Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تضبط دول الخليج ميزانياتها على إيقاع تراجع أسعار النفط ؟

محللون: تقليص الإنفاق مع الفوائض المالية يعززان الاستقرار المالي

قارب أمني سعودي يقوم بدورية قرب ناقلة نفط بميناء رأس الخير (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تجري تحركات مكثفة لاحتواء الأزمة التي اندلعت في سوق النفط خلال الأيام الماضية بعد فشل التوصل إلى اتفاق بين "أوبك+" وروسيا بشأن تعميق خفض الإنتاج، وإعلان دول خليجية ضخ المزيد من النفط، تلوح في الأفق ظاهرة تخمة المعروض النفطي التي من المتوقع أن تزيد الضغوط التي تواجهها السوق في الوقت الحالي.

وبخلاف ضخ كميات كبيرة من النفط الخليجي، يبدو أن هناك سلاحاً آخر ستستخدمه بعض الحكومات لمواجهة الانخفاض الحاد في الأسعار، حيث قالت مصادر مطلعة، إن دولاً خليجية طلبت من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20 في المئة في خطوات تقشف جديدة لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

ويوم الاثنين الماضي، شهدت أسعار الخام الأميركي انهياراً كبيراً بعد خسائر تجاوزت نحو 24.6 في المئة عند تسوية التداولات، ليكون الأداء اليومي الأسوأ منذ حرب الخليج عام 1991 بعد أن وصلت خسائرها أكثر من 30 في المئة في التعاملات الآسيوية المبكرة، كما تراجع سعر العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم شهر مايو (أيار) بنحو 26.24 في المئة إلى 33.39 دولار للبرميل.

وعلى خلفية هذه التراجعات العنيفة بالأسعار، أشارت حسابات وكالة "رويترز"، إلى أن هذا الانخفاض وبناءً على متوسط إنتاج فبراير (شباط) الماضي، أدى إلى خسارة أعضاء "أوبك" أكثر من 500 مليون دولار من العائدات، فيما ذكرت الوكالة أن الخسائر ستكون أكبر بكثير لدى مقارنتها بمستوى 71.75 دولار للبرميل الذي سجله "برنت" في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وبالنسبة إلى الجزء الأكبر من أوبك، يعتبر النفط مصدراً رئيساً لدخل الدول الأعضاء في المنظمة، ومثل هذا الانخفاض الهائل في الأسعار سيشكل ضغطاً على اقتصادات بعضها، والتي تعاني بالفعل مثل إيران وفنزويلا.

لكن أسعار النفط استعادت صعودها بأكثر من 10 في المئة عند تسوية التعاملات، بعد أسوأ أداء يومي للخام منذ عام 1991، وقد تلقى الخام الدعم مع عدم استبعاد روسيا إمكانية المحادثات مع أوبك لدعم استقرار سوق النفط، بالإضافة إلى آمال التحفيز المالي في الولايات المتحدة وأوروبا للتغلب على آثار الفيروس على الاقتصاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقليص الإنفاق 20 في المئة

المصادر التي تحدثت لوكالة "رويترز"، أشارت إلى أن الطلب الخاص بخفض الموازنات الذي أرسلته حكومات في الخليج أُرسل قبل أكثر من أسبوع بسبب المخاوف بشأن تأثير فيروس كورونا على أسواق الخام وقبل انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك وحلفائها يوم الجمعة الماضي.

وأوضحت أنه لدى إرسال الطلبات الخاصة بالميزانية كان المسؤولون يتوقعون مفاوضات صعبة مع روسيا بخصوص الحاجة لتعميق تخفيضات الإنتاج من أجل استقرار الأسواق، ورفضت موسكو الاقتراح لتشتعل حرب أسعار في سوق النفط بين الطرفين وتهوي أسعار الخام.

وقال مصدر إن "سوق النفط كانت منخفضة بالفعل بسبب تأثير فيروس كورونا على الطلب في الصين، وإلى جانب ذلك كانت هناك اتصالات على المستوى السيادي (السعودي) ولم يكن الروس إيجابيين"، فيما قال مصدر آخر "إن عدداً من البلدان في الخليج نفذت بالفعل خفضاً 20 في المئة"، مضيفا أن "التخفيضات لن تؤثر على الأجور، بل على المشروعات التي يمكن تأجيلها والعقود التي لم تتم ترسيتها بعد".

وتعتمد السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، بشكل كبير على إيرادات الخام، في وقت قال صندوق النقد الدولي إن الرياض تحتاج إلى سعر 80 دولاراً للبرميل لضبط ميزانية 2020، التي يبلغ العجز فيها 187 مليار ريال (50 مليار دولار).

ترشيد الإنفاق وتعزيز واردات القطاع غير النفطي

من جانبه، قال أستاذ التخطيط والاستراتيجيات في جامعة أكتوبر المصرية، عادل عباس، لـ"اندبندنت عربية" إن ما يحدث للاقتصاد العالمي في الوقت الحالي وبخاصة تداعيات تأثير انتشار فيروس كورونا، كان يستدعي أن تتحرك الحكومات سريعاً لتفادي حدوث أزمات مالية وعدم القدرة على تمويل الإنفاق العام، خصوصاً أن مواجهة انتشار الفيروس تستلزم تخصيص جزء كبير من الميزانيات للإنفاق على الصحة.

وبخلاف خسائر الاقتصادات جراء كورونا، أصبحت اقتصادات المنتجين للنفط في وضع صعب بعد اندلاع حروب الأسعار وتهاويها بنسب كبيرة خلال الأيام الماضية، ما يدفع إلى حدوث فجوات كبيرة بين الواردات المتوقعة والفعلية، خصوصاً أن بعض الدول المنتجة للنفط وضعت ميزانياتها عند 55 دولاراً للبرميل، ومع تهاوي السعر إلى مستوى 30 أو 35 دولاراً في الوقت الحالي، فإن هذا الفارق يقلص الناتج الإجمالي للمنتجين، ما يستلزم أن تتحرك الحكومات سواء من خلال تعزيز إيراداتها من القطاعات الأخرى بعيداً عن عائد بيع النفط، أو ترشيد الإنفاق العام.

وأوضح أن دول الخليج لديها فوائض مالية ضخمة ستستخدمها بالفعل عند الحاجة لذلك، لكن هذا لا يمنع ضرورة ترشيد الإنفاق العام في الوقت الحالي، والتعامل مع الأسعار الجديدة للنفط، خصوصاً أنه لا يوجد أي بوادر لتحسن أسعار النفط في حالياً.

دور كبير لميزان المعاملات الجارية في أزمة الأسعار

وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" إن السعودية يمكنها التأقلم مع بيئة منخفضة لأسعار النفط لسنوات عدة مقبلة مع قدرات تمويلية مرتفعة يتمتع بها أكبر منتج للنفط في العالم بعد انهيار اتفاق دعم الأسعار بين المنتجين داخل أوبك وخارجها، ما هوى بأسعار النفط وسط مخاوف أخرى تتعلق بهبوط حاد في الطلب في خضم المخاوف المتعلقة بانتشار فيروس كورونا المستجد.

وذكرت في ورقة بحثية صدرت بعنوان "ما هي المدة الزمنية التي تستطيع السعودية التأقلم فيها مع أسعار النفط المنخفضة؟"، أن هبوط أسعار النفط سيؤدي إلى عجوزات مالية في الموازنة، ربما يدفع الدولة المنتجة إلى تغيير سياستها النفطية لرفع الأسعار، لافتة إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية قد يلعب دوراً أكبر من عجز الموازنة في هذا الأمر، ما يعني أن الرياض ستكون لديها قدرة أكبر على الصمود في بيئة أسعار النفط المنخفضة لسنوات عدة.

وسيكون عجز الموازنة المتوقع هنا أكبر من العجز في ميزان المعاملات الجارية (15 في المئة للناتج المحلي الإجمالي مقابل 6 في المئة لعجز المعاملات الجارية)، ويحدث هذا الأمر ببساطة مع وجود فائض لدى القطاع الخاص حتى مع انخفاض أسعار النفط، يعوض العجز لدى القطاع العام.

وترى "كابيتال إيكونوميكس"، أن ميزان المعاملات الجارية يعد مؤشراً أفضل على قياس قدرة دول الخليج ككل على التأقلم مع بيئة منخفضة لأسعار النفط، وذكرت أن ضبط الموازنات أمر مهم للغاية حينما يتعلق الأمر بتقييم اتجاهات السياسات المالية والدين الحكومي، إلا أن عجوزات الموازنة يمكن توفير السيولة اللازمة لتمويلها من خلال استخدام الفوائض المتاحة لدى القطاع الخاص.

وأشارت إلى أن "أوضاع ميزان المعاملات الجارية تظهر وضع الاقتصادات وكونها مقرضة أو مقترضة مع بقية بلدان العالم، والعجوزات ينبغي تمويلها من خلال صافي الاقتراض الخارجي، ويمثل هذا عائقاً كبيراً على التمويل الذي يعتمد على حجم الأصول الأجنبية الاحتياطية لدى البلدان وجدارتها الائتمانية لدى المقرضين الدوليين".

وبالنظر إلى تفاصيل الأمور، فإن السعودية وبقية دول الخليج يمكنها التعايش مع هبوط أسعار النفط لسنوات عِدة في المستقبل على أقل تقدير، حتى إذا هوت الأسعار إلى مستوى 25 دولاراً للبرميل، فإنه من الجائز القول إن الرياض يمكنها تمويل عجز ميزان المعاملات الجارية لنحو عقد من الزمان.

انخفاض تكاليف الإنتاج

وفي سياق متصل استبعد المحلل الاقتصادي محمد العمران في حديثه  لـ"اندبندنت عربية" أن يؤثر انخفاض أسعار النفط في اقتصاديات دول الخليج العربي بوجه العموم والسعودية تحديداً.

وقال، "تتميز الدول الخليجية المصدرة للنفط ومن ضمنها السعودية بانخفاض تكاليف إنتاج النفط مقارنة مع بقية المنتجين حول العالم، وهذه الميزة التنافسية سنعطيها فرصة لزيادة حصصها السوقية مع تحقيق أرباح، بينما بقية المنافسين سيحققون خسائر، وحتماً سيتوقفون عن الإنتاج لعدم جدوى استمرار الإنتاج بخسارة".

من جانب آخر قلصت أوبك، اليوم الأربعاء، توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط هذا العام بسبب تفشي فيروس كورونا، وقالت إن تخفيضات أخرى قد تعقب ذلك.

وتتوقع منظمة البلدان المصدرة للبترول ارتفاع الطلب العالمي 60 ألف برميل يومياً فقط في 2020، بانخفاض 920 ألف برميل يومياً عن توقعها السابق، حسبما ذكرت في تقرير شهري.

وقالت أوبك، "في ضوء أحدث التطورات، فإن كفة المخاطر أرجح من المؤشرات الإيجابية وتنبئ بمزيد من التخفيضات على نمو الطلب النفطي إذا استمر الوضع الحالي".

حرب الأسعار والبورصات

ارتفاع وتيرة حرب الأسعار النفطية أثرت بشكل رئيس على أسواق المال الخليجية، التي تباين أداؤها خلال تداولات اليوم الأربعاء، وقال العمران، "هبوط الأسهم اليوم كان متوقعاً في ظل وجود توقعات بهبوط أسعار النفط العالمية لما دون 30 دولارا للبرميل، وربما أقل خلال الأسابيع المقبلة مع إعلان السعودية زيادة الإنتاج ونيتها زيادة الطاقة الإنتاجية القصوى وإعلان دول منتجة أخرى لزيادة الإنتاج أيضاً مثل الإمارات وروسيا مما يعني زيادة كبيرة في المعروض لزيادة الحصص السوقية مما سيكون به تبعات على أسعار النفط العالمية".

وفي السياق ذاته تراجع مؤشر سوق الأسهم السعودية 2.4 في المئة إلى 6599 نقطة بتداولات 1.23 مليار دولار (4.6 مليار ريال)، وتراجع سهم أرامكو السعودية 4 في المئة  إلى 7.94 دولار ( 29.8 ريال) بتداولات إجمالية على السهم بلغت 127.64 مليون دولار (479 مليون ريال).

كما تراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الأربعاء في كل من سوق أبوظبي 0.64 في المئة إلى 4235 نقطة، ودبي 1.04 في المئة إلى 2207 نقاط، والبحرين 0.27 في المئة إلى 1489 نقطة.

وعلى الجانب الآخر، ارتفعت مؤشرات الأسواق في كل من السوق الأول الكويتي 1.39 في المئة إلى 5246 نقطة، وسوق مسقط 0.9 في المئة إلى 3832 نقطة، وبورصة قطر 2.1 في المئة إلى 8613 نقطة.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد