Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزواج المدني يعود موضع سجال بين اللبنانيين

كلام لوزيرة الداخلية ريا الحسن اشعل مواقع التواصل الاجتماعي واستتبع ردوداً من جهات دينية اسلامية ومسيحية

لبنانيون خلال تظاهرة للمطالبة بإقرار الزواج المدني في العام 2013 (رويترز)

موقف إعلامي لوزيرة الداخلية اللبنانية ريّا الحسن بتأييد الزواج المدني والسعي إلى تشريعه في القانون اللبناني، كان كافياً لإطلاق جولة جديدة من الاشتباك بين اللبنانيين على حلبة الحريات الشخصية. إلا أن هذه المرة تغيب عن الانقسام بين المتناحرين المعايير السياسية أو الطائفية أو المذهبية، التي اعتاد اللبنانيون التفرّق بسببها، إذ تجد ضمن الفريق السياسي الواحد والطائفة الواحدة مؤيدين لهذه المسألة ومعارضين لها. في المقابل، فإن الإجماع المطبق والنهائي على رفض الزواج المدني، وجد موقعاً متقدماً لدى الأصوات الدينية اللبنانية، إسلاميةً ومسيحية.

وكانت الوزيرة الحسن كشفت في مقابلة مع "يورونيوز"، عن تفضيلها الشخصي لإيجاد إطار للزواج المدني في لبنان، مضيفةً أنّها ستسعى إلى "فتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها"، راغبةً في نيل دعم من رئيس الحكومة سعد الحريري "حتى يتحقّق الاعتراف بالزواج المدني" في لبنان.

والحسن وزيرة لبنانية سنية، محسوبة على تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري، كما أنها أوّل امرأة تتولّى هذه الوزارة في لبنان والعالم العربي.

تأييد واسع

كلام الحسن استتبع ردوداً كثيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدّر الحديث عن الزواج المدني موقع تويتر عبر هاشتاغ #الزواج_المدني، حيث غرّد أهل السياسة والفن والإعلام، إضافة إلى آلاف الأشخاص، معبّرين عن آرائهم في هذا الموضوع.

ومن أبرز المغرّدين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أيّد مبدأ الزواج المدني، منتقداً "تكفير" رافضيه. وأضاف "نعم إنني من مناصري الزواج المدني الاختياري ولقانون أحوال شخصي مدني وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين".

وغرّدت الفنّانة إليسا منتقدةً "تكفير" المتكلّمين عن هذا الزواج، فيما هو مقبول عند حصوله خارج لبنان، داعيةً للحسن بأن "يقوّيها الله".

كذلك نال الزواج المدني تأييد نواب وإعلاميين، من بينهم النائب عن التيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية) نقولا صحناوي ونائب الحزب التقدمي الاشتراكي فيصل الصايغ والنائبة المستقلة بولا يعقوبيان. وعبّر كثيرون عن رغبتهم في نيل اللبنانيين هذا الحق، واضعين إياه ضمن إطار الحريات الشخصية.

 

الزواج المدني "خطّ أحمر"

على المقلب الآخر، عارض كثيرون طرح الزواج المدني بشدّة، وأبرزهم النائب عدنان طرابلسي الذي رأى أنّ الزواج المدني "خط أحمر"، وغرّد قائلاً "سبق أن طُرِح في ما مضى ما يُسمى الزواج المدني، وتمّ رفضه من قِبلنا ومن دار الفتوى ورؤساء حكومات وشخصيات وجمعيات وهيئات إسلامية وعموم المسلمين. إنه خط أحمر ولن نسمح بتجاوزه ولا بالتلاعب بتنظيم الأحوال الشخصية عند المسلمين. وأي طرح جديد له لن نقبل به وسنواجهه مرة أخرى".

يشار إلى أنّه في لبنان لا قانون موحّداً للأحوال الشخصية، بل لكل طائفة قوانينها ومحاكمها الروحية والشرعية والمذهبية الخاصة. ولا يجيز القانون عقد زواج مدني في لبنان، على الرغم من أنّه يعترف بالزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية.

موقف دار الفتوى

في السياق ذاته، أكّد المكتب الإعلامي في دار الفتوى، أن موقف مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني "معروف منذ سنوات في الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته لأنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء جملةً وتفصيلاً من ألفه إلى يائه، ويخالف أيضاً أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية، المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي من دون أخذ رأي دار الفتوى وموقفها، وسائر المرجعيات الدينية في لبنان".  ودعا المكتب الإعلامي إلى "عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من اختصاص دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية المؤتمنة على دين الإسلام ومصلحة المسلمين".

ورأى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار أن كلام وزيرة الداخلية "سبق لسان"، فهي "لم تستوعب معنى الزواج المدني في بُعده الإسلامي والديني". واستغرب الشعّار صدور هذا الكلام عن وزيرة تعود إلى بيت مسلم معروف في طرابلس والشمال، مضيفاً "لو أدركت الوزيرة الحسن خطورة الأمر لما نطقت به".

وأكّد الشعّار أنّ الحريري كان أبلغه شخصياً في وقت سابق بأنه لن يوافق على الزواج المدني، وذلك بعيد كلامه عن تأييد الموضوع حين كان في باريس. ورأى الشعار أنّ كلام الحريري حينها كان أيضاً "سبق لسان".

أوّل زواج مدني في لبنان في 2013

لا يجيز القانون اللبناني كما ذكرنا سابقاً، الزواج المدني على الرغم من أنه يعترف به إن حصل خارج البلاد. وفي حالات النزاع الناشئة عن هذا الزواج، تكون المحاكم المدنية اللبنانية هي المختصة بالنظر فيها في حال كان الزواج بين طرفين من الدين المسيحي أو بين زوجين مختلفين دينياً أو بين مسلمين من مذاهب مختلفة، أمّا إذا كان الزواج المدني معقوداً في الخارج بين مسلمين، لبنانيين أو لبناني وأجنبي، من المذهب نفسه (سني أو شيعي)، فتكون المحاكم الشرعية التي ينتمي إليها الزوجان هي الجهة المختصة بالنظر في تلك النزاعات.

وفي سابقة كانت الأولى من نوعها في لبنان، تمكّن الثنائي نضال درويش وخلود سكرية من عقد زواجهما المدني في لبنان وتسجيله في سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية في العام 2013.

وفعلا ذلك بعد أن شطبا مذهبيهما عن أوراقهما الثبوتية ومن سجلّ النفوس، ما سمح لهما بعقد زواج مدني، وذلك بناءً على مرسوم يعود إلى العام 1936 خلال الانتداب الفرنسي، وفيه إشارة إلى الزواج المدني الفرنسي. وسجّلا زواجهما في السجلات الرسمية بعد أنّ وقّعه وزير الداخلية حينها مروان شربل.

وتوالى بعدها استخدام هذه الطريقة لعقد زيجات مدنية عدة في لبنان.

يشار إلى أنّ موضوع الزواج المدني غالباً ما كان موضوع بحث بين اللبنانيين، إذ طرحه النائب اللبناني ريمون إدّه عام 1953 على البرلمان ورُفِض، وأُعيد رفضه في البرلمان أيضاً في العام 1975. وعاد وأثار جدلاً كبيراً عندما طرحه رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي في العام 1998. ورفض رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في العام 1999، توقيع مشروع قانون الزواج المدني، الذي تمّت الموافقة عليه حينها بالأغلبية في مجلس الوزراء (21 صوتاً)، واعتذر قائلاً إن "ظروف لبنان لا تسمح الآن بذلك".

فهل ستنجح الوزيرة الحسن حيث فشل كثيرون قبلها؟

المزيد من العالم العربي