Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد "بريكست"... 15 دولة تنادي بإقرار "سريع" للموازنة الأوروبية

لن يقود الانفصال نحو تغييرات كبيرة ملموسة قبل انتهاء الفترة الانتقالية

بدأت بريطانيا اليوم السبت 1 فبراير (شباط)، فصلاً جديداً في مسيرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ودخلت في مرحلة انتقالية مدتها أحد عشر شهراً، تمهيداً لإبرام اتفاق نهائي مع الاتحاد يحدد شكل العلاقات المستقبلية مع بروكسل، بما يعزز مصلحة الطرفين.

واعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خروج بلاده من الاتحاد "بداية فجر جديد" وأبلغ مجلس وزرائه أن العمل سيبدأ على الفور للتفاوض على اتفاقيات جديدة للتجارة.

وغداة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أكدت 15 دولة من جنوب ووسط وشرق أوروبا، شاركت السبت في قمة "أصدقاء التماسك" في مدينة باجة في البرتغال، ضرورة التوصل سريعاً إلى اتفاق حول الموازنة الأوروبية المقبلة.

ووقعت بلغاريا وجمهورية تشيكيا وقبرص وإستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ولاتفيا ومالطا وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وإسبانيا البيان الختامي للقمة، التي عُقدت غداة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال رئيس الحكومة البرتغالي أنطونيو كوستا خلال مؤتمر صحافي عقب النقاشات "من الملح التوصل لاتفاق حول الموازنة الأوروبية المقبلة، وقد أظهرت الدول الأعضاء المجتمعة اليوم رغبتها القوية في إبرام اتفاق نهائي في 20 فبراير".

قمة "أصدقاء التماسك"

وتأتي قمة "أصدقاء التماسك" قبل ثلاثة أسابيع من قمة استثنائية دعا إليها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال لمحاولة إقرار موازنة الاتحاد الأوروبي للفترة الممتدة بين 2021 و2027.

وأضاف كوستا "يجب التأكيد أكثر من أي وقت مضى على تماسك الاتحاد الأوروبي الذي صار أكثر هشاشة بخروج بريطانيا منه".

وتخشى الدول الـ17 من أن يتضمن الاتفاق المقبل تخفيضات كبيرة في الموازنة، تفاقمها مغادرة لندن للاتحاد.

وعلى الرغم من حضورهما القمة، فضلت كرواتيا الحفاظ على حيادها لترؤسها حالياً مجلس الاتحاد الأوروبي، ولم توقع إيطاليا البيان الختامي.

ويجتمع "أصدقاء التماسك" للمرة الثالثة بعد قمة أولى عُقدت في براتيسلافا نهاية عام 2018 وقمة ثانية عُقدت في براغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

فشل ذريع للاتحاد الأوروبي

وتعليقاً على الانفصال، اعتبرت زعيمة التجمع الوطني اليميني الفرنسي مارين لوبان أن "بريكست" هو بمثابة فشل ذريع للاتحاد الأوروبي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن لوبان قولها خلال مؤتمر صحافي، إن "بريطانيا استعادت أخيراً حريتها، لكن يبقى هذا فشلاً ذريعاً للاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى ضرورة أن يتحول إلى تحالف بين الأمم الأوروبية.

وعاش البريطانيون ليلة تاريخية مساء الجمعة، حين خرج الملايين من أنصار الانفصال عن بروكسل إلى الشوارع، احتفالاً بالخروج الذي فتح صفحة جديدة في تاريخ بريطانيا.

وفي الساعة 11 من ليل الجمعة في لندن، احتشد الآلاف من مؤيّدي "بريكست" أمام مبنى البرلمان، حيث احتفلوا على وقع التصفيق والنشيد الوطني بخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي.

وردّد مؤيّدو "بريكست"، الذين رفعوا الأعلام البريطانية والإنجليزية، كلمات النشيد الوطني "ليحفظ الله الملكة"، التي عرضت أمامهم على شاشة عملاقة، قبل أن يطلقوا العنان للألعاب النارية.

صفحة جديدة

وبخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تنهي 47 عاماً من العلاقة الصاخبة بين لندن وبروكسل، مفتتحة بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من المفاوضات الشاقّة، صفحةً جديدة من تاريخها.

وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وجّه قبل ساعة واحدة من الانفصال، خطاباً إلى الأمّة أكّد فيه أنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي "ليس النهاية، بل بداية فصل جديد من مسيرتنا الوطنيّة الكبرى".

وقال جونسون، الذي وعد ووفى بتحقيق "بريكست" بعد طول تأجيل، "أيّاً تكُن العقبات على الطريق، أنا أعلم أنّنا سننجح"، مشدّداً على أنّ "بريكست" سيُشكّل "نجاحاً باهراً"، في وقت تستعدّ بلاده لبدء مفاوضات صعبة مع الاتّحاد الأوروبي بشأن علاقتهما التجاريّة المستقبليّة.

وأضاف "نريد أن تكون هذه بداية عهد جديد من التعاون الودّي بين الاتّحاد الأوروبي وبريطانيا المفعمة بالطاقة".

وعد بومبيو وأسف ماكرون

وعد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الجمعة، فور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتعزيز العلاقات الثنائية بين واشنطن ولندن.

وقال بومبيو، في تغريدة، "سنواصل تعزيز علاقاتنا القوية والمثمرة والمزدهرة أصلاً مع بريطانيا، في الوقت الذي تفتح صفحة جديدة" من تاريخها.

لكن، من بروكسل إلى برلين، مروراً بباريس، عبَّر القادة الأوروبيون عن أسفهم. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنّه "مؤشّر إنذار تاريخي يجب أن يدفعنا إلى التفكير".

وكتب ماكرون في رسالة إلى البريطانيين محذراً "لا يمكننا أن نسمح بمنافسة ضارة بيننا". وأضاف "أنتم تغادرون الاتحاد الأوروبي، لكن لا تغادرون أوروبا. لا تنفصلون لا عن فرنسا ولا عن صداقة شعبها"، مؤكداً أن "بحر المانش لم ينجح في الفصل بين مصائرنا، وبريكست لن يتمكن من ذلك أيضاً".

واعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنّ بريكست يمثّل "تغييراً جذرياً" للاتحاد الأوروبي، وفق ما نقل عنها المتحدث باسم الحكومة شتيفان سيبرت في مؤتمر صحافي.

وعبّر سيبرت أيضاً عن رغبة برلين في أن تبقى المملكة المتحدة "شريكاً وثيقاً وحليفاً"، مضيفاً "نأسف (لبريكست)، ونعتقد أن غالبية الشعب الألماني يشعر بالأسف أيضاً، لكننا نحترم قرار الشعب البريطاني".

وفي إيرلندا الشمالية، رُفعت لافتة كتب عليها "هذه الجزيرة ترفض بريكست". وقال دكلان فيرون المسؤول في حركة "الشعوب الحدودية ضد بريكست"، أمام البرلمان في بلفاست، "نشعر بالحزن للخروج من الاتحاد وخسارة حقوقنا" بسبب حكومة "يمينية التوجه لا تكترث لما يحصل هنا".

وفي أسكتلندا، قالت رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن إنّه "وقت حزين جداً تُواكبه مشاعر غضب". وأكّدت تصميمها على المضيّ قدماً في تنظيم استفتاء على الاستقلال، على الرغم من رفض لندن.

المستقبل البريطاني

على الرغم من تاريخيّة هذا اليوم، إلا أنّه لن يَقود فوراً نحو تغييرات كبيرة ملموسة. فلكي يتمّ الانفصال بسلاسة، ستُواصل المملكة المتّحدة تطبيق النظم الأوروبية، من دون أن تشارك في قرارات الاتّحاد طيلة الفترة الانتقاليّة الممتدّة حتّى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ولن تكون هذه النهاية سوى بداية فصل ثان من مسلسل "بريكست" الطويل، الذي يتمثّل في المفاوضات المعقدة حول العلاقات التي ستربط لندن وبروكسل في مجالات التجارة والأمن، أو حتى الصيد.

وترغب لندن في الانتهاء من ذلك خلال وقت قياسي، قبل نهاية العام، وترفض أي تمديد للمرحلة الانتقالية إلى ما بعد 2020. وتعتبر بروكسل أنّ مهلة كهذه ضيقة جداً.

وتسعى الحكومة البريطانية إلى أن تكون 80 في المئة من مبادلاتها بموجب اتفاقات للتبادل الحر خلال السنوات الثلاث المقبلة. وستتمكن البلاد اعتباراً من السبت، من بدء مفاوضات مع دول أخرى كالولايات المتحدة، بعدما وعد الرئيس دونالد ترمب، قبل أشهر، باتفاق "رائع".

وسبق لرئيس الوزراء البريطاني، الذي سيقدّم رؤيته التفصيلية في بداية الأسبوع المقبل، أن أعلن بوضوح أنّه يرغب في التوصل إلى اتفاق تبادل حر على غرار الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وكندا، لا يشترط أن يكون متوائماً مع قواعد الاتحاد الأوروبي إضافة إلى رفض الضوابط الجمركية، بحسب وسائل الإعلام.

