استفاد مغنّو الراب في تونس من مناخ حرية التعبير، فتفتقت قرائحهم بموسيقى العصر التي سلبت عقول الشباب في تونس والعالم. كما استغل هؤلاء تطور وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "يوتيوب"، للانتشار عربياً وعالمياً. إذ سجل فيديو كليب "يا ليلي" لفنان الراب بلطي والطفل حمودة أعلى نسبة مشاهدة عربياً في عام 2018، كما تصدر كل الأرقام القياسية في تونس. الأغنية التي أصبحت حدثاً، أُعيد إنتاجها بنسخ أخرى، على غرار النسختين السورية والأرمنية، إضافة إلى انتشارها في تركيا وكوريا الجنوبية وعدد من دول الخليج العربي.
بلطي وسانفارا وكافون وأرماستا وكلاي بي_بي_جي وغالي، كلها أسماء مستعارة أو أسماء شهرة لمغني الراب الأكثر متابعة في تونس، وحتى في بلدان عربية وأوروبية. فأغنياتهم استطاعت استقطاب قاعدة جماهيرية شبابية واسعة، خصوصاً من أبناء الأحياء الشعبية والأوساط الاجتماعية المهمشة والفقيرة. كما عرف غالي، مغني راب من أصول تونسية، شهرة واسعة في إيطاليا، وشارك أخيراً في مهرجان الموسيقى الذي ينظمه "راديو نوربا" الإيطالي، وتفاعل معه الجمهور بشكل كبير.
موسيقى المهمشين
ازدهر الراب التونسي، بشكل واضح، بعد الثورة التونسية عام 2011، وإن بدأ بروزه قبلها من خلال بعض الأغاني التي انتقدت نظام الحكم آنذاك، مثل أغاني "الجنرال"، الذي لاحقه النظام السابق، وهذا ما أكسبه بعض الشهرة.
ترى سناء الماجري، الكاتبة الصحافية المتخصصة في الثقافة، أن أسباب نجاح هذا النوع من الموسيقى يرجع أساساً إلى اعتماده على كلمات قريبة من المتلقي وتعكس همومه ومشاغله وتحاكي واقعه من دون مبالغة، كما في انتقادها الأوضاع الاجتماعية، مثل البطالة والتهميش، بالإضافة إلى انتقاد المجال السياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف الماجري "على الرغم من تراجع انتشار أغاني الراب، مقارنة ببداية الثورة التونسية، وتقلص منسوب النقد فيها، فإن أغاني الراب لم تزل تسيطر على الوسط الفني التونسي لبساطة لحنها وكلماتها".
وتقول فنانة الراب فاتن بن خالد إن انتشار الراب يرجع إلى قربه من الواقع، و"لأنه أكثر صدقاً". وتشير إلى أن الراب هو "صوت الطبقة الكادحة والفقراء والبسطاء". وعن سبب اختيارها الراب، بدلاً من أي نمط موسيقي آخر، تقول بن خالد "وجدت نفسي بعد الثورة أكتب بكل حرية وطلاقة". وتضيف أنها، باللغة العربية، تستمع كثيراً إلى أغاني الراب التونسي، لأنه "الأفضل عربياً والأكثر نضجاً وحرية في التعبير، عند مقارنته بتجارب عربية أخرى".
تراجع الأغنية الوترية
يلاحظ متابعو هذا المجال تراجع الأغنية الوترية، واقتصار العمل فيها على بعض الفنانين الشباب، الذين يجددون بعض أغاني التراث أو يهذبونها. وتعتقد الماجري أن عزوف الشباب التونسي عن الاستماع إلى هذا النوع من الأغاني من أبرز أسباب قلة الإنتاج. وتضيف الماجري أن دور شركات الإنتاج يكاد يكون معدوماً في إنتاج هذا النوع، في حين لا تكلف أغنية الراب صاحبها كثيراً من الأموال، على العكس من الأغنية الوترية، المكلفة من ناحية الكلمات أو الألحان أو التسجيل.
تالياً، أدت الظروف الاقتصادية، وفق الماجري، بالإضافة إلى غياب النص والكلمات وانعدام الدعم وتراجع نسب المشاهدة إلى تراجع الأغنية الوترية، التي لا تعبر، وفق ما يعتقد البعض، عن هموم شباب اليوم مقارنة بأغاني الراب.
في السياق نفسه، يقول الموسيقار عباس المقدم إن كسل الفنانين الشباب اليوم وطموحهم إلى تحقيق شهرة سريعة بأغنية وحيدة هو سبب تراجع الأغنية الوترية. ويأسف المقدم لتراجع دور الفرقة الراشدية في تونس، التي كانت تقدم سهرات شهرية في المالوف التونسي (أحد أنواع الموسيقى في تونس).
مقارنة غير عادلة
يؤكد الفنان التونسي شريف علوي قلة إنتاج الأغنية الوترية مقارنة بإنتاج أغاني الراب والأغاني الشعبية. ويرجع علوي ازدهار إنتاج وتسجيل أغاني الراب إلى قلة تكلفتها، مقارنة بالأغنية الوترية التي تعتمد على آلات موسيقية وتتعدد فيها الاختصاصات، إن كان في تقديم الحفلات أو حتى بالنسبة إلى تسجيلها في الاستوديوات. لكن علوي يستدرك قائلاً إن أحداً لا ينكر أن أغاني الراب تستعمل لغة يعتبرها العديد من الناس قريبة إليهم، مشيراً إلى أنه قدم أغنية راب في ثمانينيات القرن الماضي، لكنها أُعتبرت آنذاك أغنية غريبة بسبب لحنها وكلماتها. أما اليوم، وفق علوي، فنرى أن بعض الفنانين الوتريين يتوجهون إلى أغاني الراب لبضعة اعتبارات، أولها أنهم يعتبرون الراب باباً إلى الشهرة السريعة، و"هذا مخطئ"، بحسب رأيهم.