Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رفات أميرة أنغلو-ساكسونية قد تكون أقدم قريبة لملكة بريطانيا

يُعتقد أن إنزويث ابنة الملك إيدبالد، أسست الدير الأول للراهبات في إنجلترا قبل أن يُنهي الطاعون حياتها مبكراً

الدكتورة إيلي ويليامز توثق عظام رفات الأميرة (عن متحف فولكستون) 

في إحدى كنائس مقاطعة "كنت" جنوب شرقي لندن، تعرفت مجموعة من العلماء إلى بقايا جثة أميرة أنغلوسكسونية كانت واحدة من بين القديسين المسيحيين الأولين في إنجلترا.

يشير بعض الأدلة التاريخية إلى أن تلك الأميرة ربما تكون القريبة الأقدم التي عُثر على بقايا منها حتى الآن للملكة إليزابيث الثانية.

كانت الأميرة، التي تعود إلى منتصف القرن السابع الميلادي، ابنة الملك إيدبالد (تعني حرفياً "الرجل الموسر")، حاكم مملكة "كنت" الأنغلوسكسونية آنذاك، الذي اعتلى عرش تلك الدولة الصغرى بين العامين 616 (أو 618) و640.

وإذ بقيت أجزاء من سلالة "كينتش" الملكية غامضة، يشير بعض التفسيرات المتعلقة بأنسبائهم إلى أن إيدبالد كان الجد الأربعين للملكة الحالية.

ابنته إنزويث، التي عُثر على أجزاء من هيكلها العظمي منذ أيام قليلة، كانت مسيحية مؤمنة وملتزمة، قيل إنها رفضت الزواج بملك شمال شرقي إنجلترا الوثني؛ وارتأت بدلاً عن ذلك أن تغدو راهبة.

على الرغم من أنها كانت مجرد فتاة في عمر المراهقة آنذاك، يُعتقد أنها أسست وكانت رئيسة ما كان ربما الدير الأول للراهبات في إنجلترا، ويُحتمل أن ذلك جاء بناءً على طلب شقيقها، أورسينبيرت، الذي خلف إدبالد على عرش المملكة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت إنزويث حفيدة بيرتا، ملكة "كنت" التي اعتنقت المسيحية، وكانت الشخص الرئيس، إلى جانب القديس أوغسطين، الذي أسهم في بدء تحول إنجلترا من الوثنية الأنغلوسكسونية إلى الديانة المسيحية.

لكن حياة إنزويث لم تدم طويلاً، على الأرجح نتيجة إصابتها بوباء "الطاعون الدبْلي"، وتوفيت في أواخر سن المراهقة، أو في مقتبل العشرينات من عمرها.

كانت تلك الأميرة وما زالت شفيعة مدينة فولكستون البريطانية، ويستعين "فايندينغ إنزويث" مشروع تاريخي محلي استلهم اسمه من الأميرة، بكل ما تشتمل عليه العلوم الحديثة في سبيل كشف الستار عن أسرار حياة إنزويث الضائعة، منذ زمن طويل.

على سبيل المثال، تشير دراسة شاملة لأسنان متبقية تعود إلى الأميرة إلى أنها تغذت على أطعمة معالجة نوعاً ما. خلال سنين حياتها، يبدو أنها احتفظت بأسنانها الأصلية، من دون أن يصيبها تقريباً أي تآكل أو تلف قبل الوفاة.

على النحو نفسه، تبين بعد الدراسة أن عظامها أيضاً لا تحمل سوى إصابات ضئيلة، ما عدا احتمال وجود كسر في قدم واحدة نتيجة التعرض لإجهاد، وعظمتين متضررتين في الأصابع.

حاضراً، يأمل مشروع "فايندينغ إنزويث" (البحث عن إنزويث)، الذي يدعمه "متحف فولكستون"، في تحليل الحمض النووي للأميرة من جهة والحمض النووي لأي مُسببات أمراض موجودة في عظامها من جهة أخرى، ذلك من أجل معرفة مزيد من الأمور عن نسبها الملكي، والكشف عما إذا كانت فعلاً توفيت نتيجة إصابتها بالطاعون.

علاوة على ذلك، ستخضع بقايا العظام لما يُسمى "تحليل النظائر" الذي ربما يكشف عن مكان نشأة الأميرة وتفاصيل إضافية بشأن النظام الغذائي الذي اتبعته. واللافت أنه على الرغم من أن حياتها الدنيا انتهت مبكراً على نحو مأساوي، كانت حياتها الآخرة أكثر دراماتيكية أيضاً.

بعد وفاتها، بحسب ما يرد في روايات العصور الوسطى، دُفنت الأميرة في المصلى الخاص بها، الذي يطل على البحر فوق مدينة فولكستون. ولكن فيما قلص تآكل السواحل المنحدرات، أدركت مع مرور الوقت رئيسات الدير اللواتي خلفنها أن المبنى سينتهي به المطاف إلى البحر.

منعاً لذلك، نُقلت بقايا الأميرة، في فترة غير معروفة من القرن الثامن، من الكنيسة المنكوبة تلك ووُضعت في ضريح بُني خصيصاً لها في الكنيسة الرئيسة لدير الراهبات. وفي حلول أواخر القرن الحادي عشر، أصبح دير الراهبات ديراً للرهبان.

ولكن، بعد الغزو النورماندي لإنجلترا، شُيد قصر حول الدير، لذا طلب الرهبان، في القرن الثاني عشر، السماح لهم بالانتقال إلى موقع جديد بعيداً من الطابع المدني للمكان.

من ثم، أُخرجت عظام إنزويث مرة أخرى، ونُقلت في عام 1138 إلى كنيسة جديدة تبعد بضع مئات أمتار من الدير، التي ما زالت نسخة منها شيُدت لاحقاً قائمة إلى الآن، وهي كنيسة أبرشية فولكستون. هناك، أصبحت الأميرة محوراً لطائفة كنيسة محلية، وكان يُعتقد أنها قادرة على المساعدة في الشفاء من الأمراض. وصار يُحتفى بها رسمياً في 12 سبتمبر (أيلول).

لكن، بعدما طويت صفحة العصور الوسطى، اتخذت قصة إنزويث منعطفاً آخر لم يكن متوقعاً.

عندما انشق الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وأنشأ كنيسة إنجلترا الرسمية، أخذ موقف السلطة المناهض لتكريم القديسين يشتد باطراد. وفي عام 1535، بدا أن رئيس كنيسة فولكستون أدرك أنه ما لم يتخذ إجراءً صارماً، سوف يصادر المسؤولون الحكوميون عظام إنزويث ويتلفونها. لذا أقحم (أو بعض رهبانه) على عجلة الصندوق المصنوع من الرصاص الذي يحوي عظام القديسة في حفرة سرية في جدار الكنيسة، وأبقى عليها مغلقةً.

بعد ذلك، عرض الراهب، أو أحد كبار أعضاء الكنيسة، على المسؤولين ما يُحتمل أنه صندوق مرصع بالذهب أو الجواهر، ومن شبه المؤكد أنه كان يحتوي على أجزاء قليلة جداً من جمجمة القديسة.

في وقت لاحق، استولت الحكومة على ذلك الصندوق بمحتوياته غير المكتملة، ثم استحوذ عليه فرد من أسرة هنري الثامن يُدعى أنتوني أوشر، وهو سياسي ورجل أعمال من فولكستون، ولا ريب أنه استفاد منه إلى حد كبير عن طريق بيع أي جواهر كانت تزين صندوق الذخائر المقدسة.

في تلك الأثناء، بقي رفات إنزويث سليماً وآمناً في مخبأها المظلم داخل الجدار الشمالي للكنيسة، مجاوراً المذبح مباشرة.

شيئاً فشيئاً، طوى النسيان مكان مخبأها، إلى أن عثر عمال كانوا يشتغلون على تحديث الكنيسة على بقايا الأميرة مصادفة، في عام 1885. آنذاك، خرجت على الفور تكهنات باحتمال أن تكون تلك العظام للقديسة إنزويث، وتحدثت الصحف حول العالم عن ذلك الاكتشاف.

بيد أنه في القرن التاسع عشر، لم تكن تتوافر بعد الطريقة المناسبة التي تؤكد هوية الأميرة.

هكذا، طوال 132 عاماً، كانت العظام مخبأة بعيداً في مكان إلى جانب جدار شُيد خصيصاً لها، وشرعت تتلاشى من الذاكرة مرة أخرى، إلى أن قررت مجموعة من المؤرخين وعلماء الآثار المحليين السعي إلى حل اللغز، قبل ثلاث سنوات فقط.

حاولوا التوصل إلى الحقيقة عبر الطلب من مجموعة علماء دراسة العظام المُكتشفة بغية معرفة عمر ذلك الشخص الذي توفي منذ زمن طويل وجنسه، فضلاً عن إجراء اختبارات تحديد التاريخ باستخدام الكربون المشع من أجل التأكد مما إذا كانت العظام ترجع فعلاً إلى القرن السابع.

عملياً، أثبتت الإجابات أن الهيكل العظمي المجزأ كان في الواقع للقديسة إنزويث. علاوة على ذلك، نجح العلماء في أن يؤكدوا، على وجه اليقين، أن الهيكل يرجع إلى أنثى.

