Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرحُ فئات جديدة من العملة السودانية... هل يسهم في حل أزمة "الكاش"؟

منذ عام يواجه السودانيون أزمة في الحصول على مدخراتهم المالية المودعة في المصارف، مع ارتفاع مطرد في الأسعار أحدثه وجود سعرين للمنتج الواحد في الأسواق

بات من المألوف لدى السودانيين الاصطفاف ساعات أمام ماكينات الصرف الآلية للحصول على النقود (إندبندنت عربية)

أكملت أزمة انعدام السيولة في السودان عامها الأول من دون أن تنجح الحكومة في حلها على الرغم من إقرار عدد من السياسات وطرح فئات نقدية جديدة من العملة المحلية.

بات من المألوف لدى المواطنين الاصطفاف ساعات أمام ماكينات الصرف الآلية للحصول على النقود، أو التوجه إلى نوافذ المصارف التي وضعت سقوفاً مالية للسحب، أدناها 300 جنيه وأعلاها 2000 جنيه. وطلب ما يزيد على هذا المبلغ، يستلزم الحصول على تصريح من مدير فرع المصرف أو كبير الموظفين في المصرف الذي تجري فيه المعاملات.

بداية الأزمة

بدأت أزمة انعدام الأوراق المالية، أو ما بات يعرف محلياً بأزمة الكاش، في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2017، لكنها تفاقمت في مطلع يناير (كانون الثاني) التالي.

ولم تصرح الحكومة في البداية بإجراءات متبعة لتقليل حجم الكتلة النقدية، إلا في فبراير (شباط) 2018. إذ وجّه اجتماع لمسؤولين اقتصاديين وأمنيين برئاسة الرئيس السوداني عمر البشير "بالاستمرار في امتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي". ويعتبر ذلك الإعلان الأول عن إجراءات تقليل حجم المعروض من الأوراق النقدية.

وكان الهدف من هذه الإجراءات وقف تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي والسيطرة على نسب التضخم.

معالجات حكومية

طوال الأشهر الماضية، اتبعت الحكومة السودانية إجراءات متعددة لحل الأزمة الاقتصادية، وتحسين الأجور وتوفير الأوراق النقدية، وأجازت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حزمة من الإجراءات الاقتصادية لقطاع الصادرات والواردات، وشكلت آلية جديدة لتحديد سعر صرف الجنيه، ووضعت شروطاً للتحويلات الخارجية وعائدات الصادرات المختلفة. كما أعلنت في ديسمبر الماضي جداول الدفع الإلكتروني، لمواجهة العجز في حجم الكتلة النقدية في البلاد.

فئات عملة جديدة

ضخت الحكومة فئات جديدة من العملة. إذ كانت أعلى فئة في السابق هي فئة الـ 50 جنيهاً، وطرحت مطلع فبراير الحالي فئتي الـ100 والـ200 جنيه. ومن المتوقع أن تطرح للتداول في مارس (آذار) المقبل فئة 500 جنيه.

لكن الخبير الاقتصادي محمد الناير يرى أن "ضخ الفئات الجديدة من العملة لن يسهم في انخفاض نسب التضخم، كما أنه لن يحل المشكلة بصورة جذرية". ويوضح "مهما ضخ البنك المركزي من فئات جديدة أو قديمة، فإن السوق المحلية ستبتلعها، لأن المواطنين وعملاء المصارف لا يقومون بالإيداع كما في السابق".

وتسببت أزمة السيولة بانهيار الثقة بين العملاء والمصارف، ويعود ذلك إلى ضعف قدرتها على الإيفاء وتوفير المبالغ التي يحتاجها المودع عند الاقتضاء. ويتابع الناير أن "المصارف في الغالب تتغذى من مصدرين، هما البنك المركزي وودائع العملاء. لكن، الآن لا يوجد توريد إلى المصارف على الإطلاق، إلا عند الضرورة القصوى، وتالياً لن تعالج الفئات الجديدة من العملة المشكلة".

