Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا والصحة المصرية... تراشق بالنكات وبالأرقام

تكهنات وأمنيات وتنبؤات وتنويهات وتشفيات... في مقابل دفاعات خاصة بالدولة والحكومة والمنظمات المتعاملة مع معلومات الفيروس بمصر

وزيرة الصحة المصرية هالة زايد لدى وصولها مطار بكين (الصفحة الرسمية لوزارة الصحة على فيسبوك)

حين يتعدى اللاعب مرحلة الاحتراف في تسديد الأهداف وإحراز النقاط في الألعاب الافتراضية يقولون إنه دخل "مرحلة الوحش". "مرحلة الوحش" تشير إلى أن اللاعب الرابض أمام شاشة هاتفه المحمول أو حاسوبه غير المحمول قد وصل مرحلة شبه المستحيل، ويكاد في حال تجاوزها أن يجعل من المستحيل ممكناً.

"إمكانية خلو مصر من الفيروس مستحيلة. أكيد هناك الآلاف إن لم يكن ملايين الحالات. الحكومة تحجب المعلومات عنا حتى لا يصيبنا الفزع"، تؤكد إحدى الخبيرات. وتتدخل خبيرة ثانية مؤكدة أن كلمة "كارثي" للإشارة إلى الوضع فيها تخفيف من حدة الأزمة وتقليل من ثقل المصيبة. وتبرهن على كلامها بقولها "لي قريب على صلة بزميل له صديق قريب من مجلس الوزراء قالوا له إن الوضع رهيب".

تصريفات الفعل "قال"

"قالوا" و"قالك" و"قالوا له" و"بيقولوا" إلى آخر تصريفات الفعل "قال" تعصف بجموع المصريين المشتبكين على الشبكة العنكوبتية هذه الأيام. كمٌّ رهيب من "الخبراء" وعدد غير مسبوق من المتعمقين في شؤون كورونا، ما قَدُم منه وما استجدّ، يكاد لا يبرح موقعه في غرف النوم والسفرة والجلوس وحتى في مكاتبهم في أوقات العمل الرسمية. جيش جرّار وحشد فتّاك من أعتى الخبراء لا يفكر مرتين قبل التدوين أو يتردد دقيقتين قبل التغريد.

ملايين التغريدات تجوب أرجاء "تويتر" في هذا الوقت من الانتشار الكبير والسريع للفيروس الذي يسبب قلقاً عارماً وحذراً كبيراً وتخوفاً مفهوماً في جميع أرجاء المعمورة. وبين هذه الملايين أعداد كبيرة من التغريدات لا ترتكز على مصدر موثوق أو تعتمد على معلومة مؤكدة، بل قوامها القيل والقال.

ألوان الشعوب

القيل والقال يتلونان بألوان الشعوب ويتشكلان بأشكالها السياسية والثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى الجانب العنكبوتي الحديث نسبياً، حيث طريقة ومنهج استخدام القاعدة العريضة لوسائل التواصل الاجتماعي. وفي مصر يأخذ كورونا ألوان توجهات المصريين سلباً وإيجاباً، فكراً وثقافة، وأيضاً خفة دم ودعابة. لكن الطاغي هذه الآونة هو ذلك الإمعان الشعبي والإغراق الوطني في نشر الخبرة القائمة على مشاعر وأحاسيس مبنية على "قيل وقال وبيقولك".

أمواج "تويتر"

"بيقولك مصر طوّرت لقاحاً يقي من الإصابة بالفيروس"، تغريدة تم الإلقاء بها في أمواج "تويتر" المتلاطمة لتلقى حتفها بين جموع الخبراء القابعين على يمين الأثير، وتواجه نفخاً وتجويداً بين جموع الخبراء الرابضين على يسار الأثير. المتفكهون والساخرون اعتبروا التغريدة نقطة انطلاق للدق على أوتار المكايدة السياسية والمعارضة لكل كبيرة وصغيرة على الأراضي المصرية. أما المعجبون والمزهوون فقد أفرطوا في التعبير عن الإعجاب بالعقلية الفريدة والعلمية النجيبة التي أدت إلى اللقاح. المثير أن "اللقاح" لا وجود له حتى اللحظة إلا على متن التغريدة المشار إليها.

ويشار إلى أن الجانب الأبرز في الحرب المستعرة الدائرة رحاها فيما يختص بالفيروس المستجد لا يتصل بالفيروس نفسه بقدر ما يتصل بتكهنات وأمنيات وتنبؤات وتنويهات وتشفيات ودفاعات خاصة بالدولة والحكومة والوزيرة والمؤسسات والمنظمات المتعاملة مع المعلومات الخاصة بالفيروس في مصر.

منصات التواصل الاجتماعي

وعلى الرغم من أن المتوفر عن الفيروس، وطبيعته، وسبل انتشاره، وطرق الوقاية منه المعروفة حتى اللحظة، ومعدلات الإصابة، متاح للجميع من منظمات أممية صحية، ومصادر رسمية دولية، ووسائل إعلامية عالمية تتمتع بقدر وافٍ من المصداقية، فإن كل ما سبق يأتي عند حدود الاستخدام المصري الشعبي لمنصات التواصل الاجتماعي ويتضاءل ويتراجع حتى يختفي تماماً أمام الفيض الهائل والنبع الوافر من التنظيرات الشعبية.

شعبياً، يوجد فريق لا يستهان به من المؤمنين إيماناً لا ريب فيه أو تشكك حوله بأن الفيروس موجود في مصر لا محالة. منهم من يقول عشرات، ومنهم من يلمح إلى مئات، وغيرهم يؤكد أنهم آلاف. لكن أياً منهم لا يقدّم معلومة أو يعرض دليلاً، ولا حتى صورة أو فيديو من تلك التي يسهل التنقيب عنها في صور "غوغل" الأرشيفية، والتي جرى العرف على استخدامها لإثبات وجهة النظر، حتى لو كانت من دولة غير الدولة وسنة غير السنة.

"سنّة الفيروس الانتشار. يستحيل يكون الفيروس قد وصل الحدود المصرية واتخذ قرار التقهقر. بالعقل كده. أكيد الفيروس دخل"، يجزم خبير هنا. لكن يأتي خبير هناك ليدحض الجزم بما هو أعتى منه جزماً "مصر محميّة إلى يوم الدين. رسالة إلى أعداء مصر: توقفوا فوراً عن محاولات النَيْل منها".

شريان التدوين والتغريد

وإذا كان النِيْل هو شريان الحياة في مصر، فإن النَيْل من الآخرين هو شريان التدوين والتغريد لدى كثيرين. محامية معروفة أخذت على عاتقها نشر روابط بأخبار من مواقع غير معروفة تؤكد أن "عدد الإصابات بلغ أكثر من ألف، وأن الحكومة المصرية اتخذت قراراً بحجب الأرقام الحقيقية، وأن المدارس يجب إغلاقها لأجل غير مسمى".

تدقّ على الرابط، فيفتح موقعاً لا علاقة له بالمذكور. لكن أعداد المشاركين للتدوينة التي تحمل العنوان الساخن تتزايد وتتضاعف من دون هوادة.

الهوادة في التعامل مع الفيروس وأخباره وحقيقة انتشاره من عدمها في مصر ليست من الأمور الواردة، لا سيما حين يتطور الوضع ليتحول إلى فريق يجزم بالانتشار وآخر يدحض الجزم، وكلاهما لا يعتمد رقماً رسمياً أو إحصاءً طبياً.

فورة عنكبوتية

الاعتماد الرئيس في فورة المصريين العنكبوتية الحالية هو القلوب والمشاعر والأحاسيس، ومنها ما يعتمد على موروث ثقافي- سياسي- اجتماعي يقوم على قلة الثقة أو انعدامها في كل ما يصدر عن الجهات الرسمية، ومنها ما يقوم على الشعور بعدم الارتياح لوزيرة الصحة والسكان، هالة زايد، بسبب مواقف وتصريحات سابقة لها لم تعجب البعض، ومنها ما يرتكز على اتخاذ موقف معادٍ ورافض ومندّد بكل ما يصدر عن الحكومة المصرية الحالية بغضّ النظر عن محتواه، ومنها ما يحتكم إلى طريقة تفكيره وأسلوب منطقته للأمور. وهناك أيضا ما يعتمد على تأييد عميق لكل ما يصدر عن الجهات الرسمية الحالية، أو تعضيد لوزيرة الصحة لدرء ما تتعرض له من هجوم أو اعتراض، أو الذود عن الوطن والرئيس والدولة، ولو كان ذلك عبر بوابة "كورونا".

بوابة "كورونا" المصرية الشعبية وصلت إلى درجة التلويح بسلاح الـ"بلوك" وإشهار تهديد إلغاء الصداقة الـ Unfriend من كل فريق تجاه الآخر في حال تجرأ على إعلان مصر خالية من الفيروس، أو العكس، كلٌ بحسب توجهه الإيماني. البوابة تحوي أيضاً تدوينات مستفيضة عن قواعد الصداقة الرشيدة، حيث إعلان عن أن "كل من يتداول على صفحته أعداداً غير تلك المتداولة رسمياً، أو يتناقل أخباراً ترد على مواقع إخوانية، أو تحمل كلماته تشككات أو تلميحات بأن المعلومات الرسمية كاذبة أو حتى غير دقيقة، فعليه أن يلملم متعلقاته فوراً ويرحل من قائمة الأصدقاء غير مأسوف عليه أو عليها".

تشهير وإشادة

في المقابل، أخذ آخرون على عاتقهم مهمة "التشهير" بكل من يدعو إلى تصديق المعلومات الرسمية. "قص" و"نسخ" نصوص التغريدات أو التدوينات التي تحمل إشادة بمصر وتصريحات وزارة صحتها، وإجراءات وزاراتها المعنية، وتوجهات شخصياتها الحكومية يقوم بها البعض على صفحاته بغرض السخرية والتشويه المعنوي، وذلك في ضوء الإشارة لهم باعتبارهم "مطبلاتية" و"عبيد البيادة" و"أذلاء القمع" و"أصدقاء الوزيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغريب أن الوزيرة - وزيرة الصحة والسكان هالة زايد- وجدت نفسها عنصراً حيوياً وعاملاً أساسياً في التعامل الشعبي مع فيروس كورونا المستجد أو "كوفيد – 2019"! تصريحات سابقة وإجراءات ماضية مثيرة للجدل اتخذتها الوزيرة فرضت نفسها على موقف قطاع من المصريين تجاه الفيروس. فالسلام الوطني الذي اقترحت هالة زايد في بداية توليها حقيبة الصحة أن يتم تشغيله في المستشفيات لزرع الانتماء وتقوية الوطنية قفز إلى ساحة الفيروس. ومع السلام الوطني، تم استدعاء مواقفها السابقة من قولها إن غياب ممرضة واحدة أقوى أثراً من غياب مئة صيدلي، وسمنة الممرضات تقف حائلاً دون تعيينهن، ومطالبتها الأطباء عدم مطالبة المرضى في المستشفيات التابعة للوزارة شراء المستلزمات الطبية من خارج المستشفيات رغم عدم توفرها، ونظام تكليف الأطباء الجدد الذي رفضه الكثيرون منهم، وحادث السير الذي أودى بحياة طبيبتين وسائق وعامل ونحو 17 إصابة لإصرار الوزارة على حضورهم من محافظة المنيا دورة تدريبية في القاهرة، وغيرها من المواقف المثيرة للجدل ليتم الزجّ بها في أزمة كورونا التي تحولت في جانب منها إلى أزمة الوزيرة.

الفصل بين الوزيرة والفيروس

وعلى الرغم من تعالي وتكاثر مطالبات عدة على أثير العنبكوت بالفصل بين الوزيرة والفيروس، والتفرقة بين معارضة الحكومة وإلحاق الضرر بمن يعيشون في ظلها، إلا أن جنون التدوين وفورة التغريد والانجراف وراء متعة التنكيت تذهب أحياناً بدعوات منطقيّة ومطالبات ترجيحية.

 

ووصل الأمر بالبعض إلى الترجيح بأن الأرقام المعلنة من مكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية "إمرو" لا تخالف الأرقام الرسمية، إنما هو بسبب ضغط تمارسه الحكومة على المنظمة! وبسؤال أحد المؤكدين لوجود هذا الضغط، قال "واضحة جداً، ولا تحتاج إلى تأكيد أو توضيح"، وهو الرد الذي وصفه البعض بـ"الفُجر في الخصومة والهبل في العداوة". استشاري الوبائيات في "إمرو" قال لـ"اندبندنت عربية" تعليقاً على ما يثار إن اللوائح الصحية الدولية الموقعة من قبل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2005 تلزم جميع الدول الإبلاغ وإمداد المنظمة بكل المعلومات الخاصة بالإصابات في حالة أي فاشية. وأضاف أن الأرقام التي تعلنها المنظمة تكون بناءً على ما يرد إليها من الدول الأعضاء، ولا يمكن للمنظمة الجزم بأن كل الدول تقوم بالإبلاغ عن كل الحالات المكتشفة. لكنه أشار إلى أن "من مصلحة الدول مشاركة البيانات إذ إنه لا يمكن لدولة واحدة مهما بلغت من إمكانات أن تواجه مثل تلك الطوارئ بمفردها، لذا من مصلحتها الإبلاغ بشفافية حتى تتلقى الدعم المطلوب". وأكد أنه بناء على ما لدى المنظمة من معلومات وبيانات، فإنه لا يوجد دليل ملموس على قيام الدول بإخفاء أي بيانات تخص "كوفيد – 2019".

