Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهي مؤتمر برلين المسار الدائري للأزمة الليبية؟

الجانب الإيجابي أن الاجتماع عكس توافقاً دولياً أكبر على وجهة نظر مضادة للمشروع التركي

حوار جانبي بين بعض رؤساء الدول المشاركة بمؤتمر برلين حول نقاط خلافية (أ.ف.ب.)

البيانُ الختاميّ لمؤتمر برلين الذي عُقد منذ أيام يتضمن بعض التطورات المُهمة في أدبيات ومخرجات المؤتمرات الدولية السابقة بشأن ليبيا، ونحن هنا لا نقارن ببعض نتائج مؤتمرات إقليمية سابقة عُقدت منذ أعوام، ولم تتمكّن من فرض إرادتها.

ربما يأتي أهم هذه الإيجابيات في دعوة جميع الأطراف أن تعلن انفصالها عن أي جماعة إرهابية مُدرجة في قائمة الأمم المتحدة، كما يشير إلى قرار مجلس الأمن رقم 2368، وكذا القرارات ذات الصلة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" والأفراد والجماعات المُصنّفة إرهابية، والإضافة المهمة تتعلق بإنشاء لجنة فنية فوراً لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار وفرض عقوبات ملائمة على من يثبت انتهاكه ومخالفته ترتيبات القرار.

ومن ناحية أخرى، فإن أغلب بنود البيان الختامي الأخرى سبق طرحها في أغلب وثائق الأزمة الليبية مثل محورية دور الأمم المتحدة ومبعوثها، والالتزام الكامل بحظر تصدير السلاح، وحتى مسألة تسريح أفراد الجماعات المسلحة ودمج من يصلح منها في المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية هي أمور ترددت في كثيرٍ من الوثائق الدولية بهذا الصدد.

 

سمات الأزمة الليبية

وقبل أن نستكمل تحليل فرص وتحديات هذا المؤتمر، وما إذا كان سيشكل فارقاً، ربما يكون من المهم إلقاء بعض الضوء على سمات الأزمة الليبية، وبعضها مشترك في بعض حالات الصراع الإقليمي، وهو ما يمكن أن نُطلق عليه المسار الدائري للأزمة، ونقصد به أنه يتطور في إطار شبه دائري، وكلما تحققت بعض الانفراجات فيه انتكس مرة أخرى، وانتقل إلى طورٍ جديدٍ من التعقّد عائداً إلى شكل دائري. وفي الواقع إن إبراز هذه الظاهرة مهمٌ لتقدير ما إذا كانت ستنتقل من حالة إدارة صراع إلى حالة تسوية.

"الصخيرات"... عملية سياسية ملتبسة

ومن المؤكد أن ليبيا تقدم نموذجاً مذهلاً لكيفية تحوّل عملية سياسية اعتبرت محاولة للتسوية إلى مصدرٍ للالتباس، وتعقّد هذا النزاع، فقبل ذلك كانت الميليشيات المتطرفة فرضت سيطرتها على أغلب البلاد بفضل الدعم التركي-القطري، وتواطؤ أطراف دولية أرادت اختبار فرضية أن السماح بالإسلام السياسي ربما يؤدي إلى استقرار هذه الدولة، وبالطبع كان ما حدث هو العكس تماماً، حتى شهد عام 2014 تطورين مهمين، الأول انتخابات مجلس النواب التي أفرزت برلماناً، غالبيته من التيار المدني، والثاني ظهور حركة القائد العسكري خليفة حفتر المسماة بـ"الكرامة"، وبدلاً من أن يفرض هذا واقعاً ليبياً جديداً، تم فرض عملية سياسية ملتبسة، أزعم أن المستقبل سيعتبرها (أي اتفاق الصخيرات) أحد أبرز حالات تشوّه التسويات في التاريخ، لتدخل الحالة الليبية إلى تعقّد غير مسبوق، ولتعطي الفرصة للتنظيمات المتشددة أن تنطوي تحت حكومة الوفاق المُعترف بها دولياً، وتصبح عملية التسوية نقلة نوعية في تعقيد الصراع، وتستكمل المسار الدائري لهذه الأزمة.

اتفاق تركيا والسراج... تصعيد خطير

وما حدث من تصعيدٍ خطيرٍ في الأسابيع الأخيرة نتاج الاتفاق التركي مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج كان نقلة نوعية ونتيجة منطقية لتداعيات الصراع الإقليمي وتداعياته على مسار الأزمة الليبية التي انتقلت بالضرورة بعد هزيمة تركيا وانسحابها التدريجي من سوريا إلى آخر وأكبر محطات معركة فرض الإسلام السياسي في المنطقة.

مهمٌ أيضاً التفهّم الكامل لأسباب هذه السمة، لكي يمكن للحسابات السياسية أن تقدّر إمكانات الخروج من دائرة الأزمة، أول هذه الأسباب هو ما أشرنا إليه في تفسير التحرّك التركي، وهي أنها تعتبر ليبيا الآن أكبر ساحات الدفاع عن مشروع الإسلام السياسي، وهنا من المهم ربط ذلك أيضاً بالمشروع التركي للنفوذ والحضور الإقليمي، وثانيها كثرة اللاعبين الدوليين والإقليميين بشكل كبير، ربما يفوق مثلاً عدد اللاعبين في ساحة الصراع السورية، وثالثها طبيعة الدور الأميركي المُلتبس الذي فقد كثيراً من قدرته على التأثير، فأصبح يميل إلى الغموض  والاكتفاء بالفيتو أو القدرة على التعويق، ورابعها نمط الاستراتيجية الروسية التي أصبحت اللاعب الأكثر تأثيراً في المنطقة، لكنها تمارس إدارة الصراع بأكبر قدرٍ ممكن من "الميكافيلية"، وكأنها لعبة شطرنج، فهي تكاد تبدو مشجعة وحريصة على تركيا في ليبيا والمنطقة في وقت هي أشد الأطراف الدولية عداءً لمشروع الإسلام السياسي التركي، لكنها فضلاً عن مصالحها الاقتصادية مع تركيا تريد من هذه الفزاعة التركية دوراً في إنهاك خصومها الغربيين، وإخراجهم من هذه الساحة الليبية. عموماً أظن أيضاً أن هذه الاستراتيجية الروسية الشبيهة بالروليت الروسي هي حالة فريدة بدورها.

مؤتمر برلين... فرصة مهمة

في ظل هذا المسار الدائري للأزمة، علينا أن نتذكّر أن مؤتمر برلين كان مطروحاً منذ فترة، بعد أن تبلورت التحالفات والعداءات، وأصبحت هناك حاجة إلى طرفٍ دوليّ مهمٍ، بدا قريباً من الحياد أو عدم التدخل في الشأن الليبي، ومع تجمّد المواجهة العسكرية حول طرابلس، رغم أن الجيش الليبي سيطر فعلياً على أغلب البلاد، وكذا مع احتداد الأزمة التي سببها الاتفاق التركي مع السراج، واتساع المعارضة الدولية والإقليمية والداخلية في ليبيا، يأتي هذا المؤتمر ليقدم فرصةً مهمةً تستحق التناول الهادئ، وكذا الوقت لمعرفة ما ستسير عليه الأمور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الإشكال في الوضع الليبي أن السراج وقوى الإخوان المسلمين متحالفون مع القاعدة وداعش، ولولا وجود هذه العناصر لما تأخّر حسم معركة طرابس، وأنَّ ما يتصوّره البعض كقوى معتدلة سواء من الإسلام السياسي أو من فقط المعادين حفتر تشابكت مصالحهم بشدة مع داعش والقاعدة، والمثير للانتباه كيف سيتصرف أردوغان لتنفيذ بيان شارك في الموافقة عليه، بينما هو الطرف الرئيس الذي نقل هذه الميليشيات من الجبهة السورية إلى تلك الليبية؟ وما نجح في تحقيقه أنَّه وسّع من دائرة الرفض الأوروبي ضده.

أسلحة داعش والقاعدة

وإذا انتقلنا إلى مخرجات برلين وأهمها اللجنة الفنية العسكرية التي اعتبرناها إيجابية، فلا أعرف في الحقيقة كيف ستتحوّل عناصر داعش والقاعدة إلى تسليم سلاحها للجنة فنية من دون أن تقاتلها، وهنا فالمعلومات التي خرجت حتى الآن من الجيش الليبي أنه متجاوبٌ مع أعداد هذه اللجنة، مع الاستمرار في مواقعه حول العاصمة واحترام وقف إطلاق النار، لكن الصعوبة هي كيف سيشكّل السراج فريقه الخماسي في هذه اللجنة، وغالبية قياداته من داعش والقاعدة، وإذا نجح في هذا وتمكّن من تشكيل لجنة يقبلها الطرف الآخر والمجتمع الدولي، وهو مستبعدٌ، فكيف ستتمكن كما سبق من نزع سلاح عناصر داعش التي لن تقابلها بالأحضان؟

ربما كان دخول قوات دولية لتنفيذ هذه الإجراءات، التي ستكون بالطبع باستخدام القوة، هو بداية القفز من دائرة الأزمة إلى دائرة التسوية الحقيقية، لكن المبعوث الأممي غسان سلامة كان واضحاً في استبعاد هذا سواء من توقع عدم قبول ليبي أو من عدم وجود أطراف دولية مستعدة لهذا، رغم أن بعض التصريحات الأوروبية تطرح هذا الاحتمال، الذي لو كان قد نتج عن المؤتمر ربما عندئذ سيصبح هذا تطوراً حقيقياً في مسار الأمور.

توافق دولي ضد المشروع التركي

تصريحات السراج، الذي خسر كثيراً بالورقة التركية، بعد المؤتمر، فضلاً عن أنه كما سبق لا توجد إذاً آلية حقيقية لبدء عملية سياسية حقيقية، يضاف إلى ذلك أن العوامل الأربعة التي ذكرتها بشأن هذه الأزمة لم يطرأ عليها جديدٌ بعدُ إلا من تزايد القلق الدولي والإقليمي من الشطحات والسلوك التركي، وكلها أمور لا تبشِّر بالكثير، إلا أنه في الجانب الإيجابي أيضاً أن المؤتمر عكس توافقاً دولياً أكبر على وجهة نظر مضادة للمشروع التركي، وفي صالح موقف  خاطب بوضوح موضوع الميليشيات المسلَّحة بقدر أكبر من التبلور، لهذا ربما علينا أن ننتظر بعض الوقت لمراقبة كيفية تنفيذ هذه الالتزامات.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي