الصين "مستثمرة أم مستعمرة؟"، جدل محتدم على امتداد العقد الماضي، فمنتقدوها ينظرون إليها باعتبارها أحدث سيد استعماري في أفريقيا يستغل موارد القارة الهائلة على حساب شعبها الشاق بعد قرون من الهيمنة الأوروبية، والمدافعون يقولون بلغة الأرقام إنها استثمرت في أفريقيا ما لم تستثمره دول العالم مجتمعة وأن حكومة بكين موّلت مشروعات البنية التحتية في نحو 35 دولة في القارة السمراء، حتى أن مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا هدية صينية. وما بين هؤلاء هناك مَنْ يرى أنها مستثمر لكنها المستفيد الأوحد من معادلة الاستثمار في أي بلد أفريقي، وما يمكن أن يتفق الجميع عليه هو أن الزحف الصيني في القارة هو نتيجة للإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة لهذه الدولة من ناحية والضعف الاقتصادي والسياسي للدول الأفريقية من ناحية أخرى.
في العقدين الماضيين، ومنذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، نمت تجارة الصين مع أفريقيا 20 مرة، وسط انتقادات من الدول الغربية التي تقول إن ممارسات الإقراض في بكين تغري الدول الفقيرة وتوقع بها في شرك الديون.
ولكن ماذا عن الولايات المتحدة في عهد ترمب؟ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كان قد وعد بحكم دمائه الأفريقية بإنعاش القارة السمراء، بعد ولايتين من رئاسته استيقظ الأفارقة على وهم وأيقنوا بعد فوات الأوان أن أفريقيا حلت في ذيل أولويات أوباما، ولكن يبدو أن استراتيجية ترمب في هناك تأخذ منحى مختلفاً يهدف إلى قص أجنحة الصين في أفريقيا كنز الموارد الطبيعية، من منطلق " أميركا أولاً".
إيريكا تشوسانو، المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، قالت إن بلادها قلقة تجاه ما سمته التأثير السلبي للممارسات التجارية الصينية في أفريقيا، وأكدت في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، على هامش استضافة تونس مؤتمر "ازدهار أفريقيا" قبل أيام، وهي مبادرة ترعاها سفارة الولايات المتحدة لدى تونس وغرفة التجارة الأميركية، التزام بلادها الثابت والطويل تجاه القارة السمراء لتعزيز ما أطلقت عليه الرخاء الاقتصادي والسلام والأمن من خلال القنوات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف.
التبادل التجاري الأميركي مع أفريقيا
وبحسب الإحصائيات التجارية الأميركية الرسمية، فقد سجل حجم التبادل التجاري بين الجانبين 62 مليار دولار في عام 2018، وتعكس مبادرة "ازدهار أفريقيا" بحسب تشوسانو، التزام الإدارة الأميركية بزيادة هذه الأرقام بشكل كبير من خلال الاستفادة من البرامج الاستراتيجية لحكومة الولايات المتحدة وإشراك أصحاب المصلحة في القطاع الخاص. وأشارت إلى تخصيص الرئيس دونالد ترمب، ما قيمته 50 مليون دولار للعام الحالي 2020، لتنفيذ المبادرة، مع إمكانية إعادة برمجة أموال إضافية من الموارد الحالية، قائلة إنها تهدف إلى تسخير العديد من مليارات الدولارات من موارد التمويل الأميركية لتعزيز الرخاء الأفريقي من خلال التجارة والاستثمار متبادل المنفعة.
وأضافت أن المبادرة تركّز بشكل رئيس على تعميق الشراكات الأميركية في أفريقيا عن طريق زيادة التجارة والاستثمار المتبادلين من أجل المنفعة المشتركة لكلّ من الولايات المتحدة وشركائها الأفارقة.
ولكن هذه المبادرة ليست بصدد الوقوف في وجه التجارة والاستثمار النافعين اللذين يتمتعان بالمعايير العالية بين القارة الأفريقية وأجزاء أخرى من العالم، لأن تعزيز النمو الاقتصادي والتعاون ينبغي أن يفيد كل من هو على استعداد للّعب وفقاً لقواعد الشراكات التجارية والاستثمارية المجانية والعادلة والمتبادلة والشفافة.
ومع ذلك، نعتقد أن الولايات المتحدة وشركاتها، كشريك طويل الأجل لأفريقيا، يمكنها أن تقدّم بديلاً أفضل. نحن نقدم نموذجاً مختلفاً للشراكة من خلال الاستثمار في أفريقيا وشعوبها، حيث نموّل مليارات الدولارات سنوياً في البرامج التي تخلق الوظائف وتنقذ الأرواح وتتيح الوصول إلى الكهرباء وتمنح الشباب الأدوات اللازمة لتعزيز اقتصادات بلدانهم ودعم تمكين المرأة اقتصادياً.
التبادل التجاري الصيني مع أفريقيا
وتنامت تجارة الصين مع أفريقيا بمعدل أبطأ في العام الماضي، حيث أدى التراجع في اقتصاد العملاق الآسيوي إلى انخفاض حاد في واردات المواد الخام الصناعية.
ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية، نمت التجارة الثنائية بنسبة 2.2 في المئة فقط في عام 2019 إلى 208.7 مليار دولار، مقارنة بارتفاع نسبته 20 في المئة خلال العام السابق.
وهبطت واردات الصين من أفريقيا بنسبة 3.8 في المئة خلال هذه الفترة إلى 95.5 مليار دولار، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة 7.9 في المئة إلى 113.2 مليار دولار، حيث سعت بكين إلى أسواق جديدة كوسيلة لتجاوز التعريفة الجمركية المفروضة على الحرب التجارية على سلعها من قبل الولايات المتحدة.
وقال جون آشبورن، كبير خبراء الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس بلندن والمتخصص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إن "أحدث الأرقام التجارية مخيبة للآمال بالنسبة إلى اقتصادات القارة السمراء"، لافتاً إلى أن "العجز التجاري المتزايد في المنطقة مع الصين قد يستغله النقاد الذين يزعمون أن بكين تستغل المنطقة من خلال إغراقها بالصادرات الرخيصة".
مكافحة الإرهاب في القارة السمراء
المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، أكدت أن "تعزيز السلام والأمن في أفريقيا لا يزال أولوية مهمة في سياسة الولايات المتحدة، حيث إن النجاح في مواجهة هشاشة الدولة والصراع والإرهاب العابر للحدود والجريمة سيؤدي إلى زيادة الرخاء لكل من بلدان القارة والولايات المتحدة، وتسهم مشاركتنا في السلام والأمن في تهيئة الظروف للنموّ الاقتصادي والتنمية، وتقوم مؤسسات القطاع الأمني الخاضعة للمساءلة بحماية حقوق الأفارقة وتضع الأساس للمجتمعات المنصفة والشاملة للجميع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدثت إيريكا عن مبادرة "ازدهار أفريقيا"، مشيرة إلى أنها تأتي بالشراكة مع القطاع الخاص لإنتاج تنمية مستدامة وشفافة، وأضافت "لا تجلب الشركات الأميركية معها رأس المال والابتكار والحلول المجرّبة فحسب، بل تلتزم أيضاً أعلى معايير الشفافية والجودة والمسؤولية الاجتماعية".
وقالت "إن وجود علاقة أوثق بين الولايات المتحدة والقطاع الخاص الأفريقي سوف يوسّع الأسواق أمام السلع والخدمات ويعزّز الرخاء والأمن المتبادلين لدينا، ما يزيد النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل أكثر".
وأشارت إلى أن "المبادرة التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري، وستضّطلع بالتنسيق بين مجموعة أدوات الحكومة الأميركية المتكاملة التي تشمل المناهج والقدرات والتأثير والمساعدة لدعم التجارة والاستثمار لدى القطاع الخاص"، مشيرة إلى اعتزام الإدارة متابعة الاتفاقيات التجارية المتبادلة في القارة.
وختمت بالقول "إن هدفنا النهائي هو البناء على النجاحات السابقة، ولدينا شبكة من الاتفاقيات التجارية التي يمكن أن تكون أساساً لبناء شراكة تجارية قارية في نهاية المطاف مع الولايات المتحدة".
اتفاقية "المرحلة الأولى"
وكانت الصين تعهدت عبر اتفاقية "المرحلة الأولى" التجارية التي وقعتها أخيراً، بشراء المزيد من السلع من الولايات المتحدة، ما سيضيف 0.5 في المئة إلى الاقتصاد الأميركي على مدى عامين. والصفقة التجارية يمكن أن تضر بمناطق أخرى، بما في ذلك أفريقيا، التي تزود الصين بالكثير من المعادن والنفط، وقد تكون دولٌ مثل أنغولا، والتي تعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط إلى بكين، الأكثر تعرضا للخطر، كما انخفض الطلب الصيني على الحديد والنحاس في عام 2019، وقد يفسر ذلك بعض الضعف في صادرات جنوب أفريقيا وزامبيا إلى العملاق الآسيوي أيضاً.