تباين الأسعار ومضاربات سعر الصرف

أدت ندرة السيولة وصعوبة صرف الرواتب عبر المصارف إلى اختلال في السوق السودانية، وعمل التجار على توفير حلول بديلة خلافاً لتلك التي تقرها الحكومة، ودرجوا على عرض بعض المنتجات بسعرين مختلفين. الأول، إذا كنت ترغب في اقتناء السلعة عبر دفع قيمتها نقداً. أما الثاني فتتم إضافة 5 إلى 10 في المئة إلى قيمة السلعة إذا كنت ترغب في الدفع عبر الشيك أو نظام التحويل الإلكتروني. وللتجار مبرر بات معروفاً لدى المستهلكين، ذلك أن "النقود التي تدخل إلى المصارف لا تعود، وتلك الإضافة إلى قيمة السلع ما هي إلا ثمن الوقت الذي يُهدر في سحبها من المصارف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما يرفض بعض التجار بيع سلع محددة، مثل "الأجهزة الإلكترونية والذهب وبطاقات تغذية الهواتف" عبر نظام الدفع الإلكتروني أو الشيكات، على الرغم من أن ذلك يعتبر مخالفاً للقوانين المحلية، إلا أنك ستواجه صعوبة كبيرة في الحصول عليها، إذا لم تتوفر لديك السيولة النقدية.

وقاد تدهور قيمة العملة الوطنية أمام الدولار إلى ازدهار السوق السوداء للعملات، إذ اتجه معظم التجار وبعض المواطنين إلى تحويل مدخراتهم المالية إلى عملات أجنبية، أهمها الدولار الأميركي. وفي السوق السوداء، لم يكن الأمر مختلفاً، إذ احتفظت لنفسها بسعرين مختلفين أيضاً. فإذا كنت ترغب في الحصول على عملات أجنبية تتوقف قيمة التحويل على الطريقة التي ستدفع بها مقابل حصولك على النقد الأجنبي.

ونتيجة لتلك المضاربات سجّل الجنيه السوداني، الأسبوع الماضي، هبوطاً جديداً أمام الدولار الأميركي، في السوق الموازية. وقال متعاملون في تلك الأسواق إن "أسعار شراء الدولار تراوحت بين 83 و85 جنيهاً، عبر الشيكات المصرفية، وبلغ سعر شرائه عبر النقد (الكاش) 70 جنيهاً".

التضخم

أعلن "الجهاز المركزي للإحصاء" في السودان، الاثنين الماضي، انخفاض التضخم إلى 43.45 في المئة خلال يناير الماضي، مقارنة بـ 72.94% خلال ديسمبر الماضي. وشكل هذا الانخفاض المفاجئ في النسب شكوكاً لدى المراقبين الاقتصاديين والمواطنين، إذ لم تشهد الأسواق أي انخفاض في أسعار السلع الأساسية.

ويوضح الناير أن "قطاعين (الأغذية والمشروبات وقطاع النقل) أديا إلى انخفاض التضخم، إذ أسهم انخفاض قيمة بعض الخضر الموسمية وبعض إجراءات الحكومة لتوفير النفط لشاحنات النقل في تقليل النسب".

لكن ذلك لا يعني أن التضخم سيستمر في الانخفاض، لأن "الظواهر التي سادت أخيراً في الاقتصاد السوداني مثل التعامل بسعرين عبر الكاش والشيك، والمضاربة على العملة الأجنبية سيلقيان بظلالهما على الأسعار".

ولإعادة الثقة إلى النظام المصرفي، تقترح الخبيرة الاقتصادية سهام شريف أن "تعمل الحكومة بمنظومة الدفع الإلكتروني في قطاعاتها الخدمية كافة، مع الاستمرار في ضخ الفئات النقدية". لكن سبق أن أعلنت الحكومة أنها ستدشّن منظومة إلكترونية للدفع مطلع العام الحالي، بيد أنها فشلت في ذلك لبضعة أسباب، بينها ضآلة امتلاك فئات كبيرة من المواطنين حسابات مصرفية، وانعدام تغطية القطاعات الخاصة بوسائل الدفع الإلكتروني.

وطالبت شريف "الحكومة بتقديم تطمينات وقرارات سياسية واقعية. إذ لن تعود الحركة الاقتصادية إلى وضعها الطبيعي إذا لم يتمكن المواطن من الحصول على الأموال المودعة في حسابه من دون تحديد سقوف السحب".

المزيد من اقتصاد