات فاترة للناس للبقاء في منازلهم، بدلاً من أن يتبّع سياسة فرض القواعد وتوفير ضمانات مالية لنجاحها. بعد ذلك، شهد يوم الجمعة الماضي تغييراً جدياً يستحق الترحيب، اشتمل على شكل حزمة اقتصادية غير محددة مرفقة بتعليمات للحانات والمطاعم وصالات الألعاب الرياضية للإغلاق.

غير أن المشكلة في "عدم تسييس الأمور" هي أن ذلك يحرمنا من الأدوات التي قد تفسر سبب تحرك الحكومة ببطء شديد وأيضاً من القدرة على مساعدتها لوضع سياسات صحيحة. نحن بحاجة لأن نكون قادرين على القول أن الحكومة، الملتزمة بفكرة عدم التدخل في إدارة شؤون الناس، قد تجد صعوبة في توفير المستوى المطلوب من تدخل الدولة لمعالجة أزمة كبيرة. ونحتاج إلى تحليل الأسباب التي تحمل الحكومة تفضل الاقتناع بالرأي القائل بأن أصحاب العقارات والشركات سيفعلون الشيء الصحيح ولن ينهوا خدمات أحد أو يأمروه بإخلاء مسكنه، وذلك إذا طُلب منهم بلطف ألا يفعلوا ذلك. كما نحتاج إلى التدقيق في الافتراض القائل أن السوق ستنتج ما هو مطلوب، إذا قيل لها أن تفعل ذلك، في وقت بلغ الطلب على الإمدادات الصحية حداً يكاد معه أصحاب العلاقة يستغيثون كي تصدر الحكومة تعليمات تضمن توريد هذه الإمدادات في ضوء سياسة صناعية متماسكة. ونحتاج أيضاً للضغط باستمرار على رئيس وزراء يتخيل أن الناس في هذا الوقت سيقللون بشكل سحري من انتهاج سلوك ضار على نحو خطير إذا نبّهتهم قليلاً.

إن الحكومة لا تعرف كيف تبدأ بالتدخل على هذا المستوى، لأنه غير مسبوق ولم نضطر إليه في ما مضى. لكنها تفتقر أيضاً إلى المعرفة الفنية، لأن اليمين لم يمض سنوات في التفكير في تدخل الدولة واستكشاف النماذج والمخططات والأدوات الحكومية وآليات التنفيذ لهذا التدخل. ليس من الشماتة أن نشير إلى أن من كانوا يفكرون في هذه الأمور على نطاق واسع هم أعضاء الجناح اليساري في حزب العمال والحركة العمالية الأوسع. فبغض النظر عن رأينا في جيريمي كوربين، ولدي حتماً مآخذ عليه، شجعت فترة ولايته كزعيم لحزب العمال على ازدهار أفكار في هذا المجال تحديداً.

وبعبارة أخرى، فإن دعم الجهد الجماعي يعني أن هناك دوراً حاسماً للمعارضة داخل البرلمان وخارجه، وهو التحقق من سلامة افتراضات السياسة العامة والضغط من أجل اتخاذ إجراءات أكثر جرأة.

تستحق إعلانات يوم الأحد الماضي الثناء، لكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لمساعدة أصحاب المهن الحرة، وأصحاب العمل غير الثابت وذوي الدخل المنخفض والمستأجرين، ولزيادة مستحقات العامل المالية خلال الإجازات المرضية والإعانات الاجتماعية. يجب أن تستمد الحركات اليسارية الثقة من أمثلة البلدان الأخرى التي تشهد تدخلات اقتصادية استثنائية. وبإمكانهم إشراك خبراء الصحة الذين يحثون بريطانيا للتحرك بسرعة، وإسماع أصوات أولئك الذين يشعرون سلفاً بالآثار المالية السلبية للأزمة. وبطبيعة الحال، سيظل هناك من سيطالب بالتخفيف من حدة الانتقادات. لكن الضغط من الخصوم السياسيين والقواعد الشعبية هو ما يبقي جميع الحكومات تعمل بشكل صحي. هذا هو ما تتطلبه بشكل غير مسبوق المصلحة الوطنية.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء