Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما المغاربية نحو المزيد من الازدهار... قضايا من صلب الواقع وجماليات عالية

6 افلام حضرت في المهرجانات وحصدت جوائز... بعيدا من التغريب

من الفيلم المغربي "سيد المجهول" (اندبندنت عربية)

السينما المغاربية انتعشت في العام 2019، متجاوزةً في ذلك سينما أي منطقة عربية أخرى، خصوصاً على المستويين الكيفي والنوعي. أفلام من الجزائر وتونس والمغرب كانت لها أصداء طيبة داخل المهرجانات الدولية. جذبت المشاهدين وتطرقت إلى قضايا أساسية في مجتمعات المغرب العربي، بعضها طواه الزمن وبعضها الآخر لا يزال في قلب الحاضر، هذا كله من دون إهمال الأدوات الفنيّة والبُعد الجمالي. في الآتي، ستّة أفلام مغاربية تروي سيرة هذا النجاح.

"طلامس" لعلاء الدين سليم

المخرج التونسي علاء الدين سليم عرض فيلمه "طلامس" في "أسبوعي المخرجين" وهو أحد أقسام مهرجان كانّ السينمائي. هذا ثاني فيلم لسليم الذي كان قد فاز بجائزة "أسد المستقبل" في مهرجان البندقية عن باكورته الروائية الطويلة "آخر واحد فينا" الذي بشّر بولادة مخرج من خامة مختلفة. فالأشياء التي يستمد منها نصوصه (عزلة، هروب من الواقع، فانتازيا غرائبية، علاقة بالطبيعة) عملة نادرة في السينما العربية. يمكن العثور على بعض التشابه بين الفيلمين، لكن على الرغم من هذا التشابه، يذهب سليم خطوة إضافية في المغامرة التي كان انطلق فيها. الحكاية تدور على جندي يُمنَح مأذونية لمدة أسبوع لإقامة الحداد على أمه المتوفاة، إلا أنه يستغل الظرف للفرار. الفيلم يتعقب رحلته الساحرة التي سيلتقي خلالها بسيدة حامل. الانزلاق إلى الطبيعة هو هواية المخرج المفضّلة على ما يبدو. يحدث هنا بشكل بطيء وتدريجي. الفيلم يستوحي ملامحه من برودة الأمكنة التي يقتحمها. هذا عمل يصعب تصنيفه، على الرغم من بعض التحفظات. تأثير المخرج التايلاندي أبيشاتبونغ فيراسيتاخول واضح في سينما سليم الذي يتمرد منذ فيلمين على سينما تونسية لطالما كانت أسيرة الموتيفات الاكزوتيكية في العقود الماضية.

"سيد المجهول" لعلاء الدين الجم

المغربي علاء الدين الجم هو الآخر عرض فيلمه "سيد المجهول" في مهرجان كانّ. تجرنا باكورته إلى الصحراء المغربية، أرض يابسة لا ينبت فيها أي شيء وتشهد طوال نحو ساعتين مواقف غاية في العبثية. مواقف يوظّفها الفيلم للإشارة إلى عقلية معينة تسيطر على جزء من المجتمع المغربي الذي يترجح بين الحداثة والتقاليد.

يبدأ الفيلم مع لص تطارده الشرطة وسط الصحراء. ينجح اللص في طمر الكنز الذي سرقه قبل أن يلقى القبض عليه. تمر عشر سنوات، فيخرج من السجن، ويتوجّه مباشرة إلى الأرض التي طمر فيها الكنز، ليكتشف أنه شيدت فوقها دار عبادة، وأصبحت محجّاً للمؤمنين، يزورونها لعبادة قديس مجهول دفن فيها. بقية الفيلم تتمحور على مواقف هزلية عن محاولات اللص المتكررة لاسترداد ثروته المدفونة. في انتظار ذلك، سيتوجب عليه التعرف على أهل هذه القرية وسكّانها، لقاءات نرى فيها تعلّق الناس بأي شيء ينتشلهم من واقعهم. الفيلم يتطرق إلى هذا الإيمان الساذج الذي يسلّم المؤمن نفسه له، وكثيراً ما يكون فوق كلّ الشبهات. موضوع جدي يغدو أمام كاميرا المخرج الساخر مادة كاريكاتورية ممتازة.

"بيك نعيش" لمهدي البرصاوي

فيلم تونسي آخر فرض نفسه بقوة هذا العام: "بيك نعيش" لمهدي البرصاوي الذي كانت له جولات دولية في العالم بعد عرضه الأول في مهرجان البندقية. عمل مقنع، يحمل نفساً طازجة، مشغول بحرفية وحبّ، يدنو من الميلودراما ويبتعد منها باستمرار. وفوق هذا كله، لاقى استحساناً طيباً أينما حلّ. يعود الفيلم سنوات عدة إلى الخلف، تحديداً إلى العام 2011، عندما كانت الثورة التونسية قد اندلعت. الفيلم لا يتعاطى معها، لا مع مسبباتها ولا مع نتائجها. هي مجرد خلفية للأحداث.

زوجان يعودان بالسيارة من رحلة عائلية، وفي الطريق يصاب ابنهما الجالس في المقعد الخلفي بطلقة نارية، سرعان ما يتبين أنها نيران إرهابية. بعد ذلك، معظم فصول الفيلم سيحدث بين جدران مستشفى حيث يرقد الطفل بين الحياة والموت، في انتظار خضوعه لعملية لا يمكن إجراؤها بسبب القوانين البالية، وبسبب خلل في العائلة.

الحادثة ليست مهمّة في ذاتها، بقدر أهمية الأسئلة التي ستشهرها والتي تقول الكثير عن الواقع التونسي. يلح النص على سؤال أخلاقي أساسي: هل نعرف جيداً الشريك الذي عشنا معه لسنوات مديدة؟ ما الذي يحدد الأبوة: العلاقة الزمنية أو رابط الدمّ؟ الحادثة خضّة كبيرة، هناك ما قبلها في حياة الشخصيات وما بعدها، تماماً كالثورة، ولكنها تغدو مناسبة لمناقشة المنظومة التي تتحكّم بالحياة الأسرية في تونس. بيد أنه يعود الفضل الأكبر في مد الفيلم بقدر من الصدقية إلى الممثّل الكبير سامي بوعجيلة في دور الزوج، الذي يأتي بصورة مغايرة للرجل الشرقي التقليدي.

"بابيشا" لمنية مدور

كيف من الممكن أن نتجاهل "بابيشا" للجزائرية منية مدور؟ هذا الفيلم الذي أمتع المشاهدين حيثما عُرض، وذلك منذ انطلاقته في مهرجان كانّ، على الرغم من سوداوية القضية التي يحاول معالجتها. أكثر ما نجحت فيه المخرجة التي تخوض هنا مغامرتها السينمائية الأولى، هو أنها وجدت حلاً وسطاً بين الدراما والخفّة، أي بين انسداد الأفق وبعض الأمل الذي يتسرب من بين الأصابع. فمن دون أمل يصعب صناعة سينما جماهيرية من هذه النوعية. يعود الفيلم إلى العشرية السوداء في الجزائر (1991 - 2002) التي شهدت التطرف والإرهاب والعنف، من خلال شلة فتيات يحاولن إقامة عرض للأزياء. تتصدّر هذه الشلة صبية تُدعى نجمة تحلم أن تصبح مصممة. إلا أن المناخ السياسي والديني الذي يسيطر على البلاد هو الذي يقرر مصائر البشر الذين من الواضح أنهم لا يملكون الكثير من الخيارات خارج تلك التي تُفرض عليهم فرضاً. يلجأ الفيلم إلى تلطيف ما يتّسم بالقسوة، وفي المقابل يقسو على ما هو لطيف. نحن حيال عمل عن هذا الإصرار على الحياة الذي نرى نجمة ورفيقاتها وقد أصبحن رموزاً له، طبعاً من دون سابق تصوّر وتصميم.

"أبو ليلى" لأمين سيدي بومدين

فيلم آخر، من الجزائر، يتحدّث عن العشرية السوداء، المرحلة الزمنية التي لا تزال تلهم السينمائيين الجزائريين بقوة، لكنه لا يتصدى لها مباشرةً، مفضّلاً الدراما النفسية على درس التاريخ. هذا الفيلم هو "أبو ليلى" للمخرج أمين سيدي بومدين (عُرض بدايةً في "أسبوع النقّاد"، أحد أقسام مهرجان كانّ). طوال 140 دقيقة يحافظ الفيلم على قدرة في شدّ اهتمام المُشاهد إلى ما يجري داخل الكادر، عائداً إلى التروما الوطنية التي أصابت بلداً وشعباً. الحكاية تدور على صديقين منذ أيام الطفولة، يبحثان عن إرهابي في الصحراء يُدعى أبو ليلى. هذه التقاطعات بين الثلاثة، دموية وفيها شيء من الاستعارة والجنون، يصوّرها بومدين بالكثير من العناية الإخراجية، محولاً لحظة التاريخ إلى لحظة تأمل في الإنسان الجزائري وفي آثار العنف الماثلة في وجدان الكائن الحي بشكل عام.

"آدم" لمريم التوزاني

المخرجة والممثّلة المغربية مريم التوزاني تعلّمت صناعة الأفلام وهي في جوار شريك حياتها نبيل عيوش. مع "آدم" انطلقت انطلاقة مدوية، إذ مُنحت منبراً مثل منبر مهرجان كانّ (قسم "نظرة ما"). الفيلم يطرح قضيّة هامة: الوضع الشخصي والقانوني والاجتماعي للأم العزباء في المجتمع المغربي، أي تلك التي تنجب من دون زواج. وذلك من خلال قصّة علاقة تنشأ بين شابّة حامل وأرملة. الأخيرة تستقبل الأولى في منزلها وتهتم بها مقابل أن تقدّم لها خدماتها في متجرها الصغير. بالكثير من الرقّة والعاطفة، التقطت التوزاني عالم النساء اللواتي يعشن في الظلّ، بعيداً من نظرات الناس التي تدين حتى من دون الإفصاح.

ليس كلّ الفيلم على مستوى واحد من الانضباط، هناك صعود وهبوط، مع ذلك يجيد كيفية لمس مناطق حساسة من وجدان المُشاهد، وذلك عبر إغراقه في حميمية خاصة. ثمة إجحاف في حقّ المرأة، تحاول التوزاني قوله أحياناً ببعض المباشرة وأحياناً بحس نسائي أكيد. بيد أن مجمل العمل فيه شيء من صدق المشاعر، فيضع مخرجته على خريطة سينما المغرب العربي.

 

المزيد من سينما