Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يريدونها مليونية... المحتجون الجزائريون على موعد مع "جمعة الحسم"

رئيس الوزراء الجزائري يحذّر المتظاهرين من مصير لحركتهم يشبه مصير "الثورة السورية"

وقفة احتجاجية لصحافيين في "ساحة الحرية" في العاصمة الجزائرية (اندبندنت عربية)

يستعد الجزائريون للخروج في مسيرات شعبية حاشدة يوم الجمعة 1 مارس (آذار) يُروَّج لها على أنها ستكون "مليونية"، للمطالبة برحيل النظام وتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجود في سويسرا للعلاج.

ويسود الحديث عن "مسيرة الجمعة" شوارع المدن الجزائرية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق البعض عليها اسم "جمعة الحسم"، إذ تأتي قبل 48 ساعة من اغلاق المجلس الدستوري باب إيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية المتوقع اجراؤها في 18 أبريل (نيسان) المقبل، وفق القانون الخاص بالعملية الانتخابية.
ويحبس الجزائريون أنفاسهم في ظل استمرار رجالات السلطة في التمسك بترشح الرئيس لولاية خامسة، وقولهم إنه سيتوجه إلى مقر المجلس الدستوري لإيداع ملف ترشحه رسمياً، الأمر الذي اعتبره البعض تحدياً للشارع الرافض لسياسة الأمر الواقع.
 
"السيناريو السوري"
 
في خضم تسارع الأحداث، أدلى رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى بتصريح من تحت قبة البرلمان، فجّر جدلاً واسعاً، بعدما عرض مقاربةً بين الأحداث التي تعيشها الجزائر والثورة السورية "التي بدأت بالورود وانتهت بالدماء"، في إشارة منه إلى الصور المتداولة لمحتجين يقدمون ورودًا بيضاً وحمراً إلى رجال الأمن دليلاً على سلميّتهم.
وقال أويحيى "إذا كانت المسيرات السلمية حق يكفله الدستور للمواطن فإننا متخوفون من المناورات والمؤامرات بخاصة أن بعض هذه النداءات المجهولة تدعو إلى إضراب عام (عصيان مدني)، وهذا ما يذكرنا بالإضراب السياسي في بداية تسعينيات القرن الماضي"، وهي الفترة التي شهدت فيها الجزائر عشرية سوداء وأحداثاً دموية.
وظلّ رئيس الوزراء متمسكاً بأحقية بوتفليقة (82 سنة) في الترشح على الرغم من متاعبه الصحية، واصفاً الحراك الشعبي ضده بـ "الحقود". ويزور بوتفليقة منذ مساء الأحد الماضي، مدينة جنيف السويسرية، لإجراء فحوص طبية دورية، دأب عليها منذ إصابته بجلطة في ربيع العام 2013.
 

 

هوشة في البرلمان
 
وأثارت تصريحات أويحيى حفيظة نواب المعارضة الذين ثاروا بوجهه، وردّد أعضاء كتلة حزب "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" الذي أعلن مقاطعته انتخابات الرئاسة، شعارات "الجزائر ليست سوريا ... لا للعهدة الخامسة ... الشعب يريد إسقاط النظام"، ما أحدث زوبعة داخل جدران مجلس النواب.
وانتقد نواب المعارضة أيضاً، استغلال الحكومة لمنبر البرلمان بغية عرض حصيلة 20 سنة من فترة حكم بوتفليقة (1999-2018) وعدم التقيّد ببيان السياسة العامة السنوي. وشكّك نواب في الأرقام المقدمة معتبرين أنها "خالية من الصدقية".
 
الصحافة تنتفض
 
في موازاة ذلك، حرّكت التظاهرات الشعبية السلمية التي شهدتها مدن الجزائر المشهد السياسي والإعلامي وخلقت ديناميكية، عجزت عنها النخبة والأحزاب الأساسية وحتى وسائل الاعلام، بحسب مراقبين.
ومع توسّع التظاهرات، نظّم عشرات الصحافيين من القطاعين العام والخاص وقفة احتجاجية في "ساحة الحرية" بالعاصمة الجزائرية رافعين شعارات "صحافة، حرة، ديموقراطية"، و"مظاهرة سلمية سلمية" و"سلطة رابعة".
واعتُقل عدد من الصحافيين خلال الوقفة الاحتجاجية وتم تفريق الآخرين على يد شرطة حفظ النظام، ليُطلَق سراحهم لاحقاً، وسط تنديدات باعتقال المتظاهرين السلميين.
وطالب صحافيون السلطات "بـتحرير الصحافة من القيود السياسية وتغول المال الفاسد، وتحسين الظروف المعيشية والمهنية للصحافيين، ووقف آلة القمع التي تطال الأصوات المعارضة".
 
كما نظّم عشرات من صحافيي التلفزيون الحكومي وقفةً احتجاجية داخل مبنى مؤسستهم في العاصمة، تنديداً بـ"التعتيم الإعلامي، الذي شمل تغطية المسيرات الاحتجاجية ضد ترشح بوتفليقة من قبل التلفزيون الرسمي"، مطالبين بـ"ممارسة إعلامية حرة وحيادية واحترافية". واستنكر المحتجون إحالة زميلهم الصحافي في قسم الإنتاج سيد علي حدادو، إلى عطلة إجبارية مدتها ثلاثة أشهر بسبب نشر تدوينات معارِضة للولاية الرئاسية الخامسة على صفحته في "فيسبوك". وجاء في بيان للصحافيين العاملين في التلفزيون الرسمي أن "الحراك الشعبي الذي تشهده بلادنا منذ يوم الجمعة 22 فبراير (شباط) الحالي، وما تبعه من تطورات ميدانية متسارعة، يضع المؤسسة العامة للتلفزيون في قلب الرهان الشعبي على تحملها مسؤولية نقل هذه التطورات مهما كانت طبيعتها". وتفاعلت منظمة "صحافيون بلا حدود" مع التضييق على الإعلام الجزائري مشيرةً إلى أن "السلطات الجزائرية تقوم بكل ما في وسعها لإسكات وسائل الإعلام التي تريد تغطية حركة الاحتجاج". ونددت "بتوقيفات واعتداءات طاولت صحافيين، ومنع تغطيات ومصادرة معدات وضغوط على وسائل الإعلام الرسمية وبطء في شبكة الإنترنت".في المقابل، حذرت أحزاب معارضة المتظاهرين من التخلي عن الطابع السلمي لمسيرة يوم الجمعة، بخاصة في ظل إصرار أنصار بوتفليقة على ترشيحه وعدم تقبلهم الحراك الشعبي الرافض للولاية الخامسة. ووجّهت 13 شخصية جزائرية نداءً إلى المحتجين عشية المسيرة، ناشدوهم فيه "التمسك بالطابع السلمي للحراك وعدم الاستجابة لأي استفزاز أو ضغط"، محذرين من "مناورات سلطة شرعية الأمر الواقع القائمة على منطق التغيير في إطار الاستمرارية وأسلوب المناورة والتحايل من أجل البقاء في السلطة وتخويل نفسها حق المنح التدريجي للحقوق والحريات". وحيّا الموقعون على البيان الذي ضمّ أسماء وزراء سابقين وأساتذة جامعين ومحاربين قدامى "الانتفاضة الشعبية السلمية التي شهدتها أغلبية المدن في عموم الوطن يوم الجمعة 22 فبراير 2019 مناديةً بوقف نهج الاستخفاف وإهانة الشعب الجزائري ورجاله عبر التاريخ من خلال مسعى ترشيح السيد عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي". وقال أحمد بن بيتور، الذي كان أول رئيس حكومة في ولاية بوتفليقة الأولى (1999-2004) قبل أن يستقيل، إن "على كل الجزائريين الاستماع إلى نداءات المتظاهرين والتجاوب معهم بالمشاركة القوية في 1 مارس، ولنجعل من هذا اليوم معلماً تاريخياً في مسيرة البلاد نحو الرفاهية والازدهار". وأضاف في فيديو موجه للجزائريين "الطلبَ مُلِحّ لتغيير النظام بكامله وليس الاكتفاء بتغيير الأشخاص". ودعت 13 نقابة مستقلة السلطةَ الجزائرية إلى "ضرورة احترام الإرادة الشعبية" وندّدت "بالتعديات والاعتقالات التي طاولت طلاباً وصحافيين وناشطين سياسيين وحقوقيين".

فرنسا تدخل على الخط 
وفي أول تعليق أوروبي، عبّرت فرنسا عن قلقها من تسارع الأحداث في الجزائر. وذكر مصدر مسؤول في قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "يتابع عن كثب مجريات الوضع بعد مسيرات الجمعة 22 فبراير". وتحدث المصدر عن استدعاء الرئيس الفرنسي سفير بلاده في الجزائر يوم الأربعاء 27 فبراير للتشاور، ليعود إلى الجزائر في اليوم ذاته. ويرى مراقبون أن " كل ما يحدث في الجزائر يهم فرنسا بسبب عوامل تاريخية عدة وعلاقات إنسانية بحكم الوجود الكبير للجزائريين في فرنسا وأيضاً لأن الجزائر حليف مهم في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، والقرب الجغرافي يعني أن أي تدهور للوضع في الجزائر سيكون له تبعات على فرنسا". وكانت فرنسا دعت إلى "الشفافية الكاملة" في ما يتعلق بالانتخابات الجزائرية المنتظرة في أبريل المقبل، وعبرت عن أملها في إجراء الانتخابات "في أفضل ظروف ممكنة". وعلّق رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، المنافس الشرس لبوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، على موقف الحكومة الفرنسية، بالقول إن "الجزائريين يعرفون كيف يحلون مشاكلهم بأنفسهم، والجزائر دولة حرة ومستقلة وقادرة على تجاوز مشاكلها، ولا نرغب في التدخل بشؤوننا الداخلية".
وأعلن بن فليس أن حزبه "طلائع الحريات" سيعلن يوم الأحد موقفه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بعدما رفضت السلطات منحه رخصة عقد دورة للجنته المركزية في 28 فبراير في "تعاضدية البناء" في منطقة زرالدة، غرب العاصمة. واعتبر بن فليس ذلك تضييقاً يمارسه النظام الجزائري على نشاط الأحزاب المعارِضة. وأبدى رئيس الحكومة السابق معارضةً شرسة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، قائلاً إنها “مصيبة بالنسبة للشعب الجزائري"، داعياً مَن سمّاهم "القوى غير الدستورية" إلى التراجع عنها. ويرى مراقبون أن مسيرة اليوم الجمعة ستكون حاسمة في الحراك الشعبي سواء بالاستجابة إلى مطالب المحتجين والتأسيس لعهد جديد أم بالتصعيد في اتجاه إضراب عام قد يشلّّ البلاد.

المزيد من العالم العربي