أفادت دراسة حديثة أجريت على عدد من القردة أنّ لقاح السل الذي يعود اكتشافه إلى قرن مضى ويُستخدم على نطاق واسع ضدّ هذا الداء، في مقدوره أن يوفِّر حماية شبه كاملة من هذه العدوى البكتيريّة عندما يُحقن في الوريد.
في الواقع، يتسبّب السل (تي. بي TB ) في موت أعداد من الناس على مستوى العالم أكثر من أيّ داء معدٍ آخر، مثلاً أدّى إلى وفاة 1.5 مليون شخص في عام 2018 وحده، ذلك على الرغم من استخدام اللقاح الذي يحمي من أحد أنواع المرض إنّما لا يُعوّل عليه في مقاومة النوع الأهم منه.
وجدت دراسة جديدة حالياً، نُشرت في مجلة "نيتشر" Nature العلميّة، أنّ إعطاء اللقاح مباشرة في مجرى الدم، وليس تحت الجلد، أفضى إلى حماية شبه كاملة من السل لدى مجموعة من قردة "المكاك الريسوسي" التي أجري عليها الاختبار.
تذكيراً، طُوِّر اللقاح الأساسيّ ضدّ السل، وهو "عصيّة غالميت- غيران" (بي. سي. جي)، منذ قرن مضى، ويُعطى للأطفال الرضّع عن طريق حقنة تحت الجلد. هكذا، يحمي من أنواع السل غير الرئويّة، بيد أنّه في المقابل أقلّ فاعلية بكثير في مواجهة الأنواع التي تطاول الرئتين، علماً أنّها السبب الرئيس للإصابة بالداء وللوفاة نتيجة له.
ولكن أظهر باحثون من "المعهد الوطنيّ الأميركيّ للحساسية والأمراض المعدية" (نييد) وكلية الطب في جامعة "بيتسبيرغ" الأميركيّة أنّ تعديل مقدار الجرعة وتغيير طريقة تلقيها عزّزا قدرة اللقاح على إبعاد العدوى عن عدد من القردة من نوع "المكاك الريسوسي" بعد تعريضها للبكتيريا المسبِّبة للسل.
يمكن أن تدعم نتائج هذه الدراسة التجارب السريريّة في هذا المجال بغية معرفة ما إذا كانت هذه الطريقة مجدية في حماية البشر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الدراسة، تلقّت مجموعات من القردة اللقاح تحت الجلد، عبر الاستنشاق أو عن طريق الوريد. في مرحلة تالية، قيَّم العلماء الاستجابات المناعيّة لدى الحيوانات بعد 24 أسبوعاً ووجدوا أنّ عملية التلقيح في الوريد قدّمت الحماية الأفضل.
بعد ستة أشهر من التطعيم، عرّض الباحثون الحيوانات إلى سلالة شديدة من البكتيريا المسبِّبة للسل ثم تتبَّعوا حالتها الصحيّة طوال ثلاثة أشهر.
في النتيجة، حظيت تسعة من أصل 10 حيوانات تلقّت الطعم عن طريق الوريد بحماية عالية ضدّ السل؛ فيما لم تُكتشف أيّ عدوى لدى ستة منها، وأصيبت ثلاثة فقط بأعداد قليلة جداً من البكتيريا في أنسجة الرئة. في المقابل، ظهرت لدى جميع الحيوانات غير الملقحّة وتلك التي أُعطيت الطعم عن طريق الجلد أو الاستنشاق علامات عدوى أكبر بأشواط مقارنة مع المجموعة الأولى.
تحدّثت في هذا الشأن جوان فلين الباحثة التي أنجزت الدراسة وهي بروفيسورة في علمالأحياء الدقيقة والوراثة الجزيئيّة في مركز "بحوث اللقاحات" في جامعة "بيتسبيرغ"، وقالت إنّ "آثار التلقيح في الوريد كانت مذهلة. عندما عقدنا مقارنة بين رئات الحيوانات التي تلقت اللقاح عن طريق الوريد وبين رئات الحيوانات التي أُعطيت الطعم بالطريقة المتّبعة عادة، وجدنا انخفاضاً قدره 100 ألف ضعف في العبء الجرثومي لدى الفئة الأولى. ولم تُظهر تسعة من أصل عشرة حيوانات أيّ التهابات في الرئة.
ولكن نبّه الباحثون إلى ضرورة إجراء مزيد من البحوث بغية التّأكد من أنّ هذه الطريقة آمنة وعمليّة على حدّ سواء قبل اعتمادها لتلقيح البشر ضدّ السل. جدير بالذكر في هذا المجال أنّ حقنة اللقاح الوريديّ تتطلّب مهارة أكثر، وتنطوي على مخاطر أكبر.
وختمت البروفيسورة فلين، "نحن بعيدون عن احتمال ترجمة هذه التجربة إلى تقنيات وأدوات تلبي الحالات الطبيّة الحرجة. ولكن نأمل في اختبار لقاح السل عبر الوريد على البشر في نهاية المطاف".
© The Independent