Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقنع الأحزاب السودانية شباب الثورة ببرامجها السياسية؟

المطلوب تغيير البنية الفكرية والممارسة القائمة منذ منتصف القرن الماضي

دعوة لشباب السودان للتعبير عن تطلعاتهم (غيتي)

يتساءل كثيرون عن الدور المنتظر للشباب السوداني في المشهد السياسي، خصوصاً ما بعد الفترة الانتقالية، إذ يشكلون أكثر من 60 في المئة من التعداد الكلي لسكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، من خلال تسلمهم زمام الأحزاب السودانية لتحقيق التحول الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، وذلك انطلاقاً من دورهم الكبير في الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، الذي يُعد أطول نظام شمولي حكم البلاد لفترة 30 سنة.

ودعا محللون سياسيون فئة الشباب إلى الانتقال من أفق الاحتجاج والمطالب إلى العمل السياسي وفرض الأجندة التي تعبّر عن تطلعاتهم، مؤكدين أنه في حالة اكتفائهم بدور المراقب لا الفاعل، فهذا يعني استمرار مسلسل فشل النخبة والأحزاب، ما سيقود إلى المزيد من الأزمات والحروب الأهلية والانفصالات وعودة الحكومات العسكرية الدكتاتورية من جديد.

تنظيم متماسك

يوضح المفكر السوداني الواثق كمير أن "إصرار الشباب على إسقاط النظام السابق يستدعي، وبالضرورة، بذل جهد أكبر لامتلاك الأدوات اللازمة، والتصور الواضح لآليات عملية الانتقال، كشرط رئيس لتحقيق أهداف التحول الديمقراطي، والحرية والسلام والعدالة"، لافتاً إلى عوامل ثلاثة رئيسة ينبغي ألا تغيب عن ذهن الشباب أو تفوت على فطنتهم، وهم في أتون حراكهم الثوري الهادف إلى استقرار البلاد وهي القيادة والتنظيم والرؤية الواضحة لما بعد الفترة الانتقالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار كمير إلى أن الحراك الشبابي الضخم والمنظم، سيفرز قياداته وأنه قادر على إنتاج أكثر من قيادي ملهم، بخاصة أن الشباب هم من نذروا أنفسهم ووضعوا على عاتقهم مسؤولية قيادة الشارع الذي ينتظر ويتطلع إلى حياة أفضل ومستقبل آمن. وأضاف "لا بد لهذه القيادة من أن تتكئ على تنظيم متماسك يمنحها الشرعية ويوفر الأداة اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات والبرامج الموعودة، والافتقار للتنظيم هو السبب الرئيس في فشل ائتلاف شباب الثورة في مصر في يناير (كانون الثاني) 2011، وفي تبعثر قياداتها، من أمثال وائل غنيم وأسماء محفوظ وأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة". لكنه يستذكر، قائلاً "لا أستبعد أن تتضمن أجندة الحوار والنقاش الدائر وسط الشباب في السودان التفكير في ابتداع الطريقة السليمة والمناسبة لإنشاء مظلة سياسية أو تحالف أو حركة، سمّها ما شئت، تمثلهم وتعبر عن رؤيتهم وأفكارهم".

الوعي السياسي

في السياق ذاته، قال المحلل السياسي النذير عبد الكافي "بعد سقوط نظام البشير في أبريل، لم يكن سهلاً على الشباب السوداني استيعاب تعقيدات السياسة السودانية والتقاطعات الإقليمية والتحديات الاقتصادية والخطر المحدق ببلد قد تنفجر فيه الأوضاع في أي لحظة، لكن هذا التعقيد والاشتباك في المشهد السوداني زاد الوعي السياسي والإلمام بالتاريخ السياسي لدى الشباب"، موضحاً أنه على الرغم من "ظهور أصوات كثيره تنادي بتمثيل معتبر للشباب في الوظائف القيادية وتعظيم دورهم في الحياة السياسية، لكن تبقى هذه الأصوات خافتة في ظل سيطرة النادي السياسي السوداني القديم، علماً أن هذه الأحزاب لم تعد ملاذاً للشباب منذ زمن بعيد، ولم تستطع أن توجد مناخاً ديمقراطياً في داخلها، يسمح للشباب بالصعود في السلم التنظيمي أو إضافة الأفكار الجديدة، فضاقت هذه الأحزاب حتى بمن فيها من المثقفين وأصحاب المراجعات والرؤى الجديدة. وهو ما جعل الشباب يلجأ إلى منصات التواصل الاجتماعي التي شكلت برلماناً مفتوحاً للثورة السودانية يضم أصواتاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتناول ويتفاعل مع مختلف القضايا في الساحة السودانية".

وأردف "يبقى الرهان على تماسك الفترة الانتقالية والعبور نحو التحول الديمقراطي رهيناً باستمرار الشباب كمكون أساسي في العملية السياسية السودانية على أرض الواقع والانتقال من أفق الاحتجاج والمطالب إلى العمل السياسي وفرض الأجندة التي تعبر عن تطلعاتهم".

المحاسبة والشفافية

في المقابل، طالب الكاتب أحمد فوزي الشباب السوداني بتغيير بنيتهم الفكرية السياسية وكيفية ممارسة السياسة الحزبية وتبديل الواقع المزعج منذ منتصف القرن الماضي، إذ يتمسك الكبار بمقاليد الحكم والسياسة في السودان، ولا تتغير قيادات الأحزاب الرئيسة إلاّ بالوفاة، أما الأحياء منهم، فهم قابعون على كراسي القيادة إلى الآن، وعلى الشباب حياكة تنظيمات ديمقراطية حقيقية، تضع محاكاة مستقبلية لكيفية تسلم السلطة، وتأسيس نظام حزبي قائم على المحاسبة والشفافية والمساءلة، بداية من هذه الكيانات الطامحة إلى تشكيل وجه السودان الجديد، بعد نهاية المرحلة الانتقالية.

وأضاف "ربما يقاسي الشباب من الوضع الأبوي الحاليّ للحياة السياسية والاجتماعية العربية عامة التي تتّسم دائماً بنوعٍ من العناد، مما يخلق حدوداً ثقافية واجتماعية أكثر صرامةً وتداخلاً مع الدين، تجعل للكبار سلطة مباشرة على الشباب، تعززها طبيعة العادات والتقاليد السائدة، ولكنها تبقى عقبات يمكن تجاوزها. فكلما ازدادت مساحة الاختلاف بين الكبار والشباب، مع تطور وسائل الاتصال وتوسيع حدود المعرفة وفرص الاحتكاك، سيتم التغلب على هذه العقبة وإقناعهم بالعمل معاً على تنفيذ سياسات تقوم على العلم وتدعم الأكثر جاهزية بغض النظر عن عمره أو تاريخه السياسي، فالأهم، الالتحام بالمشاريع الثورية التي ستخدم مصالح عامة الشعب والكفاءة المطلوبة لهذا الدور دون غيره".

صنع القرار

ورأى رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي الدكتور محمد المهدي من جهته أنه لا بد للأحزاب السياسية السودانية من أن تحدث خلال الفترة المقبلة تطوراً في أدواتها وبرامجها ومحتواها ورسائلها لتكون مقنعة في تلبية تطلعات جيل الشباب في عالم شديد التعقيد وسريع التغير، منوهاً إلى أنه من الأهمية بمكان أن تقوم الأحزاب كافة بتغيير خطابها التقليدي وانفتاح رموزها. فمعظم هذا الجيل لديه طموح عالٍ ويريد أن تكون الأحزاب التي تعبر عنه وتقوده في المرحلة القادمة جادة في استيعاب مشاكله وكيفية معالجتها وأن تكون مسؤولة وذات محتوى برامجي، يلبي حاجاتهم ويعمل على حل المشاكل التي يعانون منها.

وأشار المهدي إلى أنّ "نظرة الشباب ستتشكل تجاه العمل الحزبي إذا كانت الأحزاب السياسية هي المؤسسة الوحيدة التي تستطيع أن تصعد بالشباب إلى مواقع صنع القرار. عندئذ، سيشارك هؤلاء الشباب بقوة في العمل الحزبي وستكون مساهمتهم واضحة. بالتالي، ستنهض الأحزاب ممّا ينعكس ذلك على المجتمع عامة والتنمية على وجه الخصوص".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي