Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يرفع الجزائريون التجارب النووية الفرنسية إلى محكمة الجنايات الدولية؟

المفاوضات الجزائرية - الفرنسية بشأن ملفات الذاكرة وصلت إلى نقطة اللاعودة. وطالبت الجزائر بتعويض ضحايا التجارب النووية

وزير البيئة الفرنسي السابق جان لوي بورلو ووزير الطاقة والمناجم الجزائري شكيب خليل وبدا خلفهما الرئيسان بوتفليقة ونيكولا ساركوزي أثناء توقيع اتفاقية بشأن الطاقة النووية المدنية في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2007 في الجزائر. (غيتي)

تناضل الجزائر منذ استقلالها من أجل الحصول على اعتراف بجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها فرنسا بحقها خلال ثورة التحرير. ومن بين تلك الجرائم، التجارب النووية في الصحراء وقد تواصلت إلى ما بعد الاستقلال وتداعياتها مستمرة إلى اليوم، من تلوث الهواء والتربة وانتشار أمراض غريبة وتشوهات خلقية لمواليد جدد، إضافة إلى ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان، خصوصاً بين سكان مواقع التفجيرات النووية الفرنسية في صحراء الجزائر.

ويُرتقب أن يعود التوتر بين فرنسا والجزائر بعدما كشف محمد محمودي، ممثل ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية في الذكرى الـ 59 للتفجيرات في 13 فبراير (شباط) الحالي، عن تسلم محامين من سويسرا والنمسا ملفاً خاصاً بالقضية مدعوماً بقائمة أسماء الضحايا، وبشهادات طبية لمصابين بمختلف أنواع السرطان، وذلك منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2018. وأكد محمودي الاستعداد للوصول إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل الحصول على الاعتراف والتعويض. ودعا الحكومة الجزائرية ووزارة المجاهدين إلى التحرك والدفع في اتجاه رفع التجميد عن ملف ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية، والضغط على الحكومة الفرنسية لتعويض الضحايا، سائلاً عن مصير اللجنة المشتركة الجزائرية - الفرنسية التي وعد بها رئيس الحكومة الجزائرية السابق عبد المالك سلال، في العام 2015 لدراسة هذا الملف.
 
الضحايا يتحركون
 
وصرح محمودي إلى "اندبندنت عربية" أن الجزائر في موقع قوة بالنسبة إلى هذا الملف الذي يعبّر عن جريمة في حق الإنسان والبيئة، ومعترَف بها دولياً. ويشير إلى تأخر وزارة المجاهدين في تقديم طلب رسمي للسلطات الفرنسية لإعادة النظر في قانون "موران" الفرنسي، الذي أقصى كل ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية. وتابع محمودي أن السلطات الفرنسية تتذرع بنفي وجود طلب رسمي جزائري في هذا الشأن، لعدم تعويض الضحايا. وشدد على ضرورة اعتراف فرنسا بضحايا التفجيرات وتعويضهم عن الأضرار والأمراض المزمنة التي لحقت بهم، والتكفّل بإعادة تأهيل المواقع التي كانت مسرحاً لتلك التفجيرات، وتطهيرها من النفايات المشعة.
من جهته، اعترف وزير المجاهدين الطيب زيتوني خلال ندوة تاريخية عن "التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية ... ضحايا وكوارث بيئية"، تم تنظيمها في إطار احياء الذكرى في العاصمة الجزائرية، بأن ما قامت به فرنسا من تفجيرات نووية في الصحراء الجزائرية، جريمة بحقّ الإنسان والبيئة لم تزل تداعياتها إلى يومنا هذا، مشيراً إلى أن لجاناً مشتركة بين فرنسا والجزائر تعكف حالياً على تسوية الملفات العالقة على غرار تعويض ضحايا التجارب النووية، والمفقودين الجزائريين إبّان حرب التحرير، وجماجم قادة المقاومة الشعبية المعروضة في متحف الإنسان بباريس، إضافة إلى استرجاع الأرشيف الوطني.
 
واعتبر زيتوني أن إقامة علاقات عادية مع فرنسا متوقفة على تسوية مسألة الذاكرة التي لن تتنازل الجزائر عنها ولن تسكت عن حقها وعن الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، والتي اقترفتها فرنسا بحق الشعب الجزائري.
وكان زيتوني أكد أن المفاوضات مع فرنسا بشأن ملفات الذاكرة وصلت إلى نقطة اللارجوع، إذ طالبت الجزائر بتعويض ضحايا التجارب النووية سواء كانوا أفراداً أم جماعات، إضافة إلى تعويضات عن الأضرار التي تعرض لها المحيط والبيئة، مضيفاً أن فرنسا الاستعمارية ارتكبت جريمة شنعاء لا تُغتفر حتى بشهادات الفرنسيين أنفسهم، لذا فإن فرنسا لا تستطيع أن تنكر جرائمها.
كذلك أبرز محمد لعروسي، رئيس بلدية رقان في ولاية أدرار بجنوب الجزائر، إحدى أهم المناطق التي شهدت التجارب النووية الفرنسية، أن المشكل الحقيقي هو تنكر الفرنسيين لما اقترفوه في الصحراء الجزائرية، ولا حل إلا الاعتراف والتكفّل بملفات الضحايا. وقال إن أهالي مدينة أدرار لا يزالون متمسكين بحقهم في الكشف عن تفاصيل الجريمة التي اقترفتها السلطات الفرنسية قبل أكثر من نصف قرن على أراضيهم، وواصل أن الطرف الفرنسي يصر على التكتم عن جريمة شنعاء بحق الإنسانية لن تسقط بالتقادم، وستبقى توخز الضمير الفرنسي بصمت. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

 
لا مبادرة
 
الجزائر لم تبادر باتخاذ أي خطوة في سياق دفع فرنسا إلى الاعتراف والتعويض، وبقيت الأمور مجرد تصريحات للاستهلاك الشعبي الداخلي، ويعدّ تقديم اقتراحات للجانب الفرنسي من أجل تعويض ضحايا التجارب النووية الاستعمارية في الجنوب الجزائري، أهم ما قامت به الجزائر في هذا الملف. وجاء ذلك بعدما تم استبعاد الضحايا الجزائريين من التعويض، من "قانون موران" الذي اعتمدته فرنسا في العام 2010، إذ أودع 782 ملفاً على مستوى مصالح وزارة المجاهدين في الجزائر، لكن مع بداية دراسة الملفات في العام 2015، قوبل 32 ملفاً بالرفض بداعي أن الأمراض المذكورة غير واردة في قائمة الأمراض المعترف بها في "قانون موران"، وأن فترة ما بعد 1967 غير مدرجة في هذا القانون.
في المقابل، أبرزت الحقوقية الجزائرية، فاطمة الزهراء بن براهم، التي تتابع الملف عن قرب، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "التوجه إلى المحاكم الدولية يتطلب تأسيس ملف قوي، لأن فرنسا عملت على إخفاء حقائق جرائمها النووية في الجزائر، كي لا يتمكن الضحايا من الحصول على حقوقهم".
ويقول القائد العسكري خلال حرب التحرير الجزائرية، لخضر بورقعة لـ"اندبندنت عربية"، إن سلطات بلاده "تتخاذل في الدفاع عن تاريخ الثورة"، مشدداً على أنه "لو لم تكن مواقف المسؤولين الجزائريين متخاذلة لما تجرأت السلطات الفرنسية على تضليل الرأي العام". وذكر أن "فرنسا تقوم بعمليات استباقية لإيهام الرأي العام الدولي بوجود ضحايا ومفقودين من الطرفين، توصلاً إلى تجاوز مسألة الاعتراف والتعويض. واعتبر أن "فرنسا تخشى أن ترث الأجيال في الجزائر الدفاع عن تاريخ الثورة. لذلك، هي تحاول أن تروّج لمغالطة مفادها أن ثورة الجزائر هي حرب متكافئة بين طرفين خسرا معاً من الجيشين والمدنيين". وخلص إلى أن "السلطات الجزائرية تتجنب التقدم إلى المحاكم الدولية مخافة قيام جهات فرنسية بالخطوة نفسها لافتكاك بعض الحقوق والممتلكات في الجزائر. عليه، فإن مسألة الاعتراف والتعويض في ما يتعلق بجرائم التفجيرات النووية وغيرها من الجرائم تبقى مؤجلة إلى وقت لاحق".
وبالعودة إلى قوانين محكمة العدل الدولية، فإن حظوظ قبول الدعوى القضائية ضعيفة، كون هذه المحكمة مختصة في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو (تموز) 2002، أما تلك التي ارتُكبت قبل هذا التاريخ، فيحق لمجلس الأمن أن يخطر محكمة الجنايات الدولية بها.

المزيد من الشرق الأوسط