Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط وقاسم سليماني

شهدت الأسعار ارتفاعاً بسبب اقتناع المستثمرين بأن إيران ستضرب المنشآت النفطية في الخليج

استهداف إيران منشأت النفط في الخليج يجعل منشآتها النفطية هدفاً مشروعاً للجميع (أ. ف. ب)

ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 3 في المئة بعد انتشار خبر هلاك قاسم سليماني، لاعتقاد كثير من التجار والمستثمرين أن إيران سترد بهجوم على المنشآت النفطية في الخليج. هذه الفكرة صحيحة وغير صحيحة في الوقت نفسه. وعند كتابة هذا المقال، يوم الأحد، صوّت البرلمان العراقي على قرار يطالب القوى الأجنبية بالانسحاب من العراق، والمقصود بها القوات الأميركية. وهذا وحده كفيل بتعقيد الأمور في العراق، وجعل أسعار النفط تستمر بالارتفاع، على الرغم من عدم تأثر إمدادات النفط.

وقبل الخوض بالتفاصيل، لا بد من ذكر أن تجارة النفط الإيرانية، بما في ذلك غير الشرعية، مسيطر عليها من الحرس الثوري الإيراني، ومنها إمدادات النفط إلى سوريا. وتجارة النفط غير الشرعية في العراق مسيطر عليها من ميليشيات مختلفة. ولا يمكن الحديث عن الهجوم على ناقلات النفط في الخليج، أو البحر الأحمر، أو الهجوم على منشآت النفط في السعودية من دون التركيز على أذرع الحرس الثوري الإيراني. لهذا، لا يمكن عزل النفط عن الأحداث التي حصلت في الأيام الماضية، ولا عن مقتل سليماني.

رد فعل إيران

جاء ارتفاع أسعار النفط بعد انتشار خبر مقتل سليماني بسبب اقتناع التجار والمستثمرين بأن إيران ستقوم بضرب المنشآت النفطية في دول الخليج. إلا أن أغلبية هؤلاء لم تستطع تقديم نظرية منطقية لذلك. فكثيرون منهم يعتقدون أن الحكومة الإيرانية مجبرة أمام شعبها على أن ترد، وأنه يجب أن تظهر بمظهر قوي. لذلك فإنها ستقوم بضرب المنشآت النفطية في الخليج. المشكلة هنا أن توجيه القوات الإيرانية ضربة إلى أي دولة خليجية يعني إعلان حرب على دول الخليج وفق القانون الدولي. ما يجعل حلفاء إيران يتخلون عنها، ويجعل مجلس الأمن الدولي بالكامل ينقلب عليها. وفقاً لهذا، فإن أي ضربة رسمية يجب أن تكون ضربة لأهداف أميركية في العراق أو سوريا أو في المياه الدولية، وليس لأي دولة خليجية.

إضافة إلى ذلك، فإن أي استهداف إيراني مباشر لمنشأت النفط في الخليج يجعل منشآتها النفطية هدفاً مشروعاً للجميع، وهو أمر لا تريده إيران. وكانت طهران قد تعلمت درساً كبيراً من الماضي حيث أن إعادة بناء جزء من مصافيها التي دمرت أثناء الحرب العراقية الإيرانية استغرق 25 سنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمكن لإيران أن تستهدف المنشآت النفطية من طريق وكلائها لتفادي فكرة "إعلان الحرب"، كما حصل في الماضي. إلا أن التوتر الذي حصل في المنطقة جعل كل الجيوش على أهبة الاستعداد. ما يعني صعوبة إصابة الأهداف، وبالتالي فشل أي هجوم.

وإذا كان هدف الحكومة الإيرانية هو حماية النظام، وإذا اقتنعوا بأن الولايات المتحدة تحاول أن تجرهم إلى حرب، فإن إيران ستحاول جهدها أن تتفادى أي حرب، بنقل الأزمة إلى دول أخرى. وهذا ما حصل، إذ تم تصدير الأزمة إلى العراق.

خلاصة القول هي أن احتمال حرب مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران ضعيف جداً، واحتمال ضربة إيرانية مباشرة لمنشآت الطاقة في الخليج أضعف من ذلك، إلا أن احتمال قيام مجموعات إرهابية تابعة لإيران ما زال قائماً، وهو احتمال قائم حتى من دون مقتل سليماني. لهذا، فإن ارتفاع أسعار النفط يعكس هذه المخاطرة.

النفط ورد فعل العراق والولايات المتحدة

صوّت النواب الشيعة في مجلس النواب العراقي على مغادرة القوى الأجنبية من العراق، من دون تسمية الأميركيين بالاسم. وأعلن رئيس الوزراء العراقي أن الحكومة ستمتثل لقرار مجلس النواب. ولكن، يبدو أن هؤلاء النواب لم ينتبهوا إلى ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة، التي لديها خيارات عديدة للضغط على الحكومة العراقية، أهمها:

وقف الاستثناءات المعطاة للعراق من قانون العقوبات المفروض على إيران والذي يسمح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران ودفع ثمنهما. وقف الاستثناء قد لايوقف إرسال الغاز والكهرباء للعراق، ولكن سيشكل صعوبات كبيرة للبنك المركزي العراقي، ولعدد من الشركات العالمية العاملة في العراق.

فرض عقوبات على بعض الشركات والشخصيات العراقية. وهذا سيسبب مشاكل إضافية للبنك المركزي والشركات العالمية. وقد يؤثر بشكل كبير في قطاع الطاقة العراقي، إذا أجبر الشركات الأجنبية على التوقف عن العمل أو الاستثمار في العراق.

وقف واردات الولايات المتحدة من النفط العراقي. في الوقت الذي سيشكل ذلك ضربة لقطاع النفط العراقي على الرغم من قلة الكميات التي تستوردها الولايات المتحدة مقارنة بما تنتجه العراق، إلا أنه أشارة إلى البنوك والشركات العالمية للتخفيف من استثماراتها في العراق. ووقف استيراد النفط من العراق سيشكل مشكلة كبيرة للمصافي الأميركية التي تحتاج إلى نوعيات معينة من النفط العراقي لا يمكن تعويضها حالياً من دول أخرى بسبب العقوبات على فنزويلا وإيران، ومن دون تغيير السعودية سياستها النفطية الحالية.

ولعل أخطر سلاح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترمب حالياً هو فرض عقوبات على البنك المركزي العراقي لأن ذلك سيخنق العراق اقتصادياً بحيث لاتستطيع الدول المستوردة للنفط العراقي من دفع ثمن النفط العراقي، وبالتالي تنخفض إيرادات النفط بشكل كبير.

خلاصة القول، نجحت إيران في تفادي حرب مباشرة مع الولايات المتحدة ونقلت الأزمة إلى العراق. تأزم العلاقات العراقية- الأميركية سيرفع أسعار النفط، وسيؤدي إلى مزيد من المشاكل داخل العراق. وعلينا ألّا نستغرب عودة داعش، وما يمكن أن تجلبه من خراب لقطاع الطاقة العراقي بشكل عام، والنفط بشكل خاص.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء