Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر... النموذج المعطوب!

خاض جيش جبهة تحرير الجزائر حربا أهلية فيما عُرف بالعشرية السوداء 1988/ 1998م التي غمرها الإرهاب، وضرب بيد من حديد، فسيطر على البلاد

حقق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شبه إجماع لحظة انتخابه عام 1999 (أ.ف.ب)

1-

عقب ثورة فرنسا، ثورة الإخاء والمساواة والحرية، بسنوات، احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، ماركس اعتبر ذلك تمدينا للجزائر، وبعدها بأكثر من قرن "كامو" المفكر الفرنسي الجزائري المولد والحائز على جائزة نوبل أكد أن الجزائر فرنسية. ما بين 1830 و1962 منحت الجزائر استقلالها: "مدّنت فرنسا الجزائر الفرنسية"، بدليل أنها حولت صحراءها لتجارب نووية، وأن الجزائر عُرفت ببلاد المليون شهيد!؛ مفكر الثورة الجزائرية "فرانز فانون"، من اعتبره إدوارد سعيد" فيلسوف التحرير، رأى أن الاستعمار الفرنسي حوّل الشعب الجزائري إلى مرضى نفسيين أو كما قال... والثورة الجزائرية، التي ليس كمثلها شيء، باتت النموذج لثورات التحرير الأشهر، فيتنام وكوبا، وخلالها كانت نبراسا لما دعي حينها بالعالم الثالث، أما "معركة الجزائر" فهي السيناريو الأمثل للتحرر والصراط المستقيم للهوية.

جبهة تحرير الجزائر قائدة الثورة 1954/1969م استلمت السلطة في البلاد من فرنسا المُستعمِرة منذ لحظة الاستقلال، جيش الجبهة عام 1965م قاد انقلابا عسكريا على رئيس الدولة أحمد بن بيلا، وأمسى القائد العسكري هواري بومدين الرئيس حتى وفاته ديسمبر 1978م. وخلال العقد الذي تلا وفاة هواري بومدين خرج الجناح الديني في الجبهة عن الجبهة، وهذا الانقسام في أكتوبر 1988م ظهر كما ثورة دينية ضد تيار السلطة في الجبهة الذي يقوده الجيش، ما أعلن الحرب الأهلية على (الجبهة الإسلامية للإنقاذ/ الفيس) التي فازت بالانتخابات التي عُقدت لأول مرة في البلاد بنزاهة.

جيش جبهة تحرير الجزائر خاض حربا أهلية فيما عُرف بالعشرية السوداء 1988/ 1998م التي غمرها الإرهاب، الجيش في حربه ضد الجماعات الدينية المُتطرفة ضرب بيد من حديد، فسيطر على البلاد وتمكن من المحافظة على وحدته ووحدة البلاد، لكن أثناء ذلك لم تتمكن جبهة التحرير "حزب الجيش" من التماسك، فتغيّر رؤساء البلاد حتى اغتيل أحدهم مباشرة على شاشة التلفزيون الوطني. الجيش عند تفاقم أوضاع البلاد ثم تدهور حاله جاء بوزير خارجية هواري بومدين، الفتى النجم، رئيس اتحاد طلبة الجزائر فترة معركة الجزائر، "عبد العزيز بوتفليقة"، من حقّق في 1999م شبه إجماع لحظة انتخابه، جلبه دعم محقق ممن يقود فعلا البلاد منذ 1965م.

2-

إذا حاكم الجزائر الفعلي جيش جبهة تحرير الجزائر، ما قادت الشكل المدني للدولة وقدمت الساسة، منذ لحظة الاستقلال، ما أعيد صياغته في لحظة استثنائية تمثلت في انقلاب عسكر الجبهة على مدنيها. هذا الحاصل منذ سنة الاستقلال 1962م حتى 1988م الذي منذ هذه اللحظة وحتى 1998م (العشرية السوداء)، صار رجل الجبهة عبد العزيز بوتفليقة "الجوكر" الذي يحافظ على التوازن في الجيش، ومن ثم في الجبهة، ثم ما بينهما. 

لقد نجح بوتفليقة أن يكون اليد الباطشة بمن وما يخل بهذا التوازن المعطوب، كما نجح بومدين في تقديم النموذج المعطوب لثورة الجزائر، وما أنجح وقوّى بوتفليقة النجاح المعطوب للجيش في حربه ضد الإرهاب!، هذا ما حدث في العقد الذي تلا انتخاب بوتفليقة 1999م، وما أخلى به الربيع العربي 2011م الذي غبه مرض بوتفليقة وفقد زمام السيطرة نتيجة ذلك.

عقب الاستقلال كانت جبهة التحرير الوريث الشرعي لتمدين فرنسا للجزائر، لكن بوتفليقة الذي فاجأه المرض لم يتمكن من أن يجعل أخاه سعيد "راؤول كاسترو" الجزائر، قيل إن فشل عبد العزيز في قصة حب مع النجمة الأميركية (جين سيبرغ) أسهم في عدم زواجه، ولعل هذا مما أسهم في نجاح سعيد بوتفليقة لأن يكون الوريث بالقوى القاهرة، وأن يستخدم أخاه "الحي الميت" للمحافظة على التوازن الهش للدولة الجزائرية، التي وظفت العشرية السوداء كغول لمواجهة الربيع العربي، ما اجتاح الشمال الأفريقي ودول الجوار منه على الخصوص، والأخص ما يحدث في ليبيا التي استخدمت نسبيا تونس كمجال لتصدير الأزمة، فمنذ مرض الرئيس عام 2013م وحتى الساعة كان الربيع العربي عكاز السلطة الحاكمة، ومنها على الخصوص "سعيد" الذي يهش شعب الجزائر بذي العكاز، وبأن رئيسا ميتا إكلينكيا "خير" ليحمي البلاد من العود إلى بدء  العشرية السوداء، حيث أن نار استعادتها يوفرها الربيع العربي.

3-

جبهة التحرير وجيشها ما يلبس قناع الرجل المريض وما لا يُرى أي أفق غيره وما يبشر بالماضي كمستقبل ممكن للجزائر، وعند هذه القوى التي تهيمن على السلطة في الجزائر عقب الاستقلال أن التغيير يمثل الخطر على الجزائر المستقلة التي أنشأها وحافظ عليها.

لكن المُشكل أن ما يهددون به الجزائريين كخطر بات هو الممكن وأن المحافظة على الاستقلال ما يستدعي التغيير، وما يقول ذلك ويفعله أغلبية الجزائريين الذي ولدوا ما بعد العشرية السوداء، وفطنوا ووعوا الربيع العربي الذي ناره خير من جنة "محلك سر"، وشعارهم "كرامة الميت دفنه وليس انتخابه".    

المزيد من آراء