في المقابل، ثمة من يخشى في بروكسل من الوصول إلى منافسة غير عادلة. وحذّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي (رؤساء المجلس والمفوضية والبرلمان) في مقال نشر في الصحافة الأوروبية، من أنّه "في غياب شروط عادلة في مجالات البيئة والعمل والنظام الضريبي ومِنح الدولة، لا يمكن أن تكون ثمة فرص واسعة للوصول إلى السوق الموحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالوا "لا يمكننا الحفاظ على المكتسبات المنشودة من العضوية حين نفقد هذه الصفة".

وحذر رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فرادكار من "تهديد وجودي" على الاقتصاد الإيرلندي في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد "بريكست".

على أن تحويل "بريكست" إلى واقع ملموس يمثل انتصاراً لجونسون، الذي نجح حيث فشلت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، التي خاضت مفاوضات طويلة وصعبة مع الاتحاد الأوروبي ولم تتمكن من إقناع البرلمان بتمرير الاتفاق.

وبعدما أعاد التفاوض على النص في الخريف مع بروكسل، تمكن رئيس بلدية لندن السابق من تمريره في البرلمان في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد حصوله على غالبية برلمانية قوية، قبل أن يصادق عليه البرلمان الأوروبي أيضاً.

قبل جونسون

لكن جونسون، الذي سيُسجل خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي خلال فترة حكمه، لم يكن وحده المؤثر في إطلاق هذه العملية. إذ هناك شخصيات سياسية أخرى أثرت في مسار "بريكست"، قبل دخوله حيز التنفيذ، الجمعة.

والحال أن هذا المسار، الذي استمر سنوات، أطلق خلال ولاية ديفيد كاميرون، الذي ترأس الحكومة منذ عام 2010 إلى 2016. وعلى الرغم من معارضته الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه أمر بإجراء استفتاء حول هذه المسألة، عام 2016، أملاً في تهدئة أصوات المشككين في الاتحاد داخل حزبه المحافظين، والتصدي لصعود الحراك المناهض لأوروبا والمهاجرين "يوكيب" (حزب استقلال المملكة المتحدة) برئاسة نايجل فاراج.

وبعدما خاض حملته السابقة للاستفتاء إلى جانب المؤيدين للبقاء، لم يكن أمامه سوى الاستقالة غداة تأييد 52 في المئة من البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي. واعتزل كاميرون الحياة السياسية بعد ذلك، معرباً عن ندمه، لكن رافضاً تحمل مسؤولية "كل ما تلى" الاستفتاء من أزمات.

تولت تيريزا ماي، المشككة في المؤسسات الأوروبية لكن المؤيدة في الوقت نفسه للبقاء فيه، رئاسة الحكومة خلفاً لكاميرون. وواجهت ماي انتقادات لإطلاقها إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي مبكراً جداً في 29 مارس (آذار) 2019، والتي كان يفترض أن تنتهي بعد عامين من ذلك. ورغبة منها في تعزيز سلطتها قبل المفاوضات مع بروكسل، دعت ماي إلى انتخابات نيابية مبكرة خسر فيها حزب المحافظين غالبيته لتضطر إلى التحالف مع الحزب الإيرلندي الوحدوي الصغير لتحافظ على غالبيتها.

رفض البرلمان ثلاث مرات اتفاق الخروج الذي تفاوضت عليه ماي مع بروكسل. وأعلنت بعد ذلك استقالتها في 24 مايو (أيار) 2019، غداة انتخابات أوروبية كانت مترددة في تنظيمها.

وبين كاميرون وماي، وخلال ولايتيهما، كان نايجل فاراج، التاجر البالغ من العمر 55 سنة والمثير للجدل، المنادي الدؤوب بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وهو عاد إلى الواجهة من جديد بعد الأزمة السياسية التي تلت الاستفتاء، ليرأس في أبريل (نيسان) 2019 حزب "بريسكت"، الذي تصدر الانتخابات الأوروبية بعد شهرين. وعلى الرغم من انتخابه نائباً أوروبياً عن اتحاد أوروبي لا يريده، أخفق فاراج بالفوز في الانتخابات التشريعية البريطانية.

ومساء الجمعة، حين كان فاراج يقود الاحتفالات الجماهيرية أمام مبنى البرلمان، قال إنّ "هذه أهم لحظة في التاريخ الحديث" للمملكة المتحدة، مضيفاً على وقع تصفيق شديد "لقد فعلناها... لقد انتصرت الديموقراطية".

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات