أيدت محكمة الاستئناف العسكرية في الجزائر، أحكاماً سابقة بـ 15 سنة سجناً نافذاً، ضد كل من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومديرَي جهاز المخابرات السابقَين، الجنرال محمد مدين المدعو توفيق، واللواء عثمان طرطاق المدعو بشير، بتهم المساس بسلطة الجيش والتآمر على الدولة، بينما أمرت بالإفراج عن الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون.
تصريحات الدفاع
في وقت كان يتخوّف بعض الأطراف من مفاجأة غير سارة تنطق بها محكمة الاستئناف العسكرية ضد رموز ما يعرف بـ"العصابة"، بخاصة بعد تصريحات محاميَيْ شقيق الرئيس ومديري المخابرات في اليوم الأول من المحاكمة، حيث قال فاروق قسنطيني محامي الجنرال توفيق، إنه "لم يتم السماح للناس بحضور الجلسة ولو حضروا سيكتشفون أن القضية لا أساس لها، فلا يوجد ما يدين المتهمين لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية الجنائية"، وأضاف أنه" توفي من كان في نظرنا وراء المتابعة القضائية"، في إشارة إلى قائد الأركان السابق قايد صالح، و"عليه أصبح من الضروري الرجوع إلى حقيقة الملف ونصوص القانون للتأكد من أن الاتهامات لا أساس لها"، بينما شدد ميلود براهيمي محامي سعيد بوتفليقة على أن "الملف فارغ تماماً، والتهم ليست من صلاحيات المحكمة العسكرية، كما أنها لا تعتمد على أي شيء"، غير أن النطق بالأحكام النهائية في وقت متأخر من مساء أمس الاثنين، هدّأ من المخاوف ومنح بصيص أمل في مستقبل أفضل.
حنون بريئة
وأفرجت المحكمة عن زعيمة حزب العمال لويزة حنون، بعد أن نطقت بـ 3 سنوات، منها 9 أشهر نافذة، قضتها في السجن، وذلك بتهمة عدم التبليغ إثر تبرئتها من تهم التآمر، وصرحت إلى الصحافيين بعد خروجها أنه "انتصار للديمقراطية"، معبرة عن شكرها للمحامين الذين رافقوها ووقفوا إلى جانبها حتى حصلت على البراءة من تهم التآمر وإخلاء سبيلها، داعية وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحافي في أقرب الآجال يكون "كبيراً" ومفتوحاً على كل الأسئلة والردود.
ويقول المحلل السياسي رابح لونيسي في تصريح، الجميع يعلم بأن الأحكام القضائية تتحكم فيها عوامل عدة حتى في الدول الأكثر ديمقراطية، وما بالك في دول العالم الثالث؟ حيث تنعدم الاستقلالية التامة للقضاء، وقال "إن الظلم كان يبدو بارزاً بالنسبة إلى لويزة حنون التي هي شخصية سياسية ورئيسة حزب من حقها أن تلتقي مع أي شخصية سياسية بما فيها مستشار الرئيس بوتفليقة، وهذه ليست جريمة تعاقب عليها وإلا سنعاقب الكثير".
جماعة الـ 19 دفعت الثمن
وأضاف لونيسي "هناك قراءات ترى أن لويزة حنون دفعت ثمناً باهظاً بسبب وقوفها مع جماعة الـ19 التي طالبت في 2015 بلقاء الرئيس بوتفليقة مشككة بأنه لا يحكم، وأن هناك أوامر وقرارات تؤخذ باسمه"، وتابع أن الكثير من أعضاء هذه المجموعة اعتقلت أو عوقبت بشكل أو آخر، ومنهم الشخصية التاريخية لخضر بورقعة، و"لهذا فإن تبرئة لويزة حنون اليوم هو حق أعيد لها، ومن الطبيعي تبرير المدة التي قضتها في السجن بتهمة عدم التبليغ"، لكن السؤال المطروح من هي الجهة التي تبلّغها حنون بحدوث لقاء مع مستشار الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة؟
وبخصوص الأحكام الصادرة ضد المتهمين الآخرين، يوضح لونيسي أنه "لا نملك حقائق ومعطيات حول ما وقع، لكن يبدو أنها نابعة من فكرة إبقاء الوضع على ما هو عليه"، مشيراً إلى أن "الأحكام كان من الممكن رفعها إلى أكثر من 15 عاماً"، وتساءل "هل يمكن توقع رد فعل الرأي العام والشعب الغاضب لو حكم عليهم بأقل من 15 سنة"؟ معتقداً أن الاختلاف الكبير في الحكم الصادر على لويزة حنون من قبل واليوم، يكشف عن حجم الظلم الذي وقع على سجناء الرأي الذين "لا نستبعد أن يتم إطلاق سراحهم بشكل تدريجي".
شهود من الدرجة الثانية والمتهم طرطاق يغيب
وعرف اليوم الأول من المحاكمة حضور الأمين العام الأسبق للرئاسة حبة العقبي، ومستشار الرئيس السابق محمد علي بوغازي، بالإضافة إلى رئيس المجلس الدستوري سابقاً الطيب بلعيز، وهم الشهود الذين وصفهم الحراك بـ"شهود الدرجة الثانية" على اعتبار أن الرئيس الأسبق ليامين زروال والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أهم شاهدين، كما رفض المتهم الجنرال المتقاعد عثمان طرطاق منسق الأجهزة الأمنية حضور الجلسات.
ودان المجلس غيابياً كلاً من وزير الدفاع السابق خالد نزار، ونجله لطفي، ورجل الأعمال فريد بن حميد، وسيط خالد نزار، بـ 20 سنة سجناً نافذة عن تهم المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة.
محاكمة سياسية
في السياق ذاته، يؤكد عضو معهد حقوق الإنسان في جنيف السويسرية، المدير التنفيذي لمنظمة صوت حر لحقوق الإنسان، محمد خدير في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أنه "لم نكن ننتظر الجديد في هذه المحاكمات فمنذ البداية كانت قراءتها سياسية ولا علاقة لها بالتآمر" كما يقال، بدليل أنهم "تحدثوا من قبل عن طرف خارجي ولكن لم يظهر في المحاكمات"، و"حتى الشهود الذين طلبهم المتهمون مثل الرئيس الأسبق ليامين زروال، وكذلك الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لم يتم إحضارهم حتى نسمع شهاداتهم"، مضيفاً أنه "نلاحظ شرخاً كبيراً بين الحكم الذي طلبه النائب العام العسكري ضد لويزة حنون والمقدر بـ 20 سنة، والتراجع إلى 3 سنوات، 9 أشهر منها نافذة أكملتهم في السجن، وعليه فهي محاكمات سياسية".
ويواصل خدير أن أصل القضية هو تصفية حسابات ولا وجود لتهم التآمر على اعتبار أن المجموعة سعت إلى تنحية قائد الأركان آنذاك الراحل قايد صالح، غير أنه رفض الذهاب وأدخلهم السجن، هذا كل ما في القضية، وختم بالقول إنه "اختلاف مصالح".
وتعود وقائع القضية إلى مارس (آذار) الماضي حين عقد السعيد شقيق الرئيس السابق بوتفليقة ومستشاره، اجتماعات مع رئيس جهاز الاستخبارات السابق محمد مدين، وخليفته بشير طرطاق، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، بحثت في تنصيب الرئيس الأسبق ليامين زروال رئيساً لفترة انتقالية، وناقشت عزل رئيس أركان الجيش المتوفى قبل أسابيع الفريق أحمد قايد صالح، الذي نزل عند رغبة المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع رافضين استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم، وأجبر الرئيس على الاستقالة مطلع إبريل (نيسان) الماضي.