نيران عنكبوتية

وقد أسهم في تأجيج النيران المشتعلة عنكبوتياً إعلان وزيرة الصحة المصرية، الأحد، أن مصر أجرت 1443 تحليلاً لأشخاص مشتبه بإصابتهم بالفيروس، وجاءت واحدة فقط إيجابية، رغم أنه لم تظهر عليها أعراض. ورغم أن النتائج جاءت سلبية بعد تحليل آخر أجري بعد مرور 48 ساعة، تم عزلها لمدة 14يوماً وخرجت من المستشفى بعد ضمان الصحة التامة. كما قالت إن تحاليل مشابهة أجريت لـ13 شخصاً وصلوا مصر بعد رحلات عمرة وكانت لديهم أعراض مماثلة للفيروس، لكن التحاليل أثبتت أنهم بصحة جيدة .

هنا تفجر الأثير "هبداً ورزعاً"، حيث تأكيد من دون دليل أن الإعلان عن الحالات التي خضعت للتحليل جاء على سبيل حفظ ماء الوجه، وأن مصر بكل تأكيد فيها إصابات أكثر من ذلك بكثير... إلخ. أما ما يسمى بـ"غروبس الماميز" - وهي الظاهرة التي انتشرت بكثرة على "واتسآب" بين أمهات طالبات وطلاب المدارس، حيث يجرى عرض وحلّ وابتداع وإبداع مشكلات الكوكب والكواكب المحيطة - إلى مطالبات حنجورية بإغلاق المدارس وليس مراكز الدروس الخصوصية التي تنافس المدارس في أعداد الطلاب المترددين عليها، وتعليق العام الدراسي لأجل غير مسمى.

زيارة رسمية

المسمى الوظيفي للإعلان المفاجئ عن رحلة وزيرة الصحة والسكان، هالة زايد، للصين هو "زيارة رسمية". لكن المسمى العنكبوتي لها تراوح بين "جنان رسمي" و"مهمة وطنية"، وذلك بحسب الانتماء والتوجه والموقف الشخصي من الفيروس. تقريع وتنكيت حول قدرة مصر على إمداد الصين بمستلزمات طبية في مقابل تمجيد وتعظيم لهذه اللفتة الإنسانية تدرو رحاها على أثير العنبكوت في تحرك لم يعد مستغرباً وتنوع لم يعد يلفت الانتباه أو يدعو للاستغراب.

لكن قليلاً من الاستغراب يبقى، ومعه كثير من الضحك في دعابات المصريين وتنكيتهم الفيروسي عن الفيروس. فمن صور مركبة لمصريين يلتقطون "سيلفي" مع شخص مصاب، إلى أخرى حقيقية لأطباء مصريين في صورة تذكارية مع المصاب المتعافي، لشوكولاته كورونا التي تحقق أرباحاً طائلة بعد إقبال غريب من المصريين عليها تأكيداً على تفرّد المصري وقدراته التي لا مثيل لها. ولم يفت المستائين من طوفان تشكيك البعض في الأرقام والمعلومات الرسمية واشتياق البعض الآخر لانتشار الفيروس للتشفي الأحمق مع انتشار الأخبار التي تشير إلى اكتشاف حالات إصابة هنا وهناك لأشخاص "عادوا لتوهم من مصر" لدرجة مثيرة للتساؤلات، أن يدونوا ساخرين "اكتشاف حالة مصابة بالفيروس في بريطانيا لشخص كان ينوي زيارة مصر".

ويستمر التراشق بالنكات، والتنابز بالأرقام، والتسابق للتدوين والتغريد وأحياناً التخريف، بينما الفيروس يمضي قدماً في طريقه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات