Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هداية تصنع الكحل العربي... علاج وزينة

السيدة الفلسطينية تحاول الحفاظ على مهنة شارفت على الاندثار

الكحل العربي نادر وغير منتشر ولا يُنتج إلاّ في البيوت (اندبندنت عربية)

في منتصف ستينيات القرن الماضي، كانت الحاجة هداية قديح تعيش في أسرة ريفية صغيرة، معظم نسائها يعمل في صناعة مسحوق الكحل العربي، ما دفعها إلى الاهتمام بهذه الصناعة وهي في العاشرة من عمرها.

في تلك الفترة، علّمتها جدتها كيفية صناعته وطريقة تعبئته في مكاحله، إلى أن انطلقت بشكلٍ رسمي بمفردها وهي في الـ 20 من عمرها. حالياً، لم يبق أحد غيرها يصنع كحلاً طبيعياً، بعيداً من المواد الكيماوية.

تراث

استمرار عمل هداية في صناعة الكحل العربي، يأتي في سياق الحفاظ على هذه المهنة التي شارفت على الاندثار. تقول "أحتفظ بمكحلة نحاسية عمرها يصل إلى 80 عاماً، ورثتها عن جدتي وما زالت معي حتى اليوم، وعندما ينتهي الكحل بداخلها، أعبّئها من جديد".

تعتبر هداية الكحل العربي تراثاً فلسطينياً قديماً. تتذكر زمن التسعينيات بالقول "كانت أمي وجدتي تصنعان الكحل، ثم يبيعه أبي للتجار الذين يصدّرونه إلى دول الخليج وبلاد الشام، وأهمها دمشق وكذلك مصر. ومعروف عن الكحل الفلسطيني جودته ومنافسته العالية".

طريقة الصناعة

في فناء منزلها الصغير، الذي تربي فيه طيوراً وحيوانات أليفة، جلست هداية على حصيرة صغيرة، مرتدية ثوبها التراثي القديم، فيما تحلّق أحفادها حولها ليشاهدوا كيفية صناعة الكحل العربي.

أحضرت بعض الحطب وأشعلت النار، ثمّ وضعت فوقها طبقاً معدنياً. وعلى جانب آخر، غمست قطعة قماش في زيت الزيتون لمدة تصل إلى عشر دقائق، وبعدها وضعتها وسط النار.

انبعث من داخل الطبق دخان أسود، وبدأ يتصاعد ويتراكم على سقف الطبق المعدني. بعينيها المكحلتين، نظرت هداية إلى النار لتتأكّد أنّ قطعة القماش تحوّلت إلى رمادٍ بشكلٍ كامل. بعدها، رفعت الإناء.

بيديها الضعيفتين، أخذت الكحل ووضعته في مكحلة نحاسية. امتزج الكحل بيديها وأشبعهما سواداً. تقول "هذا الكحل عربي أصيل، وخال من المواد الكيماوية، ولا يسبب أيّ مشاكل أو مرض للعين".

خمس دولارات

تحتاج هداية إلى نصف ساعة لتتمكن من صناعة كحلٍ يكفي لتعبئة مكحلة واحدة. ثمّ تبيعها للنساء بقيمة خمسة دولارات أميركية للعبوة، التي تكفي لمدة ثلاثة أشهر إذا استُخدمت يومياً.

وتشير إلى أنّ طول المدة غير مهم، بل الأهم صناعة كحل بجودة عالية وبمكوّن أصيل، تعلّمت صناعته عن أجدادها.

وتوضح أنّ هذا الكحل نادر وغير منتشر، ولا يُنتج إلاّ في البيوت وعلى أيدي نساء فلسطينيات توارثن عملية صناعته عبر أجيال متلاحقة.

وتقول "في الحقيقة الوضع الاقتصادي صعب جداً في غزّة، لذلك واظبت على صناعة الكحل، فهو يشكّل مصدر دخل لي. وعلى الرغم من أنّ التحصيل منه قليل جداً، لكنه أفضل من لا شيء".

كحل بالزيت

وعن علاقة الكحل بالزيت، توضح هداية أنّ صناعة الكحل العربي ترتبط بمواسم، وأهمها موسم قطف الزيتون، الذي يعتمد عليه الكحل بشكل أساسي.

وتستخدم نساء فلسطين الكحل العربي لزينة العين وإعطائها جمالاً، وكذلك يُعدُّ علاجاً لبعض أمراض العين كالحساسية والرمد الربيعي وقتل الجراثيم، إضافة إلى المساعدة في إنبات الرموش وتنشيط جفن العين، وفقاً لحديث هداية.

وتشرح أنّ السيدات والرجال يستخدمون الكحل العربي، من دون تمييز، لما يحتويه من فوائد كثيرة، مضيفةً "أقوم بنفسي بتكحيل كلّ طفل يولد في عائلتي، حتى أحافظ على صحة عينيه".

كحل عربي أو طبيعي

أخيراً، ظهر عدد كبير من أنواع الكحل الصناعي، لكن ثمّة دراسات تشير إلى أنّ له مضاعفات على العين، ويحمل عناصر كيماوية مضرة، وكذلك حذّرت بعض الدراسات الطبية من استخدامه بكثرة، لاحتوائه على نسبة عالية من الرصاص تتراوح ما بين 85 إلى 100 في كل غرام من الكحل. لذلك، تعتقد هداية أنّ منتجها هو علاج ومصدر زينة للعين.

ويختلف الكحل العربي عن الكحل الطبيعي، فالثاني ينتج من حجر الإثمد وصناعته منتشرة في دول الخليج العربي، بينما الأوّل يعتمد على زيت الزيتون الطبيعي والقماش الطبي في صناعته، المنتشرة في فلسطين وبلاد الشام.

المزيد من منوعات