Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حيرة في السوق المصرية مع الارتفاع "الطفيف" لصرف العملة المحلية

مصرفيون وخبراء: الارتفاع طبيعي نتيجة تحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري... وتوقعات باستقرار سعر الصرف ارتفاعا وانخفاضا عند حاجز الـ2% خلال الشهور المقبلة

لا يزال الارتفاع المفاجئ للجنيه المصري أمام الدولار، بنحو 2% يثير حيرة المتعاملين والمستثمرين في ظل تباين آراء وتوقعات المصرفيين والخبراء بشأن استمرار الارتفاع أم معاودة الهبوط مجددا لسعر صرف العملة المحلية.

ففي الوقت الذى أرجع فيه محللون ومصرفيون صعود قيمة الجنيه المصري، إلى تحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، وعودة زيادة نسبة التدفقات الأجنبية المباشرة في أذون الدين، توقع آخرون أن تكون ظاهرة الصعود "مؤقتة"، مشيرين في الوقت ذاته إلى استقرار سعر الصرف لشهور مقبلة بين الصعود والهبوط عند حاجز الـ2%، ونفوا أن يكون هناك تدخل من البنك المركزي المصري لتحريك سعر العملة بعد استقرارها عند حاجز 17.75 لنحو عام.

وخلال الأيام الأخيرة سجل الدولار الأميركي انخفاضا بنسبة 2% حتي وصل لحاجز 17.50 جنيه للشراء و17.63 للبيع، وذلك في  أقوى مستوى للجنيه مقابل العملة الأميركية منذ مايو 2018 وفقا لبيانات "رفينيتيف أيكون".

ارتفاع "مُدار" من البنك المركزي أم "طبيعي" ؟

 

في الوقت الذي أعرب فيه مسؤول مصرفي لـ"اندبندنت عربية"، عن قلقه مما سماه  "ارتفاع مفاجئ للجنيه المصري أمام سعر الدولار" في الأسابيع الأخيرة وبالتوازي مع "خفض مفاجئ" لسعر الفائدة بمقدار 1%، مرجعا الأمر إلى أنه "ليس له أي علاقة بالعرض والطلب"، نفى ثلاثة مصادر أخرى، ومسؤول حكومي لـ"اندبندنت عربية" أن يكون البنك المركزي قد تدخل في رفع سعر الجنيه أمام الدولار، معتبرين أنها نتاج حركة طبيعية ومتوقعة لتحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، لا سيما في قطاعات السياحة وزيادة التدفقات الأجنبية المباشرة، فضلا عن تحسن الموقف المصري في قطاع الغاز واستغنائها تدريجيا عن استيراده من الخارج، ما دفع إلى توفير مليارات الدولارات.

والخميس الماضي، أعلن البنك المركزي المصري في بيان أنه خفض سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 15.75% من 16.75%، وسعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة إلى 16.75% من 17.7%. مشيرا إلى أن لجنة السياسة النقدية اتخذت القرار بعد نشر بيانات تؤكد "احتواء الضغوط التضخمية"، وأنه في ضوء هذا "قررت لجنة السياسة النقدية خفض أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس".

وذكر المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، "قد نرى مزيدا من الارتفاع للعملة المحلية خلال الفترة المقبلة"، مضيفاً أن ما يرجح معاودته في الهبوط "اقتراب سداد الحكومة المصرية التزامات دولارية ضخمة لقروض أجنبية خلال السنة الحالية، فضلا عن أن هناك التزامات على البنوك العاملة بمصر بالعملة الصعبة واجبة السداد".

في المقابل، نفى مصدران مصرفيان وخبير اقتصادي، أن يكون للبنك المركزي المصري أي تدخل في ارتفاع سعر صرف الجنيه أمام الدولار. وقال المصرفي هاني فرحات، رئيس قسم البحوث في بنك استثمار "سى آى كابيتال"، أن "ارتفاع سعر الجنيه بقيمة تتراوح ما بين 20 و25 قرشا لسعر الصرف، ليس مدار بل مبرر"، موضحاً "أنه في الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام تتزايد معدلات التدفقات النقدية الأجنبية على القطاع المصرفي المصري، وهذا العام تزامن مع عاملين آخرين هما انخفاض الطلب على الدولار في السوق المصرية، وزيادة نسبة تحويلات المصريين بالخارج".

وبحسب فرحات، فإنه من المتوقع أن يشهد عام 2019 زيادة في نسبة المدفوعات النقدية المباشرة على السوق المصرية، متوقعا أن تصل إلى 21 مليار دولار أميركي وهى نسبة أعلى من العام الماضي. وذلك مع تفاؤل المؤشرات المرتبطة برواج قطاع السياحة، وتخلي مصرعن استيراد الغاز الطبيعي"، وكلها "مؤشرات إيجابية" تصب في مصلحة استقرار الاقتصاد المصري، ومن ثم انعكاسها على سعر العملة المحلية، وفق تعبيره.

وذكر فرحات، أن هناك "طلبا مرتفعا في الوقت الراهن من الأجانب على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، ومن ثم يبيعون الدولار ويشترون بالعملة المحلية، وهو ما يؤثر على سوق الصرف ويجعل هناك وفرة في الدولار".

حركة تصحيح في سعر الصرف

 

وقال أحمد شمس الدين، رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية "هيرمس"، "توقعنا مع بداية عام 2019 حركة تصحيح في سعر صرف العملية المحلية، وتحركاً طفيفاً لصرف الجنيه أمام الدولار"، موضحاً أن استقرار الآلية الخاصة التي أقرها البنك المركزي لتسعير الدولار مع البنوك العاملة في السوق، انعكست إيجابا على سعر صرف الجنيه، لكنه في الوقت ذاته، قال "ارتفاع سعر صرف الجنيه أمام الدولار طفيف ولا يمكن تضخيم الأمر". وتابع أن "حركة تصحيح سعر الصرف، لا تعني بالضرورة أن تكمل العملة المحلية مسارها في الصعود أمام الدولار الأميركي".

وكان طارق عامر، محافظ البنك المركزي قال لوكالة "بلومبرج" قبل أسبوعين، إن العملة ستشهد مزيدا من "التذبذب" بعد إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب إذ سيتعين على المستثمرين التعامل عبر سوق الصرف بين البنوك.

وأنهت مصر في ديسمبر الماضي العمل بالآلية التي كانت تضمن للمستثمرين الأجانب الراغبين في بيع ما بحوزتهم من أوراق مالية مصرية تحويل أموالهم للخارج بالدولار.

وكانت مصر استحدثت آلية تحويل أموال الأجانب في مارس 2013 لضمان حصول المستثمرين الأجانب على النقد الأجنبي عندما تكون لديهم الرغبة في التخارج من الأوراق المالية المحلية.

ورغم اتفاقه في أن ارتفاع سعر صرف الجنيه أمام الدولار لأسباب تتعلق بزيادة التدفق الأجنبي ورواج قطاعات السياحة وزيادة تحويلات المصريين بالخارج، فإن فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد الدولي والمستشار السابق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، يرى أن هذا الارتفاع "ليس مستداماً"، متوقعا أن يشهد الجنيه حالة جديدة من الانخفاض خلال الشهور المقبلة، مع إقدام مصر على "تسديد التزامات دولارية خارجية خلال العام الراهن تتجاوز الـ14 مليار دولار أميركي".

وذكر الفقي، أنه وبعد زيادة التدفقات الأجنبية المباشرة على مصر في الفترة ما بين مارس (آذار) 2017 إلى ابريل (نيسان) 2018، تراجعت معدلاتها مجددا في الفترة ما بين مايو (آيار) 2018 وديسمبر (كانون الأول) 2018، وهو ما أدى إلى ضغط على الدولار الأميركي في السوق المصرية، وأسفر عن خروج نحو 11 إلى 12 مليار دولار بالتزامن مع ارتفاع سعر الفائدة في دول أخري مثل تركيا والأرجنتين، (وصلت سعر الفائدة إلى أكثر من 24% في تركيا وحوالي 60% في الأرجنتين). موضحا أن معدل التدفقات الأجنبية زادت في الفترة ما بين يناير ( كانون الثاني)، وفبراير (شباط)، من العام الجاري بمقدار 1.5 مليار دولار أميركي.

وتابع الفقي، أنه بعد تمكن الحكومة المصرية من حل خلافاتها، مع صندوق النقد الدولي بشأن الشريحة الخامسة من القرض البالغ 12 مليار دولار، بعد اعتراض الصندوق على تأجيل الحكومة المصرية لبعد البنود من خطة الإصلاح، لاسيما تأخر تحرير أسعار المشتقات البترولية، انعكست المؤشرات إيجابا مع تسلم القاهرة للشريحة الخامسة من القرض والبالغة  ملياري دولار أميركي.

وتنفذ مصر سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة التزاما بشروط برنامج قرض حجمه 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي كانت وقعته في أواخر 2016. ويتضمن البرنامج زيادة الضرائب وإجراء تخفيضات كبيرة في دعم الطاقة. وكانت مصر تتوقع الحصول على دفعة جديدة من القرض هذا الشهر، وهو ما لم يحدث بعد في ظل حديث عن خلاف بين الصندوق والحكومة بشأن بعض البنود وهو ما تنفيه مصر مراراً.

وتوقع الفقي أن يعاود الجنيه الانخفاض، لاسيما بعد خفض البنك المركزي لسعر الفائدة، الخميس الماضي، بمقدار1%، بهدف تشجيع الاستثمار وتقليل فوائد الدين العام الحكومي وتشجيع البورصة المصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 انتهاء "السوق السوداء" للعملة

ومع الارتفاع الطفيف في سعر صرف الجنيه، وتقليل سعر الفائدة، توقع مصدر اقتصادي حكومي، لـ"اندبندنت عربية"، "تحسن المؤشرات الاقتصادية خاصة الداخلية منها وكذلك حجم الدين الداخلي، لاسيما بعد خفض سعر الفائدة والذى كان يؤثر بشكل سلبي على الاستثمار الداخلي تحديداً".

 

وذكر المصدر، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن قرار تخفيض سعر الفائدة جاء نتيجة تراجع مؤشرات التضخم فى مصر خلال الفترة الأخيرة، فحسب الأرقام الرسمية تراجع التضخم بصورة تدريجية منذ مارس (آذار) الماضي ليصل مؤخرا إلى 12%". متوقعاً "أن ينخفض معدل التضخم بصورة أكبر في المدى المتوسط ، وبالتالي سعر الفائدة، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على حركة الاستثمار، وخاصة لدى متوسطي وكبار المستثمرين".

من جانبه، يقول الدكتور فخري الفقي، إن أبرز ما ميز التطورات الاقتصادية الأخيرة في مصر أنها خالفت التوقعات و"قلبت الترابيزة" وفق تعبيره، مشيرا إلى أن أغلب التوقعات والمؤشرات، كانت في اتجاه ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وهو ما أدى، وفق الفقي، إلى جعل السوق المصرية "حرة 100% والعمل على تهدئة حجم الشائعات والمضاربات والمضي قدما لاستقرار الأوضاع". فضلا عن انتهاء ما يعرف بـ"السوق السوداء" للعملة في مصر.

وبالتوازي مع قول الفقي أوضح المصرفي هاني فرحات أن أغلب مؤشرات الاقتصاد في الوقت الراهن "إيجابية" وتصب في مصلحة استقرار الاقتصاد المصري، ومن ثم انعكاس الأمر على استقرار سعر العملة المحلية، قد يبدو طبيعياً. معتبرا أن "استقرار سعر صرف العملة المحلية، وخفض أسعار الفائدة سيؤثر بشكل إيجابي على أداء الاقتصاد الحقيقي في مصر، وأن العملية الإنتاجية من حيث إنشاء الشركات وعملها ستستفيد من خفض أسعار الفائدة".

معدلات الدين الخارجي

 

ورغم إشادته بنقص الفجوة التمويلية في الميزان الجاري، إلى حدود الـ6 مليارات دولار أميركي وليس 14 و16 مليار دولار كما كان في السابق، تخوف المصرفي أحمد شمس الدين، من "التأثيرات السلبية لارتفاع معدلات الدين الخارجي". معتبرا أن "خدمة الدين من الممكن أن تؤثر سلبا في حال حدوث أي اهتزاز في مصادر الدخل الأجنبية الرئيسية، لاسيما أن خدمة الدين المتوقع في العام الجاري أن تصل إلى ما بين 10/11 مليار دولار أميركي". معتبرا في الوقت ذاته أن "ما هو مطمئن أن الدين الخارجي بنسبة 45% من مؤسسات دولية، بفائدة 1 و1.25%".

ورغم نجاح مصر في جذب أموال الأجانب في أدوات الدين قصيرة الأجل فإنها لم تتمكن بعد من جذب استثماراتهم المباشرة بنفس مستوياتها قبل انتفاضة يناير ( كانون الثاني) 2011 وذلك رغم تحرير سعر صرف الجنيه والإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة.

وتراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.1 مليار دولار في الفترة بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) 2018 مقارنة مع 1.84 مليار دولار قبل عام. وبلغ صافي الالتزامات بالعملة الصعبة للبنوك العاملة في مصر نحو99.282 مليار جنيه بنهاية  أكتوبر(تشرين الأول)، وفقا لبيانات البنك المركزي.

وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة من الأجانب في أدوات الدين على المدى القصير في توفير الدولار بجانب المصادر الأساسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج والصادرات التي لم تشهد نموا يضاهي خطوة تحرير سعر صرف الجنيه في أواخر 2016.

وأمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعب للعامين المقبلين، وهي تحاول توسيع قاعدة مستثمريها وتمديد أجل استحقاق ديونها والاقتراض بفائدة أقل. وبلغ الدين الخارجي لمصر 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي بزيادة 17.2 %على أساس سنوي.

المزيد من اقتصاد