Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردوتين: السيد بوتين وتابعه أردوغان!

الشخصيتان تشبهان بطلي مسرحية بريخت: السيد بونتيلا وماتي

هل يسكت ترمب على تحالف بوتين وأردوغان؟ (المكتب الصحافي في الكرملين)

كتبتُ منذ سنوات "في ديسمبر (كانون الأول) 2105، عقب إسقاط تركيا طائرة روسية، عن ظاهرة جديدة كنيتها بـ"أردوتين"، وكما مركّب الكلمة من بوتين وأردوغان، أرفقته بالمركّب المعروف الأعدقاء، وهما يمثلان في علاقتهما، ظاهرة تستحق الدراسة، ثم سيناريوهات لأفلام تراجيكوميدي "كوميديا سوداء"، فما فعلته علاقتهما، يمثل بحق، في التاريخ البشري، صفحة سوداء.

لكن هكذا علاقة، مدعاة للاستغراب والسخرية، ممّا ذكّرني بمسرحية بريخت، "السيد بونتيلا وتابعه ماتي"، وقد وجدتُني، من خلال متابعة مفروضة، غصباً من خلال الإعلام الدولي، أتصور أن السيد "بونتيلا" هو كما "بوتين"، وأن تابعه "ماتي" هو كما "أردوغان"، في المسرحية كلّما سَكِر بونتيلا، أعتق ماتي وأعطاه المنح، ومتى أفاق من السكرة، نقض عهده وسلب ماتي من العطايا.

لكن ما يجمع الشخصيتن، السيد بونتيلا وتابعه ماتي، آسف أقصد بوتين وأردوغان، هو ما يفرّقهما، فكلٌّ منهما يبان كما شخصية ماضوية، أحدهما كما قيصر روسي، لكن في أحلام اليقظة، يريد استعادة الاتحاد السوفياتي، ما أعدم القيصرية! والثاني سلطان الباب العالي، في يقظة أحلامه، يرى الإمبراطورية المريضة، بعد موتها تنهض، من خلاله باعتباره "العنقاء"، فيما هذا المشترك، يعني تاريخياً، عودة القتال بين القيصر والسلطان.

لكن لذا هما الساعة النجمان إعلامياً، فثمة اقتتال بينهما، مشوب بودّ الحليف، ثمة مفارقة وغموض يجمعهما، وعلى مستوى أحداث الخبر الأول، الآن هما بطلا العالم، فهما قلب الأحداث دولياً، وهما القائدان العالميان، بل هما يجتمعان معاً، أكثر من اجتماع، أردوغان مع زوجته، والمطلق بوتين مع عزوبيته!

لكنّ اجتماعهما معاً، كما اجتماع السحرة، كلٌّ يُخرِج من قبعته أرنباً، لا يفقه الآخر ماهية لونه، فيكون حاصل كل اجتماع، اجتماع أخر، وهكذا دواليك، فمرة يسدّد لاعب الكرة هدفاً، ليردّ رجل المخابرات بخدعة، لا يفقهها المتفقه أردوغان! من يعرف جيداً، مدى الصواريخ الروسية، ما رغب في شرائها، نكاية بالحلف الأطلسي وزعيمه ترمب، كما يعرف بوتين ذلك، أنّ اقتراب أردوغان من نار الثلج الروسي، محاولة لاجتذاب الضرّة الغرب، وفي الحالين اليد في اليد، بين الأعدقاء "أردو- تين"، لكنّ العين على الغرارة الأورو - أميركية، ومن كليهما.

لكنّ السؤال: أين عينا ترمب من ذلك، بخاصة أن عيون ميركل وماكرون، تبتغي أن تندسّ في المسألة الروسية التركية؟ لا أحد ذو نظر، لا ينظر إلى المسألة هذه، متعينة في الساحة السورية، ثم في نقلة شطرنجية دراماتيكية، إلى قارة أخرى، متمثلةً في الساحة الليبية، وفي هاتين الساحتين، يجول بوتين في الرقعة كملك، فيما أردوغان كوزير شكلاً، لكنّه في حقيقته، يطمح بدور الرخ ليس إلاّ، وبغض النظر عن الطموح، فهما في صراع ديكة واضح.

لكنّ السؤال، يستدعي الماضي، فالولايات المتحدة، كانت عند تدخّل الاتحاد السوفايتي الموارب، في أي بقعة في العالم، تقف له بالمرصاد، حتى تدخّله الفصيح في أفغانستان، حيث اعتُبر فرصة لأميركا، فخاضت، ضد دولة الإلحاد، حرباً دينية، انتهت بنهاية الإمبراطورية السوفياتية. أما بالنسبة إلى تركيا، فهي كما قاعدة أميركية، حتى مجيء أردوغان، من روّج له الأميركيون، كقائد للعالم الإسلامي المعتدل، في مواجهة الإسلام المتطرف وقائدته إيران.

لكن في خضم الربيع العربي، وما قبله بقليل، جاء بوتين القيصر، وبدأ أردوغان كسلطان عثماني، بخاصة في الساحة السورية، وعندئذ صنعت دولة غرائبية، تُدعى دولة الخلافة الإسلامية، كُنيت اختزالاً بداعش، ولمحاربة الدولة العظمى المستحدثة، في أقل من عام، في مواجهتها نشأ تحالف دولي، لا شبيه له في التاريخ، فتجاورت الطائرات الأميركية والروسية، العربية والإسرائيلية، الأوروبية والتركية، وهلمّ، حتى تكاد تكون، غالبية دول العالم، شاركت في هذا التحالف، ضد دولة الإرهاب داعش.

لكن زعيمة العالم الحر، أعلنت نهاية دولة داعش، ونهاية حرب الإرهاب، بقتل البغدادي والتفاوض مع طالبان، فيما بقيت روسيا وتركيا في تحالفهما، وفي حربهما ضد الإرهاب، بل توسّعتا في هذه المهمة الإنسانية! والآن يتوجهان لإنجاز المهمة في ليبيا. فهل هما يكملان مهمة التحالف المسكوت عنها؟ أم هما يقومان بمهمة، تحت عيني ترمب، ومن دون أي اعتراض منه، هذه المهمة في تقدير ترمب، تقدم لأميركا نتائج يرغبها؟

ترمب، الموجود على الأرض في العراق وسوريا، وفي سماء ليبيا، لم يُفصح عن موقفه من المسألة التركية الروسية، وكأنه لا يرى ما يُرى، وميركل وماكرون تدخّلهما يبدو أنه مرفوض من "أردوتين"، فيما بوتين يخوض حرباً ضروساً، في إدلب لإخراج تركيا، وتعلن روسيا أن الفرقاء في ليبيا، لن ينجحوا في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولحظة يلعلع أردوغان بردّ حاسم في إدلب، يصرّح بوصول أول القتلى، من جنوده في إيالة طرابلس الغرب، وكلّما تصاعدت المسألة الروسية التركية، ظهر ترمب، وهو يعطيها بالظهر، لكن في الوقت ذاته، "يبغبغ" أردوغان بدعم أميركي له.

كتبتُ منذ سنوات في ديسمبر 2105، عقب إسقاط تركيا طائرة روسية، مقالة نُشرت في كتابي "ليبيا في مهب الربيع العربي"، أنهيتُها بالتالي "والحال هذا، يجعل الغرب، متفرجاً من الطراز الإيجابي، فلسان حاله، فخّار يكسّر بعضه، أو كما يُقال...".  

                

المزيد من آراء