وفقاً لما يرد في كتابات العصور الوسطى، توفيت القديسة في سن صغيرة. وليس بعيداً من ذلك، أظهرت الفحوص العلمية التي أُجريت على العظام والأسنان أن عمر الشخص موضوع الدراسة كان يتراوح بين 17 و21 عاماً عند الوفاة.

في المرحلة التالية، كشفت اختبارات الكربون المشع أن الأميرة فارقت الحياة في منتصف القرن السابع، وهي فعلاً الفترة التي انتهت فيها حياة إنزويث.

فضلاً عن ذلك، بعد دراسة الأسنان الموجودة بين البقايا، لم يتبين أن طبقة المينا تعرضت لأي خدوش قبل الوفاة، وهي حقيقة تشير إلى أن إنزويث لم تكن تأكل إلى حد ما الأطعمة القاسية.

الحال أنه طوال العصور الوسطى، ارتبط بالأميرة الراحلة عدد كبير من الروايات. وأُسند إليها الفضل في حدوث خمس معجزات على الأقل، وأطلق عليها أهالي فولكستون صفات التبجيل والقداسة.

على سبيل المثال، كان يُعتقد أنها جعلت المياه تجري صعوداً (وهي قصة نشأت على الأرجح من أجل إيجاد تفسير لخداع بصري بدت من خلاله قناة مياه محلية كأنها توجه المياه إلى أعلى منحدر). كذلك كان لها الفضل، كما تزعم الروايات، في إحياء إوزة ميتة كانت سُرقت وأكلت.

قيل أيضاً إن إنزويث مدت بأعجوبة عوارض خشبية بغية بناء كنيسة بعدما توجهت بطلب المساعدة من السيد المسيح، في وقت أخفق ملك وثني وإلهه في تلك المهمة.

وبعدما فارقت الحياة، تناقل الناس أقاويل عن أن روحها شفت رجلاً يعاني من الجذام أو أمراض جلدية أخرى.

لكن، بخلاف تلك الأساطير، ما الأهمية الحقيقية التي اكتسبتها القديسة إنزويث؟

ترمز إنزويث، في إحدى النواحي من حياتها، إلى الإسهام الضخم الذي قدمته النساء ذوات المكانة المرموقة في التاريخ الإنجليزي المبكر. صحيح أنه قبل ظهور المسيحية، من غير المعروف ما إذا كانت المرأة الأنغلوسكسونية أدت أي دور سياسي رئيس. بيد أن وصول هذه الديانة حقق ذلك لا ريب. والنافل أن الأميرات آنذاك أدين دوراً جوهرياً في تحول إنجلترا من الوثنية إلى الديانة الجديدة. هكذا، عندما تزوجت الأميرات الأنغلوسكسونيات وغيرهن ممن يعتنقن المسيحية بملوك أنغلوسكسونيين وثنيين، سمح وجودهن للمسيحية غالباً في أن تسيطر وتزدهر.

الأبعد من ذلك، أن بنات الملوك اللواتي لم يرتبطن بملوك وأمراء أنشأهن آباؤهن أو إخوانهن من العائلة المالكة كرئيسات، راهبات، لمؤسسة من نوع جديد، بدأت بدورها، إلى جانب الأديرة، في ممارسة نفوذ اجتماعي وثقافي كبير. هكذا، غدا كثير من رئيسات الأديرة الجديدة (على غرار إنزويث) قديسات ذات شهرة واسعة، وحظين بقدر من التبجيل طوال قرون عدة.

رحلت القديسة إنزويث منذ قرابة ألف و360 عاماً، غير أن حياتها وعصرها اللذين أعيد اكتشافها حديثاً يوشكا على جذب جمهور جديد.

الدكتور أندرو ريتشاردسون، كبير علماء الآثار المشاركين في المشروع، تحدث عن الاكتشاف فقال إن "تحديدنا أن الهيكل العظمي يرجع إلى سانت إنزويث ما زال مفتوحاً على إمكانية استخدام الحمض النووي بغية التحقق من نسبها إلى السلالتين الحاكمتين "كينتش" و"فرانكش".

كذلك، تطرقت إلى الاكتشاف الدكتورة ليزلي هاردي التي ترأس مشروع "فايندنغ إيزونث"، وهي مؤرخة في جامعة "كانتربري كرايست تشيرش" في مقاطعة "كنت"، وقالت إن "سانت إنزويث كانت بطلة محلية وعنت الكثير لشعبها. في العصور الوسطى، نظروا إليها قديسةً تحميهم من الأمراض والمعاناة. لذا، لا شك في أن القيام ببحوث تتعلق بها اليوم، سيجعل أهالي فولكستون أقرب إلى ذلك التاريخ البعيد".

(يحصل المشروع على التمويل من "صندوق يانصيب التراث الوطني).

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات