رغم أنه من بين حالات الإصابة حول العالم بفيروس كورونا المستجد، التي تجاوز عددها 74 ألف شخص، أغلبهم من الصين وفق آخر إحصائية، فإن منطقة الشرق الأوسط لم تسجل سوى 10 حالات (9 بالإمارات المتحدة وواحدة بمصر). بالإضافة إلى أن حالة الفزع من انتقال الوباء المستجد الذي يسهل انتشاره، خلال ساعات عبر الأشخاص، تبقى مسيطرة على دول المنطقة، لا سيما مع تزايد أعداد الوفيات وتجاوزها لأرقام أوبئة عالمية ظهرت في السنوات والعقود الأخيرة.
ومع التأكيد على ضرورة تشديد أقصى درجات الحيطة والتأهب والاستعداد، يُرجع خبراء ومسؤولون في منظمة الصحة العالمية، حالة الفزع والخوف التي يبثها "كورونا"، إلى انتشار الشائعات المتواصلة بشأن المرض، التي تصدر من قبل "غير المتخصصين" لا وسائل التواصل المختلفة، داعين في الوقت ذاته إلى عدم التقليل أو التهوين من خطر انتشار الفيروس، الذي بات يعرف علميا باسم "كوفيد 19"، وينتمي لنفس فصيلة الفيروسات المسببة للزكام، وتلك المسببة لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
مرحلة "ذروة الوباء"
يقول أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إنه وفقا للبيانات المتاحة والتواصل المستمر مع السلطات الصينية، "من المفترض أن يكون الوباء قد وصل لمرحلة الذروة التي يتبعها حالات انخفاض في مستوى الإصابات".
يستطرد في حديث لـ"اندبندنت عربية"، على هامش مؤتمر صحافي موسع نظمه المكتب الإقليمي للمنظمة الدولية اليوم الأربعاء بالقاهرة، "علينا أن نكون حذرين ولا نهون أو نهول من حجم الوباء، لا تزال حركة السفر والتجارة مستمرة وانتشار المرض يبقى في حالة نشاط مستمرة"، داعيا إلى تشديد أقصى درجات الوقاية لا سيما مع عدم القدرة بعد على توقع توقيت انتهاء الأزمة.
واليوم الأربعاء، ارتفعت حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجدّ إلى ألفي حالة وفاة في الصين القارية بعدما سجّلت مقاطعة هوباي، بؤرة الوباء في وسط البلاد، و132 حالة وفاة خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة.
وقالت لجنة الصحة بهوباي في تحديثها اليومي لحصيلة الوفيات والإصابات إنّها سجلت بالإضافة إلى هذه الوفيات 1693 إصابة جديدة بالعدوى خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، في أدنى حصيلة يومية للإصابات خلال أسبوع. ليرتفع إجمالي عدد المصابين بالوباء في الصين القاريّة إلى 74 ألف شخص على الأقل.
وبحسب المنظري، ورغم عدم نصح منظمة الصحة العالمية بوقف أو تعليق السفر في دول العالم، لا سيما من وإلى الصين، وأن لكل دولة احتياطاتها لمجابهة انتشار الفيروس، فإن "السفر الدولي جوا يؤدي إلى انتقال حالات العدوي على مستوى العالم في بضع ساعات، وقد تصبح هذه المدة أطول مع السفر الدولي بحراً، ونتيجة لذلك تعمل جميع بلدان شرق المتوسط جاهدة لتسريع وتيرة أنشطة التأهب والاستجابة، ورصد الوضع الذي يشهد تطورات سريعة للحد من خطر وفود كورونا". مشيراً في الوقت ذاته أنه ونتيجة لذلك من المتوقع ظهور حالات مرض جديدة في دول المنطقة.
تأهب في المنطقة
مع بداية ظهور حالات الإصابة بكورونا في منطقة الشرق الأوسط، التي سجلت قبل 3 أسابيع بالإمارات، حتى وصل عدد الحالات بها إلى 9 (أعلن أخيراً شفاء 3 منها)، ثم تلتها إعلان إصابة أخرى بمصر (أعلنت اليوم نتائج اختبارية سلبية بشأنها). يقول المنظري، "إن فيروس كورونا يشكل حالة طارئة صحية عامة لا تسبب قلقاً دولياً فقط، بل أصبحت تؤثر علينا أيضاً على المستوى الإقليمي، رغم أن أغلب الإصابات بالمرض هي في الصين بنسبة 99 في المئة".
وعليه، يوضح المنظري، أنه جرى خلال الأسابيع الأخيرة تحديث الخطط الوقائية للتأهب للفيروس في أغلب دول الإقليم (20 دولة من 22)، التي شملت توسيع نطاق المختبرات والوقاية للعاملين الصحيين، مع إمداد البلدان بكواشف مختبرية، مشيراً إلى أن مركز الإمدادات اللوجيستية بدبي في الإمارات المتحدة يمد الدول بإقليم شرقي المتوسط بكافة المعدات لحماية شعوبها، فضلا عن تواصل المنظمة بشكل مستمر مع بلدان المنطقة للاطلاع على آخر المستجدات بخصوص الاستعدادات والتأهب ومراقبة تطورات حالات الإصابة.
وبحسب المنظري، فإن المنظمة وفرعها الإقليمي، وضع خطط تدابير الصحة العامة بالتعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين والجهات المانحة، كما عملت على توفير الأولويات البحثية وتمت دعم هذه الأنشطة البحثية، وتابع، "نحتاج إلى تمويل مباشر للاستثمار في مجال التأهب والاستعداد".
الوباء ليس حرباً "بيولوجية"
من جانبه، وبعد تأكيده، أنه "لا يزال أمامنا الكثير لفهم طبيعة الفيروس وكيفية انتقاله بين البشر ومدى خطورته، وهو ما يدعو إلى ضرورة تشارك جميع المعلومات بين الشركاء والبلدان"، وأوضح ريتشارد برنان، مدير الطوارئ الصحية الإقليمي، في معرض رده على سؤالنا حول ما إذا كان الفيروس "مُصنَّع مختبريا في إطار حرب بيولوجية"، بقوله "إن ما يتردد عن تصنيع فيروس كورونا المستجد داخل مختبرات ضمن حرب بيولوجية غير صحيح على الإطلاق".
وتابع برنان، "لم نجد دليلا بعد على تصنيع الفيروس داخل المختبرات، وكورونا المستجد جاء في الأصل من مصدر حيواني يرجح أن يكون الخفافيش، ولا نزال نبحث في المصدر الوسيط لانتقال المرض من الحيوان إلى الإنسان، وعما إذا كان انتقل من حيوان إلى آخر قبل انتقاله للإنسان"، مشيراً إلى أنه وبالإضافة إلى "استمرار المنظمة بالتعاون مع الدول في دراسة خصائص الفيروس وآليات انتقاله، فإنها تعمل في الوقت ذاته على وقف الإشاعات من هذا النوع وتكذيبها".
وبحسب برنان، "لا تزال هناك مشكلات تقنية تواجه بعض بلدان المنطقة في التعاطي مع فيروس كورونا، تتمثل في كيفية الكشف عن الحالات، والنصائح المقدمة للمسافرين، وما يتوجب القيام به في المطارات والمنافذ في حالات التشكك بالإصابة فكيفية العلاج". مشيرا في الوقت ذاته، أنه تم تخصيص 3 ملايين دولار أميركي لمواجهة الفيروس ضمن خطة المنظمة في إقليم شرق المتوسط.
وذكر برنان، أن الفيروس لم يعرف عنه الكثير بعد، وأن المنظمة تقوم بإجراء ووضع اختبارات لتشخيصه والتعرف عليه، مشيرا إلى أنه تم "تخصيص 675 مليون دولار لمواجهة الفيروس في العالم كله، وأن المنظمة عقدت اجتماعا الأسبوع الماضي مع 300 باحث وعالم، للتوصل إلى علاج ولقاح للوقاية أو علاج المرض، والتأكد من مصدره والأولويات التي نضعها هو اكتشاف اللقاحات والأمصال اللازمة للتصدي له". وتابع، "جميع العلاجات التي أعلن عنها في الأيام الأخيرة، على أنها تسهم في العلاج من الفيروس، لم تثبت فاعليتها، وأن الأمر يحتاج فترة أسابيع وأشهر".
تابع، "وفقاً للبيانات المتاحة حالياً، يعد العامل الرئيس في انتقال المرض الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض، وندرك احتمالية انتقال الفيروس من المصابين به قبل ظهور الأعراض عليهم. وعليه يتم تسجيل تواريخ التعرض بالتفصيل من أجل فهم مرحلة ما قبل ظهور أعراض العدوى، وكيفية انتقال المرض في هذه المرحلة، التي لم تحدث إلا في حالات قليلة"، وأضاف أن "انتقال العدوى من شخص عديم الأعراض شديد الندرة كما هو الحال مع فيروسات كورونا الأخرى، مثل فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وينشر الأشخاص عديمو الأعراض الفيروس بسرعة أكبر في حالة السعال والعطس".
ما مدى خطورة الفيروس؟
بحسب، داليا سمهوري، مدير برنامج الاستعداد للطوارئ واللوائح الصحية الدولية، في تصريحاتها الصحافية اليوم، فإن "المعلومات الراهنة تشير، إلى أن الفيروس قد يسبب أعراضاً خفيفة وتشبه الإنفلونزا، كما قد يسبب مرضاً أكثر وخامة"، وتابعت، "تختلف شدة الأعراض بين المرضى. واستناداً إلى البيانات الحالية، فإن 82 في المئة من الحالات مصابة بأعراض خفيفة، بينما تتطور الحالة إلى مرض وخيم لدى حوالي 15 في المئة من الحالات، و3 في المئة من الحالات تقريباً حرجة، وأن السلطات الصينية أبلغت عن وفاة حوالي 2 في المئة من الأشخاص المصابين بالمرض".
وذكرت سمهوري، أن "معدل إماتة الحالات لا يزال من الصعب تقييمه، لأن المَقَام (أو عدد حالات العدوى، بما يشمل تلك المصابة بأعراض خفيفة) لا يزال غير معروف. وحتى الآن، يبدو أن حالات الوفاة ترتبط بالعمر ارتباطاً مباشراً. وهذا المرض جديد، وفهمنا له يتحسن بسرعة. وسنواصل تحليل المعلومات بشأن الحالات المرضية الحالية وأي حالات جديدة، لأنه من المهم فهم مدى وخامة هذا المرض".
وتابعت، "نظراً لطبيعة السفر على مستوى العالم، من المتوقع ظهور حالات جديدة في بلدان أخرى بعد انتقاله إلى الخارج، ومن المحتمل وصول حالات أخرى إلى إقليم شرق المتوسط".
يشار إلى أن إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، واحدٌ من 6 أقاليم بالمنظمة، يضم 22 دولة هي "الأردن، وأفغانستان، والإمارات، وباكستان، والبحرين، وتونس، وإيران، وسوريا، واليمن، وجيبوتي، والسودان، والصومال، ومصر، والمغرب، والسعودية، وليبيا، ولبنان، والكويت، وقطر، وفلسطين، وعمان، والعراق".