Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من تصاعد نفوذ إيران والانسحاب الأميركي تدفع للترويج لإقليم سني في العراق

"واشنطن قد تضطر إلى دعمه لقطع الطريق بين طهران وبغداد ودمشق وحزب الله"

يرفعون العلم العراقي في ساحة الحبوبي في مدنية الناصرية بمحافظة ذي قار جنوب البلاد (أ. ف. ب.)

عاد الحديث عن إنشاء "إقليم سني" في العراق إلى الواجهة مرة أخرى، تزامناً مع حالة الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد وتصاعد النفوذ الإيراني فيها، لكن الانقسام حول هذا المشروع لا يزال حاضراً، ففي حين يرى قادة سياسيون من المناطق الغربية أن الإقليم بات ضرورةً مع الحديث عن إخراج القوات الأميركية من البلاد، يرفض آخرون تشكيل أقاليم على أساس طائفي لأن من شأن ذلك أن يسهم في إشعال الصراعات.

وكانت تسريبات تحدثت في وقت سابق عن اجتماعات عقدتها قيادات سنية مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في إمارة دبي، تهدف إلى تكوين إقليم سني، بعد قرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأميركية من البلاد. وأشارت التسريبات إلى أن هذه الحوارات تجري بدعم أميركي وخليجي لمزاحمة النفوذ الإيراني في العراق.
 

رؤى مختلفة للمشروع
 

ويُرجح أن تكون قيادات سنية وجدت فرصة مؤاتية لإعلان قيام سلطة ضمن مناطقها من خلال الإقليم السني المرتقب، للتخلص من نفوذ الفصائل المسلحة على تلك المناطق، في مقابل تطمينات أميركية بالبقاء في تلك المناطق وعدم الانسحاب منها.
واستغلت الفصائل المسلحة الموالية لإيران الحرب على تنظيم "داعش" لفرض سيطرتها على المحافظات ذات الغالبية السنية، والتي تضم طرقاً استراتيجية تربط إيران بسوريا ولبنان، ما قد يثير مخاوف أميركية حول مستقبل تلك المناطق بعد الانسحاب. لكن فكرة تكوين الأقاليم ليست وليدة اللحظة، إذ استمرت قوى سياسية سنية بالترويج لها منذ سنوات معتمدة على مواد في الدستور العراقي.
في المقابل، تعارض أغلب القوى السياسية الشيعية مشروع تكوين إقليم سني، حيث تتهم هذا المشروع بأنه يجري بدفع خارجي يهدف إلى تقسيم العراق ومحاولة أميركية للضغط للإبقاء على القوات الأميركية في البلاد.


محاولة لإعادة الطائفية
 

ويبدو أن هناك أكثر من رؤية لتنفيذ المشروع، حيث يسعى بعض داعميه إلى تشكيل أقاليم إدارية منفصلة في محافظات الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين، تكون مرتبطة بالحكومة في بغداد، في المقابل يدفع آخرون في اتجاه إنشاء إقليم عربي سنّي خالص يضم كل تلك المحافظات، لكن هذا يبدو صعب التحقيق بسبب وجود اعتراضات عدة حوله من قبل قيادات سياسية رئيسية أبرزها رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي.
وفي إطار معارضة تكوين إقليم بطابع طائفي، يرى محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي أن "مشروع الإقليم السني المقترح مؤامرة تستهدف إدخال المناطق المختلطة في دوامة صراعات بظل غياب دولة قادرة على فرض القانون وحماية الجميع". وأضاف أن "الأقاليم الإدارية وتنظيم الصلاحيات شيء مختلف ومطلوب، لكن الأقاليم المذهبية محاولة لإعادة الطائفية والصراعات الداخلية".

 

مشروع تقسيم خارجي
 

وقال الباحث في الشأن السياسي قحطان الخفاجي إن "الحديث عن الإقليم السني غير مرتبط بالظروف الحالية من تصاعد النفوذ الإيراني وتضاؤل التأثير الأميركي، حيث سبقت المطالبة بالإقليم السني تلك التطورات"، واصفاً المشروع بأنه "مشروع خارجي إسرائيلي قديم يهدف إلى تقسيم العراق والمنطقة". وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "الترويج للإقليم السني جاء بدفع خارجي واتخذ من الأزمة الحالية ذريعةً لتمريره في الوقت الراهن للحصول على مكاسب سياسية". وتابع أن "مشروع الإقليم يصطدم بعقبات كثيرة داخلياً وإقليمياً ودولياً"، مبيناً أن "المتغيرات الحالية قد تصب في صالح الوجود الأميركي وفاعليته أمام النفوذ الإيراني ما قد يوقف الحديث عن هذا المشروع".
وعن إمكانية أن توفر حكومة وطنية عراقية مخارج من هذا المشروع، بيّن الخفاجي أن "هذا يُعدّ أحد الحلول الرئيسية لكن إيران لن تستسلم بسهولة لأي ترتيب وطني عراقي، وهناك أطراف سياسية رئيسية تنفذ أجندات إيران في الداخل"، لافتاً إلى أن "تشكيل حكومة عراقية بعيدة من التأثيرات الخارجية بات أمراً صعباً".
 

ضرورة أمام النفوذ الإيراني
 

في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية ياسين البكري إن "الأمر الواقع الذي يُراد فرضه على العراق يثير حفيظة ومخاوف القوى السياسية السنية والمجتمع السني على حد سواء"، مشيراً إلى أن "القضية ممكن أن تدخل في باب الضرورات إذا استمر النفوذ الإيراني بهذا الشكل، وفرضت قضية طرد القوات الأميركية من العراق ما يؤدي إلى إيجاد مبررات لتمرير هذا المشروع والترويج له".
وأوضح أن "السياسيين السنة رقم هامشي في تشكيل الحكومات العراقية والمشاركة في القرار السياسي، ما قد يشكّل دافعاً آخر باتجاه التأكيد على الإقليم السني". ولفت إلى أنه "حتى الأطراف الشعبية تبلورت لديها هذه القضية في فترات سابقة، نظراً إلى عدم تنفيذ كل الوعود في قضية الاشتراك في القرار السياسي وإيجاد دور حقيقي وفاعل لهم في البلاد". وتابع أن "قوى سياسية سنية تعتقد أن تشكيل الإقليم قد يعطيها زخماً وقوة يشبهان زخم القوى السياسية الكردية في بغداد".
وأشار إلى أن "القضية مرتبطة أيضاً بالصراع الأميركي - الإيراني في العراق، وإذا توصلت أميركا إلى نتيجة أن النفوذ الإيراني هيمن بشكل مطلق على القرار السياسي في بغداد، سيضطرون إلى اعتماد هذا المسار لقطع الطريق الرابط بين طهران وبغداد وصولاً إلى دمشق وحزب الله في لبنان". وختم أن "الحكومة الوطنية التي تجمع كل الأطراف قد تكون حلاً لكن هذا الخيار يبدو صعباً وكل المؤشرات لا تشي بالاتجاه نحو تحقيقه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مراهنة خاسرة
 

من جانبه، رأى الباحث في الشؤون الاستراتيجية معن الجبوري أن "مشروع الإقليم السني مطروح منذ فترة طويلة والإشكالية التي يواجهها السياسيون السنة المروِّجون لهذا المشروع هي أن هناك رفضاً من قبل جهات سنية أخرى على أساس الحفاظ على وحدة العراق والنزعة العروبية التي تتمتع بها هذه المناطق، ما يشكل عاملاً معرقلاً لتلك المساعي".
وأوضح أن "الوضع السياسي والأمني المرتبك هو الذي دفع بعض الأطراف إلى اللجوء لطرح هذا المشروع والأخذ في الاعتبار نموذج إقليم كردستان الذي حصل فيه تطور واستقرار". ولفت الجبوري إلى أن "وضع إقليم كردستان له خصوصية ولن يحدث في الإقليم السني المروّج له"، مردفاً أن "صراعاتٍ عدة قد تحصل، منها صراع سني - شيعي حول مناطق محتملة متنازع عليها، وأيضاً صراع مع إقليم كردستان، فضلاً عن دخول القوى السنية في متاهات وصراعات داخلية بين قواها الرئيسية".
وتابع أن "وجود حكومة وطنية تشرك القوى السياسية السنية بشكل فاعل في العملية السياسية قد يؤدي إلى درء هذا المشروع"، مبيناً أن "هيمنة الفصائل المسلحة والأحزاب القريبة من إيران على مناطق سنية شكَّل دافعاً رئيسياً للحديث عن الإقليم السني".
وبيّن أن "الحلقة الأضعف في العملية السياسية هم السنة، وباتوا لا يمثلون قواعدهم وانصهروا أمام القوى الموالية لإيران في محاولة لتقوية نفوذهم السياسي"، مستدركاً أن "المراهنة على الإقليم السني خاسرة".
وأشار إلى أن "مشروع الإقليم السني قد يجر البلاد إلى حرب أهلية لأن العراق غير مؤهل له، ويُفترض أن يكون خيار الإقليم آخر الحلول بعد استنفاد كل الحلول الأخرى".
 

جلسات مستمرة لبحث الإقليم المرتقب
 

في السياق ذاته، كان رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري صرح في لقاء متلفز في 23 يناير (كانون الثاني) إن "السُنة يريدون إقليماً بسبب المحاصصة، وعدم إشراكهم في القرار الحكومي، فضلاً عن انعدام التوافق مع القوى الشيعية"، كاشفاً عن "جلسات مستمرة تتحدث عن الإقليم السني، والأنبار على رأس التنفيذ". ولفت إلى أن "مَن عارض العملية السياسية سابقاً، يريد إقليماً سُنّياً، بحجة عدم استقرار الأوضاع في مدنهم".
وأشار إلى أن "الإقليم السُني خيار دستوري، وأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أفشل إقليمَي ديالى وصلاح الدين على الرغم من وجود موافقات ومخاطبات من القضاء العراقي، كما أفشلته قوى سياسية تسمي نفسها معارِضة".
في المقابل، قال النائب عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي في تصريحات صحافية نُشرت في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، إن "خطوات عملية بدأت نحو تشكيل إقليم الأنبار، وتم الشروع بالعمل واتخذت الإجراءات الحقيقية مع فرق عمل تشمل الأحزاب والمنظمات والعشائر". وتابع أن "التجاهل الحكومي للمحافظات السنية والرغبة الجامحة في تطبيق فكرة الدكتاتورية على مكوِّن معين، من الأسباب الرئيسية التي دفعت القوى السياسية للمضي نحو تأسيس إقليم الأنبار".
وأشار إلى أن "فكرة إقليم الأنبار تأتي بعد النجاح الذي حققه إقليم كردستان طوال السنوات الماضية"، مبيناً أن "الأقاليم حالة دستورية متطورة، وأغلب دول العالم تعتمد عليها في توزيع الصلاحيات وتخفيف العبء عن المركز".

المزيد من العالم العربي