"اركب فرسك يا واد، ارمح واتخايل يا واد، ترفع راية جدودك، بفرس المرماح يا واد"، هذه كلمات من إحدى الأغاني الشعبية التي لا يزال يرددها أهالي وقبائل صعيد مصر، انطلاقاً من حبهم اقتناء الخيل.
ولعل فعاليات "المرماح"، أحد أهم هذه المظاهر على حب أهالي صعيد مصر الخيول العربية، واحتراف الكبير والصغير التعامل معها، على موسيقى المزمار الصعيدي في ساحات "المرماح"، التي تنتشر في كل أرجاء جنوب مصر. "اندبندنت عربية" زارت عدداً من "المراميح" بمحافظات قنا والأقصر وسوهاج للتعرف إلى طقوس وعادات ومراسم "المرماح" الصعيدي.
"المرماح"... ما تبقى من الفروسية
قال عبد المنعم الهواري، الباحث في شؤون تراث الصعيد، "المرماح شكل من أشكال الاحتفال لدى قبائل صعيد مصر عبر خروج شباب ورجال القبيلة على ظهر الخيول في ساحة واسعة، لاستعراض مهاراتهم في ركوب الخيل والرقص به على موسيقى الطبل والمزمار الصعيدي".
وأضاف، "حب أهالي منطقة صعيد مصر اقتناء الخيل يأتي من أن هذه المنطقة تتمركز بها القبائل العربية الوافدة من جزيرة العرب. والعرب مجبولون على حب الخيل بفطرتهم، فما زال أعيان الصعيد على وجه التحديد يقيمون غرفاً خصيصاً للخيول خلال بناء منازلهم، كما يحرصون دوماً على تقديم عناية بالغة بها، لذا يُلبسها بعض أهالي وقبائل الصعيد خلاخيل من ذهب وفضة لتدليلها".
وذكر أحمد البعيري، منظم ساحة مرماح، "المرماح دائماً مرتبط باحتفالات موالد الأولياء في الصعيد، إذ تُدعى إليه جميع القرى والمحافظات المجاورة. ومن أشهرها مرماح مولد العارف بالله عبد الرحيم القناوي، وأبو الحجاج الأقصري، والعارف بالله في سوهاج". مشيراً إلى أن "المرماح يدفع أعيان العائلات في صعيد مصر إلى اختيار أفضل فرسانهم للمشاركة كشكل من أشكال المنافسة، لتزهو كل عائلة بفرسانها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال سامح عبد الراضي، فارس مرماح، "الفارس الذي يسقط من الخيل أثناء الفعاليات يُلحق الإحراج بعائلته وقبيلته أمام جماهير المشاهدين، ويحرم بعد ذلك من المشاركة في حلقات المرماح الكبرى، فهو لمحترفي الفروسية فحسب. كما تعاير أسرة الفارس الذي لا يجيد الرمح أو يهاب الخيل بأنها لا تملك فرساناً جيدين، لذلك تحرص القبائل على المشاركة بأفضل فرسانها".
طقوس "المرماح الصعيدي"
وأضاف عبد الرحيم عواد، أقدم فارس مرماح في محافظة قنا جنوبي مصر، "عالم المرماح له مصطلحاته ومفاهيمه الخاصة، أغلب الناس لا تعرف مصطلحات (التقطيع، والمشالاه، والصابية) التي هي أهم قواعدها ومراحلها. ومن الأخطاء الشائعة لدى جماهير المثقفين أن المرماح الصعيدي مجرد سباق للخيول فحسب، إلا أنه أعمق من ذلك، والسباق جزء صغير من طقوسه".
وتابع عواد، "من شروط المرماح أن يقام في ساحة واسعة لا تقل مساحتها عن 3 آلاف متر، وأن يشارك فيه أكثر من 80 فارساً عن كل عائلة من عائلات المحافظة والمحافظات المجاورة، وتقدم إليهم الدعوة لهم عبر أعيان القرية المقام بها، ولا بد أن يقام أيضاً على الموسيقى الشعبية في الصعيد مثل المزمار والطبل البلدي والربابة، حينما يدخل كل فارس على الزفة، ولزاماً عليه أن يعطي النقطة (إكرامية مالية للفرقة) فور دخوله كتحية لهم على العزف".
واستكمل عواد، "أنه بعد الزفة يبدأ كل فارس بالرمح، وهو الإسراع بخيله ذهاباً وإياباً في استعراض سريع وزهو بنفسه وبفرسه وسط تشجيع كبير من عائلته وقبيلته وسط حضور غفير من كل العائلات والقبائل، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً، ويشرع بعد ذلك كل فارس أن يجعل فرسه يلعب تحت العصا الزان، وهو ما يطلق عليه في عرف المرماح بالتقطيع".
وحول أصعب مراحل "المرماح" على الفارس، ذكر عواد، "مرحلة ما يعرف بـ(المشالاه) هي الأصعب، وهي أن يلف الفارس بفرسه وبعصا زان مع فارس آخر في دائرة واسعة لمدة ربع الساعة لاستعراض قدرة كل واحدة منهما في التحكم بخيله في الدوران بسرعة فائقة، ما يتطلب احترافاً ورشاقة كبيرة لكل فارس وفرسه، وطاعة الفرس لفارسه".
واختتم، "من الفقرات الحماسية التي ينتظرها الجماهير هي قرعة التحطيب فوق ظهور الخيل، وبها يتنافس الفارسان في المبارزة بالعصا فوق الخيول، وكذلك السباق بين عدد من الفرسان ذهاباً وإياباً بطول الساحة".
وقال عبد الوهاب العوامي، فارس مرماح بالأقصر، "حينما يأتي الختام يستلزم على الجميع قراءة سورة الفاتحة بصوت عالٍ من أجل أن تذهب ضغائن المنافسة، كي لا يتسم المرماح بالمشاحنة، ثم تفتح المضايف ومنادر العائلات لتقديم وجبات الغداء للضيوف القادمين من القرى والمحافظات المجاورة"، مشيراً إلى "أن من طقوسه أيضاً أن يرتدي الفارس الجلباب البلدي الصعيدي، وأن يمسك بعصا خيزران، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة بدأ بعض الفرسان يرتدون الزي الأجنبي القميص والبنطلون".
مطالب بإنشاء معاهد للفروسية
وطالب أحمد علوي، عضو هيئة تدريس بكلية التربية الرياضية بجامعة قنا، بضرورة إنشاء معاهد لتعليم الفروسية للشباب بصعيد مصر، واستغلال حبهم اقتناء الخيول، لاستثمار طاقات الشباب في ما ينفعهم بدلاً من أن ينشغلوا في تجديد الصراعات الثأرية.
وأكد عبد الرحيم الشريف، مرشد سياحي بالأقصر، "أن السياح حينما يرون الفعاليات في الأقصر يعجبون باحتراف الشباب في التحكم بالخيل ببراعة منقطعة النظيرة، ويستعجبون أن الشباب هنا في صعيد مصر يتعلمون ركوب الخيل من دون مدارس أو معاهد تدريب، لذا فتكوين مؤسسات تعليمية لتعليم فنون ركوب الخيل، سيجعل شباب الصعيد أبطال العالم في هذا الأمر".
وانتقد الشاعر أحمد عبد الرزاق، عدم اهتمام وسائل الإعلام المصرية بتوثيق الفعاليات التراثية، مثل "المرماح" لتعريف جماهير المشاهدين بها، ومحبي التراث.