الانتفاضة اللبنانية مستمرة بقوة، وتنادى المتظاهرون إلى التجمّع في أماكن عدة في العاصمة بيروت، والتظاهر أمام جمعية المصارف، وساحة الشهداء، ووسط بيروت، ومن ثمّ الالتقاء في ساحة رياض الصلح، على بعد أمتار من مقر الحكومة اللبنانية، حيث تواصل لجنة صياغة البيان الوزاري اجتماعاتها.
وعملت القوى الأمنية المولجة حماية السراي الحكومية على مواجهة المتظاهرين بخراطيم المياه في محاولة لتفريقهم بعد نجاحهم في إزالة الأسلاك الشائكة التي تفصل ساحة رياض الصلح عن السراي، ورشقهم عناصر القوى الأمنية بالمفرقعات والحجارة.
وقالت قوى الأمن الداخلي في المقابل، إن أفرادها تعرضوا لأعمال اعتداء وشغب، وطلبت من المتظاهرين مغادرة ساحة رياض الصلح حفاظاً على سلامتهم.
الشماليون حاضرون في الساحات
ومن بيروت إلى شمال لبنان، حيث يساعد أبناء طرابلس ثوار بيروت وسائر المناطق، إذ إنه وبعد 100 يوم مضت، ما زال الشماليون حاضرين بقوة في كل الساحات المنتفضة في لبنان، وهم يعبرون في كل يوم عن إيمانهم بالتغيير التام وضرورة استمرار التحرّكات الشعبية.
وفي الأيام القليلة الماضية، وجّهت السلطة اتهامات إلى ناشطين جاؤوا من الشمال، وأسهموا في انتقال انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى حقبة العنف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إعادة قراءة
في أعقاب أحداث العنف التي شهدها وسط بيروت، بدأت جهات عديدة في الساحة الطرابلسية بإعادة قراءة لما جرى. ويلاحظ وجود موقفين، الأول ينظر إلى "العنف الثوري" على أنه وسيلة للضغط على السلطة القائمة، التي لم تقدّم أي تنازل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ففي عُرف هؤلاء، نحن أمام "عنف مشروع" لإيصال الرسالة الرافضة تشكيل حكومة المحاصصة، ورفع الصوت ضد تجاهل المطالب الشعبية.
في المقابل، تحظى السلمية بتأييد شريحة كبيرة من الانتفاضة الطرابلسية التي نجحت في تقديم نموذج للثورة السلمية في بلدٍ تعددي، ولا يتأخر هؤلاء في التشكيك بنيات "الحراك العنيف"، لأنه المدخل إلى شيطنة الانتفاضة وضرب أبعادها الوطنية الجامعة، لذلك لا بد من الاستمرار في الساحات، والمطالبة بإسقاط النظام والمركزية الظالمة.
جاذبية بيروت المركزية
وخلال الأيام الماضية، برزت تساؤلات حول هؤلاء الذين ينتقلون من الشمال إلى بيروت بالحافلات، وتصاعدت الاتهامات بشأن تمويل التحركات العنفية في قلب العاصمة، واستقدام الفقراء من مناطق الأطراف.
ولم يتخلّف الناشط في حركة المحرومين ربيع زين عن الرد أمام وابل الاتهامات والتكهنات، وأعلن الجهات الممولة التي يتقدمها "الرفاق في حزب سبعة، والناشط إ. بو فخر"، ويؤكد الناشطون أنهم يؤمّنون الباصات لمن يحب التوجه إلى بيروت، فهي توزّع في بعض زوايا ساحة النور (طرابلس)، ويستقلها الراغبون في التظاهر أمام البرلمان.
"سبعة" في الهجوم
ويقر "حزب سبعة" بدوره في تمويل الباصات المقبلة من الشمال ومناطق القضاء، ويؤكد علاء حسين مسؤول قضاء طرابلس في الحزب، أنهم يغطون أجرة الباصات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ويسخر ممن يهاجمون الحزب لمساعدة الناس في المشاركة بالتحركات في وجه السلطة.
ويعتبر علاء حسين أن استخدام المفرقعات والحجارة "لا يُخالف السلمية"، وهو موجه إلى السلطة وليس ضد الممتلكات الخاصة. ويتساءل عن مدى سلمية استخدام الرصاص المطاطي، والغازات المسيلة للدموع، والماء المخلوط بالأسيد، ونهب الناس.
ويعتقد حسين أن حكومة حسّان دياب "لا تمثل الشرائح الشعبية"، لذلك لا يتخوّف من الحديث عن صدامات بين شارعين، لأن المواجهة اليوم بين شعب موجوع وسلطة حاكمة منذ 40 سنة، وأدّت سياساتها إلى الانهيار وإفقار الناس. ويتحدث حسين أن الاستغلال الحقيقي ممن يستغل الفقراء من أنصار الأحزاب، ويدفعهم إلى الاعتداء على أهلهم المنتفضين.
"سناء" الثورة
ولم تقتصر المشاركات الشمالية على الذكور، إنما تجاوزتها إلى مشاركة نسوية واضحة، ومن بين هؤلاء برزت اندفاعة الشابة "سناء الشيخ"، وهي الفتاة التي اشتهرت بصعودها إلى أعلى البوابة الحديدية التي ثبتتها قوات مكافحة الشغب عند مدخل ساحة النجمة. وعلى الرغم من تعرضها للضرب، عادت في اليوم الثاني إلى الساحة، وانتصبت كتمثال الحرية في مواجهة خراطيم المياه، حاملة العلم اللبناني.
ولمن لا يعرف سناء، فهي مدربة كرة قدم وحكم، ومالكة أكاديمية سناء ستار لكرة القدم. توجد سناء حالياً في المستشفى الحكومي في طرابلس بسبب الالتهابات الناتجة عن الغاز المسيل للدموع، وإصابتها برصاص مطاطي في الظهر. وتضع ما قامت به في خانة الواجب الوطني، وتستغرب الهجمة على مشاركة الشماليين في التظاهرات أمام البرلمان، وتؤكد أن بيروت عاصمة لبنان، ومن حق كل مواطن الوجود هناك للمطالبة بحقه من السلطة التي أفقرت الشعب اللبناني، ونهبت أمواله، وحرمته من حقوقه الأساسية.
وتجزم سناء أنها ستعود إلى ساحة النجمة (مجلس النواب) فور تماثلها للشفاء، وتضع في رأس قائمة أهدافها "خلع النواب الذين نهبوا الشعب اللبناني"، وإسقاط تركيبة السلطة الحاكمة، بدءاً من رأس الهرم وصولاً إلى نواب المنطقة. وتلفت إلى أن الانتفاضة سلمية، وأن العنف المحدود الذي حدث هو جزء من العمل النضالي والمواجهة مع السلطة التي تتجاهل مطالب المواطن اللبناني، وأوجاعه. كما تعتقد أن المرأة الطرابلسية شريكة في انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وقدمت صورة مميزة عن المشاركة في التحركات الشعبية والإصرار على المطالب.
عكار والضنية في الساحة
ولم تقتصر المجموعات المشاركة على تلك المقبلة من طرابلس، إنما تجاوزتها إلى ثوار عكار، وحراك الضنية (شمال لبنان)، ويؤكد هؤلاء أن تمويل الباصات جاء نتيجة جهد شخصي، وتبرعات من الناشطين أنفسهم. ويؤكد الناشط خالد رعد، أن هناك إعادة نظر في التحركات أمام البرلمان، لأنها انحدرت نحو العنف، وأسهمت باستهداف الانتفاضة، كما أنه لا يمكن الاستمرار في التظاهر يومياً في بيروت، لأن التحرّكات المتكررة تفقد تأثيرها، وقد تشق الصف، لأن الحشود السلمية المليونية أشد تأثيراً من التحركات العنفية.
من جهته، يؤكد الناشط خالد الزعبي رفضه العنف الثوري، الذي يستهدف الأملاك العامة، إلا أنه يؤيد الضغط للوصول إلى مجلس النواب، ويعتبر أن الانتفاضة احتاجت 100 يوم لإسقاط الحكومة السياسية، وهناك حاجة ربما إلى 100 أخرى لإسقاط الفساد، رافضاً الحديث عن زج شارع مقابل شارع، لأن الثورة ممتدة من أقصى الشمال إلى النبطية والجنوب.
ساحة النور حيّة
وأدّى التظاهر المركّز أمام البرلمان إلى تخفيف وجه ساحة النور، لذلك دعا عدد كبير من الناشطين ومجموعات طرابلس إلى إحياء مئوية الانتفاضة في قلب عاصمة الشمال.
وبرزت دعوة حراس المدينة إلى مسيرة سلمية تحت عنوان "الغليان"، ووضع الحراس تحركهم تحت إطار "الحداد على ضمير الطبقة السياسية في لبنان"، من هنا كان التشديد على ارتداء المشاركين الملابس الداكنة، وأكدت المسيرة السلمية استمرار الثورة ورفع شعار "مكملين"، إلى حين "إسقاط العهد". كما يتمسّك ناشطو المجتمع المدني في مركزية طرابلس، ويلفت المهندس يحيى مولود إلى أن "طرابلس أثبتت خلال 100 يوم قدرتها في رفع شعار الدولة المدنية، ونبذ الطائفية وعدم الانجرار وراء الطروح المذهبية على الرغم من سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري".
ويعتقد مولود أن طرابلس كسرت الصورة النمطية من خلال التحركات الشعبية السلمية. ويدعو المنتفضين إلى التحرّك لمنع جلسة منح الثقة للحكومة، كما منع سابقاً الجلسة غير الدستورية لمجلس النواب. ويضع التحرك في طرابلس على أن المئوية تأكيد على عدم مذهبية التحركات الشعبية، في هذه المدينة التي نبذت نوابها ووجوه السلطة الحاكمة.